تغطية الاستهلاك بالاقتراض تزيد من مخاطر “الحسابات البنكية المكشوفة”

سلطت إحصائيات جديدة صادرة عن بنك المغرب الضوء على تنامي لجوء زبائن البنوك، خصوصا الأجراء، إلى “تسهيلات الصندوق” (Facilite de caisse) و”السحب على الحسابات المكشوفة” (Découvert bancaire)، من أجل تغطية تكاليف الاستهلاك الشهرية، إذ قفز جاري هذه السحوبات إلى 9 مليارات درهم، أي 900 مليار سنتيم، ما يهدد بتفاقم قيمة القروض معلقة الأداء بذمة الأسر، على اعتبار أن التسهيلات الممنوحة من قبل البنوك عبارة عن قروض متجددة، تستخلص عنها رسوم وعمولات..

وتنسجم الإحصائيات الجديدة حول الوضعية الائتمانية للشريحة الأكبر من زبائن البنوك مع المعطيات الواردة عن المندوبية السامية للتخطيط بخصوص استنزاف 41.2 في المائة من الأسر مدخراتها أو لجوئها إلى الاقتراض خلال الفصل الرابع من السنة الماضية، واستقرار رصيد آرائها حول وضعيتها المالية الحالية في مستوى سلبي بلغ ناقص 38.9 نقط، مقابل ناقص 39.3 نقط خلال فصل سابق، بالإضافة إلى تصريح 11.1 في المائة فقط، مقابل 88.9 في المائة من هذه الأسر المستجوبة في إطار “بحث الظرفية”، بقدرتها على الادخار خلال 12 شهرا المقبلة.

إعلان تغطية الاستهلاك بالاقتراض تزيد من مخاطر "الحسابات البنكية المكشوفة"

وإذا كانت “السحوبات على الحسابات المكشوفة” توفر نوعا من “الراحة النقدية” المؤقتة للزبائن فإنها تمثل مشكلة مزدوجة، تظهر آثارها من خلال هشاشة الوضع المالي المتزايدة للأسر، وتنامي الاعتماد على المنتجات الائتمانية المكلفة لسد العجز المالي وتغطية الاستهلاك بشكل مستمر؛ ذلك أن الفوائد والعمولات تزيد من تفاقم الوضع المالي للزبائن، الذين يعانون بالفعل، ما يحول حلا مؤقتًا إلى عبء مالي دائم، وهو الوضع الذي يحمل البنوك مسؤولية تعديل عروضها لتناسب الواقع الاقتصادي للطبقات الوسطى.

إفراط الاستدانة

تزايدت تعقيدات تدبير الميزانية الشهرية من قبل الأسر، في ظل الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الغذائية والطاقة، إذ أصبح أي تغيير طارئ في التقديرات المالية للنفقات سببا كافيا من أجل اللجوء إلى “السحب على الحسابات المكشوفة”، رغم أن هذا الحل يظل مكلفا، ويحمل معه مخاطر الإفراط في الاستدانة، التي تؤدي في النهاية إلى العجز عن تمويل الاستهلاك، على اعتبار أن المنتج الائتماني المذكور هو في النهاية قرض متجدد، لا يُمنح تلقائيا عند فتح الحساب، بل يُعرض أولا على الزبون الملزم بإعداد ملف طلب للاستفادة منه، في حال قبوله.

وأوضح محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، في تصريح لجريدة النهار، أن “تزايد الاستدانة من خلال السحب على الحسابات المكشوفة يشكل تهديدا حقيقيًا للاستقرار المالي للأسر، خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، التي تشهد ارتفاعا غير مسبوق في أسعار عدد من المواد الغذائية والطاقية”، مؤكدا في السياق ذاته أنه “رغم أن هذه الحسابات توفر حلا مؤقتًا لتغطية النفقات الطارئة إلا أن استمرار اللجوء إليها يعرض الأسر لخطر الوقوع في فخ الديون المتجددة، إذ تضاف إليها الفوائد بشكل دوري، ما يزيد من عبء الدَين”.

وأضاف يازيدي شافعي، في السياق ذاته، أنه “وفقا لتقديرات البنك المركزي فإن نسبة الأسر التي تعتمد على السحب المكشوف ارتفعت بنسبة 15 في المائة خلال السنتين الماضيتين”، محذرا من أنه “مع تزايد العبء المالي قد تجد هذه الأسر نفسها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها الشهرية، ما يؤدي إلى العجز عن تمويل الاستهلاك”، واعتبر أن “العديد من الأبحاث تشير إلى أن ما يقارب 40 في المائة من الأسر التي تعتمد على هذه الحسابات تواجه صعوبة في سداد ديونها على المدى البعيد”، مشددا على أن “الحلول الائتمانية المؤقتة، مثل السحب على الحسابات المكشوفة، لا تساهم إلا في تأجيل المشكلات المالية”.

منتج مربح

تساهم الفوائد على الحسابات المدينة بشكل كبير في زيادة أرباح البنوك، ذلك أن “السحب على المكشوف” لا يمنح تلقائيا عند فتح الحساب، بل يُعرض أولا على الزبون، وإذا طلبه يتم تقديمه للموافقة لدى إدارة البنك بعد إعداد ملف ائتماني. ومع ذلك إذا اشترك الزبون في حزمة خدمات تشمل “السحب على المكشوف” يمكن منحه من البداية. كما تحتفظ البنوك بحق سحب هذه الميزة في حال عدم الامتثال للشروط أو استخدامها بشكل مفرط، دون الحاجة إلى تبرير قرارها؛ فيما تضع شروطا معيارية من حيث الدخل وحد السحب تختلف من بنك إلى آخر.

وأفاد سليم شهابي، مستشار مالي وبنكي، بأن “منتج السحب على الحساب المكشوف يمثل أحد المصادر الأساسية لتحقيق أرباح مرتفعة للبنوك، إذ تتيح الفوائد التي تُفرض على هذه العمليات للبنك فرصة لزيادة مداخيله بشكل مستمر”، مضيفا في تصريح لجريدة النهار: “رغم منح هذا المنتج على أساس فردي وتحديد سقفه بناء على ملف ائتماني فإن البنوك تضمن الحفاظ على هامش ربح كبير من خلال فرض أسعار فائدة مرتفعة تتراوح في العديد من الأحيان بين 12 في المائة و20 سنويا، ما يعزز بشكل مباشر أرباحها”، ومشددا على أن “المنتج الائتماني الذي يعتبر غالبا حلا للاحتياجات الطارئة يصبح في كثير من الأحيان وسيلة تمويلية دائمة بيد العديد من الزبائن، ما يؤدي إلى تراكم الفوائد، وبالتالي زيادة العبء المالي عليهم”.

وتابع شهابي: “رغم وجود بدائل أخرى مثل بطاقات الائتمان والقروض قصيرة الأجل التي تقدم شروطا أكثر مرونة إلا أن هذه البدائل قد لا تكون متاحة للجميع، ما يضطر بعض الزبائن إلى الاستمرار في استخدام السحب على المكشوف”، مستدلا بنتائج دراسة داخلية للسوق أجراها أحد البنوك، أكدت أن 30 في المائة من الزبائن الذين يستخدمون حسابات مكشوفة لا يسددون الديون بشكل منتظم، ما يرفع من أرباح البنوك ويزيد من حجم ديون الأفراد، ومنبها من جانب آخر إلى أن “التنظيم البنكي في بعض الدول، خصوصا في أوروبا، يفرض مزيدا من الشفافية ويحسن من حماية الزبائن، رغم أن العديد من البلدان مازالت تفتقر إلى الرقابة الصارمة على هذا النوع من المنتجات الائتمانية”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى