كتاب يعيد مساءلة الوجود والاكتمال

صدرت حديثا الترجمة العربية لكتاب الفيلسوف اللبناني بولس الخوري، بعنوان “الواقعة والمعنى: تمهيد لفلسفة الخيبة”، وهي ترجمة أنجزها الباحث والمترجم المغربي الدكتور المهدي مستقيم، والباحث والمترجم اللبناني الدكتور باسل بديع الزين.

ووفق معطيات حول الإصدار فإن هذا المصنف يُعد من الأعمال الفلسفية العميقة التي تتناول إشكالية الوجود الإنساني وعلاقته بالمطلق، عبر طرح أسئلة جوهرية مثل: هل يمكن للكائن البشري أن يبلغ مقام المطلق؟ وكيف لكائنٍ قوامه النقص أن يحوّل ذاته إلى ذات مطلقة؟.

إعلان كتاب يعيد مساءلة الوجود والاكتمال

وفي هذا العمل يطرح بولس الخوري فكرة أن الإنسان يسعى في هذا العالم دائما دون أن يبلغ ما يصبو إليه، ما يدفعه إلى معانقة خيبته، لأن الواقع البشري بكل تناقضاته لا يلبي تطلعات الإنسان، ما يخلق مسافة دائمة بين الذات وموضوعها المنشود. هذه المسافة، وفقا للخوري، هي التي تحول دون تحقيق الذات اكتمالها الخاص.

ويبرز الكتاب الفرق بين الواقعة والمعنى، إذ يرى أن “المعنى يتجلى ويختفي في الواقع بشكل دائم، ما يجعل الانتظار والخيبة جزءا لا يتجزأ من التجربة الإنسانية”، مشيرا إلى أن “الانتظار هنا ليس مجرد تطلع إلى ما هو خارجي، بل هو أيضا قدرة الإنسان على خلق عالمه الخاص”.

ويتناول الكتاب أيضا “النرجسية الفردية والجماعية” كعائق أمام تحقيق التطابق بين الواقع والمعنى، عبر تحول النرجسية الفردية إلى نرجسية جماعية، ما يؤدي إلى صراعات بين الجماعات والقوميات، بحيث يرى كل شعب نفسه مختارا لتحقيق الخلاص، موضحا أن “هذه النرجسية تمتد لتشمل الإنسانية ككل، ما يعزز فكرة مركزية الإنسان في الكون وحقه في السيطرة على الطبيعة”.

ويخلص الخوري إلى أن “استحالة تطابق الواقع والمعنى” تعني استحالة تحقيق الحرية الإنسانية في كليتها، لأن الإنسان، بوصفه كائنًا غير مكتمل، يسعى دائما إلى ذاته وكينونته، لكنه يعجز عن تحقيق هذا الاكتمال بسبب الحتميات الطبيعية والنفسية والاجتماعية.

يشار إلى أن المترجمين المهدي مستقيم وباسل بديع الزين قاما بجهد كبير في نقل هذا العمل الفلسفي المعقد إلى اللغة العربية، مع الحرص على تجنب الترجمة الحرفية والانزلاق إلى فخاخ الاستعراب. كما استعان المؤلف بمراجع متنوعة من الفكر اليوناني القديم والفلسفة الألمانية الحديثة والمعاصرة، فضلا عن اللاهوت والتاريخ وعلم النفس والأنثروبولوجيا والأدب، ما يجعل هذا العمل موسوعيا في طابعه.

حري بالذكر أن كتاب “الواقعة والمعنى: تمهيد لفلسفة الخيبة” يعتبر إضافة قيّمة إلى المكتبة العربية، خاصة للقارئ المهتم بالفلسفة الوجودية وإشكاليات الوجود الإنساني. كما يدعو هذا العمل إلى التأمل في طبيعة الخيبة وكيفية تحويلها إلى قوة دافعة نحو تحقيق الذات والكينونة.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى