مهرجان السينما والتاريخ يسدل الستار

اختتمت بالمدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، الأحد، فعاليات الدورة الأولى من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، المنظمة هذه السنة تحت شعار “السينما والذاكرة”، وتوجت بوقفة استذكارية للفنان الراحل محمد حسن الجندي، وسهرة موسيقية أحياها الفنانون خالد إصباح وخالد بدوي وشكير سروح.

المهرجان، الذي امتد على مدى أربعة أيام، تخللته أنشطة ثقافية وسينمائية متعددة، افتتحت بتنظيم أربع ورشات لفائدة طلبة وتلاميذ المؤسسات التعليمية، بتنسيق مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بمراكش، همت السيناريو والإخراج والتشخيص والفوتوغرافيا.

إعلان مهرجان السينما والتاريخ يسدل الستار

واختار منظمو مهرجان السينما والتاريخ بمراكش افتتاح الدورة الأولى بتكريم المخرج والكاتب سعد شرايبي، الذي أعلن عن قناعته بالحاجة إلى مهرجان سينمائي ثقافي بالمعنى السوسيولوجي، مؤكدا على راهنية موضوعه “السينما والتاريخ”، واقتداريتها في بعث روح السينما، فكرا واستراتيجية، وذلك دون تجاهل مسألة “التأصيل” و”الهوية”.

إثر ذلك، تم عرض الفيلم السينمائي (55) بحضور المخرج عبد الحي العراقي، والمنتجة كارولين لوكاردي، وهو الفيلم الذي يعيد من خلال صور ولوحات تشكيل فترة حاسمة من التاريخ الوطني، وهي الكفاح من أجل الاستقلال.

ويحكي الفيلم قصة كمال (11 عاما)، ابن أحد مهنيي الصناعة التقليدية البسطاء بالمدينة القديمة بفاس، الذي يعيش الأشهر الأخيرة للبلاد تحت الحماية الفرنسية، حيث يقع في حب جارته عائشة البالغة من العمر 18 عاما المنخرطة جنبا إلى جنب مع رفاقها من الطلبة المناضلين من جامعة القرويين، لينخرط كمال بدوره في الكفاح من أجل الاستقلال وعودة السلطان محمد بن يوسف، تلا العرض الفيلمي نقاش مستفيض أغناه مهتمون ونقاد وطلبة.

وبفضاء مركز الندوات التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش، التقى جمهور المهرجان بنجمين متفردين من عالم السينما والدراما، وبإدارة الإعلامي مصطفى غلمان، ألقى المخرج ربيع الجوهري درسا في السينما والذاكرة، قارب فيه إشكالية تعريف جنس الفيلم التاريخي، على مستوى “النصية والأسلوبية والذاتية”، تناول من خلالها موضوعة أوبنهايمر 2023 لمريستوفر نولان، وذاتية هيروشيما، مونامور لألان رونيه 1959.

وبمدرج الشرقاوي إقبال بكلية اللغة العربية بمراكش، كان لقاء الجمهور مع عرض شريط للمخرج ربيع الجوهري “سيكا” أضاء جوانب مهمة من سيرة قضية الصحراء المغربية في بعدها الوطني والثقافي والحضاري.

مهرجان السينما والتاريخ يسدل الستار

من جانبه، تفاعل الفنان هشام بهلول مع أسئلة محاوره الناقد محمد اشويكة، ارتكزت مجملها حول مسار الفنان في عالم التمثيل واختيار الآفاق الفنية في مجالات السينما والتلفزيون والعمل المسرحي، دروب الافتتان والهوس بالسينما والمسرح والتلفزيون، وآثار كل ذلك في مسلكيات التجربة، مستفيضا خلال تجاوبه مع أسئلة اشويكة، في استرفاد حضوره الصيروري والتقائيات النصوص الدرامية القوية.

وتحدث بهلول عن الدراما العربية ودورها في صقل شخصيته كفنان، مستعرضا جزءا من تجربته مع كبار المخرجين والفنانين العرب، مشيرا إلى بعض أعماله المغربية التي لاقت استحسانا لافتا على مستوى قابليتها لدى الجمهور المتعطش للغة راقية وصدق في العمل وحرص على لعب أدوار تليق بالمسار.

كما أقام مهرجان السينما والتاريخ بمراكش حفلا باذخا برياض دار الزليج، على شرف فناني المدينة من الذين ساهموا في الأفلام والمسلسلات التاريخية الوطنية والدولية. وألقى الناقد محمد آيت لعميم، بهذه المناسبة، كلمة باسم المهرجان، أثار فيها أهمية الاعتراف بطاقات فناني المدينة وإسهاماتهم في الدراما السينمائية والتلفزيونية الوطنية والعربية والدولية.

ودعا آيت لعميم إلى جعل هذه اللحظة مقاما عرفانيا لمواكبة الفنانين ودعمهم وإن بشكل رمزي، مؤكدا على توجه المهرجان لتكريم كل المحطات التي تم ترسيخها في الوجدان الوطني، مشددا على انفتاح المهرجان وإنصاته لكل المبادرات في هذا الشأن.

واختتم المهرجان بندوة وطنية “سينما الذاكرة.. التجربة المغربية”، سيرها الباحث محمد آيت لعميم، توشحت بمنطقيات تأويلية مختلفة، لكتاب ونقاد أجادوا في وضع أسئلة راهنية حول مفاهيم “السينما /الذاكرة” و”السينما /التاريخ” و”سينما التاريخ”.

مهرجان السينما والتاريخ يسدل الستار

واستقرأ الباحث العربي الواحي موضوعة السينما والذاكرة، بمرجعية المؤرخ الفرنسي مارك فيرو، الذي يحدد مداخل عديدة لعقد العلاقة الثنائية المذكورة؛ أولها اعتبار الصورة مثل المصار التاريخية غير التقليدية، كمادة يمكن قراءتها بوصفها وثيقة، مضيفا أن الدارس المحقق في التفاصيل يستطيع أن يتجاوز الرسائل المباشرة التي يرسلها الفيلم، تسجيلا كان أو روائيا.

أما الباحثة سناء الزعيمي، فاستعرضت تجربتها في التقاط لحظات السينما، من منطلق البعد الجندري، بنية تغدو السلطة فيها مختصة بهيمنة وتعريف وموضعية للمركز، بما يضمن علاقات التبادل المنفعي القائم بين أطراف المجتمع، بعوامل مختلفة للعنف.

أما الناقد السينمائي سمير عزمي، فقارب دلالات الحضور التاريخي والثقافي في الفيلم المغربي، متخذا فيلم المخرج إدريس اشويكة منجزا لتقريب وجهة نظره في العمل على ترويض اللغة، وتحقيق حضور مجازي للبنية الاجتماعية والجغرافية والقيمية.

واختتمت الندوة بمداخلة للكاتب والإعلامي عبد الكبير ميناوي، استقصت بالدليل والحجج البائنة مدارات السينما في المخيال الجمعي وتأثيرات ذلك على قيمة وجودة النصوص الفيلمية، مستعرضا أحداثا سينمائية بالغة التعقيد، ليس فقط في بؤرة تجاوزها للعقل السينمائي، بل لتحويل المجاز إلى حقيقة.

امحمد الخليفة وأحمد متفكر يتذكران الجندي

قال امحمد الخليفة، القيادي السياسي والوزير السابق، إن صداقته بمحمد حسن الجندي لم تكن عابرة؛ بل “شاخصة ومستنيرة”، موثقا بعض تمظهرات هذه الصداقة التي تجاوزت الزمن إلى قيمة الروح والوجدان بـ”العلاقة” التي تطبعها الأمانة الأخلاقية والنضال السياسي والثقافة الأصيلة.

مهرجان السينما والتاريخ يسدل الستار

وأوضح الخليفة أن موقع الفنان الجندي في الذاكرة والوجدان الوطنيين هو موقع لا تعوضه لحظات البوح القليلة، ولا كتابات تستنطق نزرا يسيرا من رحلة حياة طويلة وممتدة بامتداد العمل والكفاح والحب الكبير الذي نكنه لهذا الوطن الغالي، بل برمزية التذكر واعتبارية الإخلاص للزمن الماضي.

وفي هذا الصدد، ساق القيادي السياسي مجموعة من الأحداث والوقائع التي عاشها مع الفقيد؛ منها ما هو فني سينمائي أو معيشي يومي، مذكرا بمكانة الجندي الثقافية والفنية والاعتبارية.

ودعا الخليفة أصدقاء الراحل وأسرته إلى إعادة توجيه بوصلة الإرث الذي تركه الجندي، كتابة وإبداعا، خصوصا مذكرات حياته، التي اعتبرها المتحدث “بوحا لم يقل كل شيء”، مهيبا بالمهرجان “أن يضطلع بمسؤوليات إحياء تراث الفنانين والمثقفين وتوثيق ما يصلح للتوثيق”.

من جانبه، أورد المؤرخ والباحث أحمد متفكر مجموعة من المعطيات حول حياة الفنان الراحل، مستعرضا جوانب مهمة من حياته وإسهاماته في مجالات الإبداع المسرحي والتلفزيوني والإذاعي والسينمائي.

وقال متفكر “إن تعددية الثقافة لدى الجندي كانت استثناء”، مبديا إعجابه بعصاميته وطموحه الذي أوصله إلى العالمية، موردا أن من شأن إحياء تراث الجندي أن يرد الاعتبار لمكانته ورمزيته، بسبب ما أسماه بـ”غبنه” في آخر حياته، مذكرا بما عاناه بعد تقاعده من وزارة الثقافة، ومثيرا سؤال “الاعتراف” بالراحلين من العلماء والمثقفين.

يشار إلى أن الحفل الختامي شهد حضور نجل الراحل حسن الجندي، الذي تسلم درع التذكار من مهرجان السينما والتاريخ، معلنا نجاح الدورة الأولى ضاربا موعدا السنة المقبلة.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى