تعاطي “مجلس الحسابات” مع الاستراتيجية الطاقية يثير الانتباه بالمغرب

على مِشرحة دقيقة للتقييم والافتحاص، وضع المجلس الأعلى للحسابات، خلال عمله للفترة 2023-2024، مكونات “الإستراتيجية الطاقية الوطنية 2009-2030″، مبرزا اختلالات مشاريعها والتعثرات التي رافقتها، خصوصا في قطاعات الكهرباء والطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والوقود والمحروقات والطاقة النووية والتنقيب عن الهيدروكربونات.

كما استرْعت، بهذا الخصوص، كلمة زينب العدوي، الرئيسة الأولى للمجلس، أمام مجلسي البرلمان وأعضاء الحكومة بحر الأسبوع الماضي، اهتمام العديد من خبراء الطاقة والمهتمين بمسارات تطور الانتقال الطاقي “المتعثر”؛ ما دفع البعض لرؤية الأمر بمثابة “تقريع رسمي” للوزيرة ليلى بنعلي الذي تتقلد حقيبة هذا القطاع الحكومي الاستراتيجي من حيث أهميته والحساس من حيث الارتباط برهانات “كُلفة الفاتورة الطاقية” و”التحديات الإيكولوجية-المناخية” بغاية بلوغ “السيادة الطاقية”.

إعلان تعاطي "مجلس الحسابات" مع الاستراتيجية الطاقية يثير الانتباه بالمغرب

التخطيط والتنفيذ

عبد الصمد ملاوي، خبير طاقي مغربي متخصص في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، أقرّ بأن “ما خلص إليه تقييم المجلس الأعلى للحسابات من ضُعف المخزون الاستراتيجي للمغرب من المواد البترولية، وخصوصا الأكثر استهلاكا، هو أمر ملاحَظ ويُعد -في الواقع– مشكلة استراتيجية حسّاسة”؛ لأن “المخزون الاستراتيجي هو صمّام أمان لأية دولة لضمان استقرار الإمدادات في أوقات الأزمات أو التقلبات في الأسواق العالمية”.

وأضاف ملاوي، ضمن تعليق لجريدة جريدة النهار، أن “النقص الحالي في مستويات المخزون يعكس قصورا في التخطيط وكذلك في التنفيذ للمشاريع المتعلقة بهذا المخزون، خاصة مادتي الغازوال وغاز البوتان الأكثر استهلاكا”.

واعتبر الخبير الطاقي المتخصص في تكنولوجيا الطاقات المتجددة أن “الحكومة قد يكون لها رأي اقتصادي، لأن المغامرة بشراء مخزون مهم قد يكون بأسعار مرتفعة”؛ غير أنه شدد بالمقابل على أنه “يجب مراعاة الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى ومتوسطة المدى فيما يخص مسألة المخزون الاستراتيجي، الذي يجب أن يكون على الأقل كما هو متعارف عليه قانونيا في 60 يوما، وقد يفُوق هذه المدة لضمان الأمن الطاقي الوطني”.

وسجل المتحدث ذاته “ضرورة الاستثمار في البنية التحتية الخاصة بالتخزين وتطوير وتنويع نقاط الدخول”، استجابة لحاجة متزايد”، موصيا بـ”تطوير سياسات طاقية أكثر شمولا لتقليل الاعتماد على واردات الطاقة”، مبرزا أنه “على الحكومة عبر القطاع الوصيّ تعزيزُ الشراكات الدولية لضمان تأمين إمدادات مستقرة من المحروقات، للتغلب على التخوف من تقلب الأسعار”.

الغاز الطبيعي

ملاوي زكّى خلاصات “مجلس الحسابات” بشأن “تعثر خطط ومشاريع الغاز الطبيعي في المغرب” المتضمنة ضمن الاستراتيجية الطاقية الوطنية، معلقا: “هي حقيقة واقعة لا تخطئها العين، ويبدو أنه تعثر يعود لأسباب موضوعية عديدة… هذا يمثل تحديا كبيرا أمام طموحات المملكة في تقليل الاعتماد على المصادر الأحفورية، لافتا إلى أن “المغرب ملتزم بسياسة بيئية واضحة ولديه تعهدات دولية للحد من التلوث”.

ونبّه الخبير الطاقي، ضمن تصريحه لجريدة النهار، إلى “استمرار الفحم الحجري في تشكيل نسبة كبيرة لإنتاج الكهرباء بالمغرب رغم التوجه التدريجي نحو الطاقات المتجددة”.

وشدد على أن “الغاز الطبيعي كان من المفترض أن يلعب دورا محوريا كمرحلة انتقالية نحو طاقة أنظف؛ لأن الغاز الطبيعي ينتج غازات ملوثة أقل مقارنة بالمصادر الأحفورية الأخرى”.

وقال: “يبدو أن الحكومة المغربية قد فضّلت الأولويات الاقتصادية على حساب البعد البيئي أو المسار الأخضر… والمشاريع المتعلقة بالاستثمار في الغاز الطبيعي تؤثر على الالتزامات المغربية في التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون”.

وبينما استحضر المصرّح “التزام المغرب بتقليل انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 45.5 في المائة بحلول 2030، فإنه على بُعد خمس سنوات نلاحظ بأن المغرب لا يزال بعيدا عن هذا الهدف، على الرغم من أن الاضطرابات في السوق الدولية للغاز الطبيعي أدت إلى زيادة استخدام الفحم الحجري في السنوات الأخيرة؛ خلص إلى أن “الحفاظ على السعر الحالي للكهرباء يتطلب استخدام مواد أقل تلوثا وأقل تكلفة، مع استحضار تقلبات السوق الدولية المؤثرة على واردات المغرب من الغاز الطبيعي المستخدم في توليد الكهرباء”.

وفق ملاوي، “يجب أن يتوجه المغرب نحو مصادر طاقية بنفس الأثمنة تقريبا أو أقل دون مراعاة التأثيرات البيئية”، وبحُكم أن “الاستثمارات في البنية التحتية المتعلقة بالغاز الطبيعي كبيرة جدا ومتوسطة/بعيدة المدى فمن الأحسن أن تكون مؤسسة خاصة أو مجلس أعلى للطاقة بصلاحيات موسَّعة”.

المزيج الطاقي

قال الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية لصناعات البترول والغاز، إنه “ما جاء في كلمة رئيس المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان، الأربعاء الماضي، لا يلتقي ولا يتوافق مع ما تُصرّح به وزيرة الانتقال الطاقي خلال خرجاتها بشأن تأمين المخزونات البترولية من المواد الأكثر استهلاكا بين المغاربة”.

واعتبر اليماني، في حديثه لجريدة النهار، أن “تأمين المخزون الاحتياطي يتضمّن 3 حلقات واجبة التوفر، لضمان تأمين الطاقات البترولية، خاصة في بلدٍ غير منتج للبترول وأغلقَ مصفاة وحيدة للتكرير منذ 10 سنوات، إذ تتمثل هذه الحلقات في استيراد المكرر وتوسيع إمكانيات التكرير وضمان مخزونات كافية من المواد الصافية”؛ وهو ما نبّه إليه مجلس الحسابات في تقييمه للاستراتيجية الوطنية.

كما أشار الكاتب العام للنقابة الوطنية لصناعات البترول والغاز إلى أن “تنويع المزيج الطاقي يَضمن التزويد المستدام، في حالة وجود مشاكل وتقلبات دولية”، مشددا على أن “التزويد الطاقي لا يُبنى على مصدر واحد، ما زالت المواد البترولية تشكل 53 في المائة من حيث الاعتماد عليها”، مستحضرا “تطور الأنماط الطاقية التي يجب أن تؤخذ في السياق”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “كلفة إنتاج الطاقة” بالإضافة إلى عامل “المحدِّد البيئي، عبر تضريب الكربون، عنصران حاسمان في أية استراتيجية طاقية خاصة في البلدان غير المنتِجة لمصادر الطاقة”.

وقدّر اليماني، ضمن تصريحه، أن “الطاقات المتجددة تعرف بدورها تعثرات بوصفها بديلا طاقيا كثُر فيها الكلام أكثر من العمل المنجَز”، حسب توصيفه، قبل أن يعتبر أن “مشاريعه تسير بوتيرة أكثر بطئا من المبرمج، فضلا عن تكنولوجيا مستوردة وليست محلية التصنيع أو الابتكار”.

وختم بأن “تدارك تأخرات الغاز الطبيعي تستدعي أن يكون من مصادر ذات أصل وطني، مع إمكانيات الاستيراد ضمن بواخر عائم… إذ له دور حيوي في توفير الكهرباء النظيفة، مع إمكانية دمجه ضمن صناعة تكرير الفوسفاط والبترول؛ ما يخفض كلفة الإنتاج الصناعي ويجعله منطلقا لبناء صناعات بتروكيميائية وطنية هي من صميم اختصاصات وزارة الانتقال الطاقي”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى