المبادلات التجارية المغربية بين العجز والفائض .. وأوروبا “شريك رئيسي”
تراجع واضح بصم عليه العجز التجاري السنوي للمملكة بأكثر من 23 مليار درهم؛ ليبلغ 285,5 مليارات درهم سنة 2023 (مقابل 308,8 مليارات درهم سنة 2022)؛ ما ساهم في انخفاض “حصة العجز في الناتج الداخلي الإجمالي” (من 23,2 في المائة سنة 2022 إلى 19,5 في المائة سنة 2023) بـ”3,7 نقاط”.
وتجاوزت قيمة الواردات، متم السنة المنصرمة، 715,8 مليارات درهم مقابل 737,4 مليارات درهم قبل سنة؛ أي بـ”انخفاض” نسبته 2,9 في المائة. هذا مقابل ارتفاع للصادرات بنسبة 0,4 في المائة؛ لتصل إلى 430,2 مليار درهم مقابل 428,6 مليارات درهم كانت قد حققتْها سنة 2022.
تفسيرات ممكنة
“عند ملاحظة انخفاض في نسبة العجز التجاري بنسبة 3.7 في المائة بين سنتي 2023 و2022 فإن الرقم قد يَظهر إيجابيا للوهلة الأولى؛ ولكن لا يعكس، بالضرورة، أن هناك دينامية كبيرة لمجموعة من الأسباب”، في نظر المحلل الاقتصادي رشيد ساري.
“السبب الأول”، وفق إفادات شارحة وتفسيرية بسطها الخبير نفسه، متعلق بانخفاض الواردات بنسبة 2.7 في المائة مشيرا إلى أن السبب الأساسي في ذلك “كان هو انخفاض الفاتورة الطاقية التي عرفت ارتفاعا كبيرا جدا سنة 2022؛ حيث تجاوز سعر البرميل مائة دولار للبرميل الواحد، كذلك الغاز كان قد حققَ أرقاما جد مرتفعة خلال السنة ما قبل المنصرمة”.
“انخفاض الواردات هو مرتبط، بشكل أو بآخر، أساسا وأولا، بانخفاض الفاتورة الطاقية”، أورد ساري مشددا على أنه “يجب عدم نسيان بأن المواد الأولية أو المواد الأساسية على المستوى العالمي انخفضت بنسبة 25 في المائة. وهذا مؤشر إلى أن انخفاض الواردات ليس علامة على الاعتماد أكثر على المنتوج المحلي أو “صنع في المغرب” أو عقلنة الإنتاج؛ ولكن أساسا نتيجة انخفاض مجموعة من الفواتير أو الأسعار الدولية”.
معلقا على دينامية الصادرات، سجل الخبير الاقتصادي أنها “تبقى في حدود القار جدا؛ لأنها ارتفعت بشكل طفيف؛ ورغم أن هناك مجموعة من المجهودات الملحوظة بقطاعات أساسية حققت هذا الارتفاع، والحديث أساسا هنا عن قطاع صناعة السيارات بشكل كبير ( في سنة 2023 وصلت قيمة صادراتها 141 مليار درهم)، منوها أيضا بدينامية “الصادرات الناتجة عن صناعة الطائرات” التي زادت بـ23 في المائة؛ “وهو جد مهم”، حسب توصيف المصرح.
واستدرك ساري قائلا: “ولكن الصادرات عموما لا ترقى، اليوم، بشكل كبير أمام المنظومة الصناعية التي يتمتع بها المغرب، على الرغم من أن هناك دينامية كبيرة من خلال مجموعة من المنتجات؛ لأننا نلاحظ أنه حتى فاتورة الفاتورة المرتبطة بالفوسفاط حققت كذلك نتائج جد مهمة”.
وعلى الرغم من تنويهه بأن انخفاض العجز “مؤشر إيجابي يدعم صحة الاقتصاد الوطني”، فإن ساري لفت إلى أن المغرب ما زال يسجل عجزا في ميول كفة المبادلات لصالح شركاء تجاريين بارزين للرباط.
العجز والفائض
حسب البلدان، أبانت معطيات مكتب الصرف عن التجارة الخارجية المغربية أن “الميزان التجاري مع الشريك التجاري الأول للمغرب ما زال في عجز مستمر”؛ مسجلا ملاحظة “انخفاضه” بقيمة 4,6 مليارات درهم (ناقص 23,1 في المائة)، منتقلا من 19,9 مليارات درهم في 2022 إلى 15,2 مليار درهم سنة 2023؛ وهو ما سجله “بإيجابية” الخبير الاقتصادي مصرحا لجريدة النهار.
كما سجل ساري، ضمن ملاحظاته على التقرير، تأثر “المبادلات التجارية المغربية مع الصين” بـ”تفاقم العجز منذ 2011″، إذ بلغ 72,5 مليارات درهم سنة 2023 مقابل 70,6 مليارات درهم في 2022.
الأمر نفسه لاحظه الخبير الاقتصادي في الميزان التجاري للمغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليتعمق العجز من 40,4 مليارات درهم سنة 2022 إلى 47,6 مليارات درهم في 2023. الأمر نفسه ينسحب على الميزان التجاري مع إيطاليا (العجز التجاري 12,1 مليار درهم).
وفي المقابل، أشاد الخبير نفسه بـ”تشبث الشركات الفرنسية وبقائها بالمغرب؛ ما جعلنا نحقق في المغرب “فائضا تجاريا مع فرنسا منذ سنة 2017”. أما سنة 2023، بلغ الفائض 11,9 مليارات درهم بزائد 9,4 مليارات درهم.
“نلاحظ بأن هناك علاقات تجارية مُنتجة ومربحة مع دول كبرى، مثل بريطانيا؛ ما يستدعي تجاوز الإشكالات، التي يجب معالجتها في علاقاتنا التجارية الأخرى”، استنتج المتحدث لجريدة النهار الذي لفت إلى أن “شراكات اتفاقية التبادل الحر هي اليوم في حاجة إلى إعادة رسم خرائطها”؛ لأن هناك مجموعة من الإشكاليات التي تشوب هاته الاتفاقيات والتي بسببها اليوم نعاني ونسجل عجزا تجاريا كما لاحظناه خلال سنة 2023”.
“الشريك الرئيسي”
من خلال استقراء جريدة النهار لمعطيات التقرير السنوي المفصل لمكتب الصرف، اتضح بشكل لافت، خلال عام 2023، أن أوروبا مازالت “الشريك التجاري الرئيسي والأساسي” للمغرب، فيما يخص معاملات السلع تصديرا واستيرادا.
وفق الأرقام الرسمية التي طالعتها الجريدة، مَثلت “القارة العجوز” حصة 63.2 في المائة من إجمالي معاملات السلع في المملكة مقابل 58.8 في المائة خلال عام 2022.
وبلغت قيمة الصادرات إلى القارة الأوروبية 308.72 مليار درهم، يستوعب منها تكتل “الاتحاد الأوروبي” لوحده ما مجموعه 272,34 مليار درهم؛ بينما بلغ إجمالي الواردات 416,09 مليارات درهم، أو ما يساوي نسبة 74.2 في المائة كـ”معدل تغطية الواردات بالصادرات”.
ويبلغ العجز التجاري للمغرب مع القارة الأوروبية قيمة 107.37 مليار درهم، حسب معطيات مكتب الصرف.
وإذا كان الاتحاد الأوروبي مازال “اتجاها مفضلا” لحصة كبيرة من الصادرات المغربية، فإنه، أيضا، “مصدر رئيسي للواردات”، بعجز محدد في 82.58 مليار درهم؛ وهو ما يمثل “تحسنا عن العام السابق”.
في وقت ارتفع العجز التجاري للمملكة بنسبة 2.7 في المائة مع قارة آسيا، وتفاقمَ بالنسبة مع أمريكا بنسبة 6.2 في المائة؛ فإن المغرب في علاقاته التجارية مع عمقه الإفريقي مازال يتمتع بميزان “إيجابي”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News