خفض عجز الميزانية وتحكم بالنفقات.. مؤشرات المالية العمومية تتحسن بالمغرب
حملت “وضعية التحملات وموارد الخزينة” التي أفرزت، وفق أبرز خلاصاتها، “عجزا في الميزانية” بـ20,4 مليار درهم متمّ الأشهر الستة الأولى من سنة 2024 (مقابل 28 مليار درهم في الفترة ذاتها قبل سنة)، أخبارا سارة للسلطات المالية المغربية والحكومة الحالية برمّتها.
أحدث النشرات الشهرية لـ”إحصائيات المالية العمومية”، الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة، أكدت أن وضعية العجز “أخذت بالاعتبار رصيدا إيجابيا بقيمة 9,4 مليارات درهم من الحسابات الخاصة للخزينة ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة”.
وتراجعت “النفقات العادية” بنسبة 1,4 في المائة إلى 156,07 مليار درهم، شاملة “انخفاض تكاليف المقاصة” (ناقص 67,5 في المائة)، مقابل “ارتفاع التسديدات الصافية والتسويات والمبالغ الضريبية المستردة” (زائد 30,5 في المائة)، فيما زادت “فوائد الدين” (بـ 9,5 في المائة) ثم “السلع والخدمات” (بـ 3,1 في المائة).
متم يونيو 2024 بصم على “إنجاز المداخيل العادية” بنسبة 56,6 في المائة من توقعات قانون المالية، والنفقات العادية بـ49,1 في المائة، والنفقات الاستثمارية بـ41,5 في المائة. بينما انتعش الرصيد العادي المسجل خلال النصف الأول من السنة ليستقر عند 19,25 مليار درهم.
“تحسن ملموس للمؤشرات”
تعليقا على الأرقام ودلالاتها من حيث التنفيذ الميزانياتي لقانون مالية 2024، رصد عبد الرزاق الهيري، أستاذ التعليم العالي في علوم الاقتصاد والتدبير بجامعة فاس، دينامية “تحسّن ملموس في المؤشرات الرئيسية للمالية العمومية بالمغرب”، ضاربا مثالا بما عرفته العائدات الجبائية من “ارتفاع بما يناهز 11.2 في المائة في 6 أشهر الأولى من 2024 مقارنة بالفترة نفسها من 2023”.
في المقابل، أشار الخبير الاقتصادي ذاته، في إفادات تحليلية مفصّلة لجريدة جريدة النهار، إلى انخفاض “النفقات العادية لميزانية الدولة” بـ1.4 في المائة، مع “نسبة تنفيذ مهمة للعائدات العادية بنحو 56.6 في المائة مع إصدار ما يناهز 50 في المائة من النفقات العادية وتنفيذ ما يناهز 42 في المائة من نفقات الاستثمار”.
وبحسب الهيري، فإن الانخفاض الذي عرفته النفقات العادية يرجع بالأساس إلى “الانخفاض الذي شهدته النفقات المتعلقة بدعم أسعار المواد الاستهلاكية الرئيسية، باستحضار شروع المغرب منذ بضعة أسابيع في تنفيذ تقليص تدريجي لدعم غاز البوتان. لهذا، لاحظنا ميزانية المقاصة انخفضت تقريبا بـ 67,5 في المائة في الفترة الشاملة لنصف السنة الجارية لتبلغ 4,6 مليارات درهم مقارنة مع عام قبل ذلك (14 مليار درهم)”.
وتابع بأن “كل هذا ينعكس إيجابا على الرصيد العادي الذي حقق رقما إيجابيا بـ19 مليارا و55 مليون درهم، مقارنة مع سنة 2023 التي كانت قد سجلت خلال الفترة ذاتها رصيدا عاديا سلبيا فاق 3 مليارات درهم”.
كما لفت إلى أن “تحسّن المؤشرات الرئيسية أفضى إلى تحسن مماثل في عجز الميزانية وكذلك حاجيات ميزان الدولة للتمويل”، مستدلا بـ”نسبة العجز الميزانياتي التي انخفضت بحوالي 7 مليارات درهم، في حين انخفضت الحاجيات للتمويل بما يناهز 8 مليارات”.
“عزم يحقق الأهداف”
هذه الأرقام الإيجابية، رأى فيها مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” مؤشرا لافتا على أن “السلطات العمومية عازمة على تحقيق الأهداف المسطرة منذ تنصيب الحكومة الحالية، وهي تخفيض عجز الميزانية إلى ما يناهز 4%، وبالتالي تحقيق توقعات بنك المغرب في هذا الصدد، خصوصا خلال الاجتماع الأخير لمجلسه الذي توقع أن يحقق المغرب عجزا ميزانياتيا يناهز 4.4% من الناتج الداخلي الخام في 2024 على أن ينخفض إلى 4.1% في 2025”.
واسترسل قائلا: “هذا سيؤثر إيجابا على دين الخزينة مقارنة بالناتج الداخلي الخام (يتوقع أن ينخفض دين الخزينة مقارنة بالناتج الداخلي الخام من 70,1 في المائة إلى 68,5 في المائة في 2025)”.
وخلص المحلل الاقتصادي ذاته إلى أنه “بما أن السلطات العمومية عازمة على التحكم في النفقات، وبالتالي تحسين المداخيل الجبائية من أجل تحسين المؤشرات المالية العمومية، فالمطلوب الآن هو العمل على دعم جودة النفقات العمومية لإنتاج خدمة عمومية تناسب تطلعات المواطنين بما يساهم في التنافسية الاقتصادية ودينامية النمو الاقتصادي، وبالتالي تحقيق الرخاء الاقتصادي المنشود”.
“عموما، هذه المؤشرات تبقى رهينة بالظرفية الاقتصادية العامة التي نأمل أن تستمرّ حاملة لمؤشرات إيجابية، خصوصا والمغرب يتطلع لأن يحسّن من أداء الميزانية العامة للدولة والنفقات العمومية من أجل أن تكون البنيات التحتية في المستوى المطلوب، في إطار تنظيم المغرب لتظاهرات رياضية كبرى”، يجمل الهيري، مسجلا أن “التحسن خصوصا في تقليص عجز الميزانية، وبالتالي مستوى مديونية الخزينة، سيؤدي إلى خفض الضغط الذي تعرفه المالية العمومية، خصوصا عندما تكون الدولة مضطرة إلى اللجوء إلى الاقتراض”.
توازنات المالية العمومية
من جانبه، لا يختلف رشيد ساري، محلل مالي واقتصادي، مع التقديرات التحليلية السابقة، معتبرا أن “تسجيل عجز ميزانياتي منخفض يعدّ مؤشرا إيجابيا من المرتقب أن يستمر في تحسين توازنات المالية العمومية التي حرصت المملكة المغربية على تنفيذ ورش إصلاح حكامتها وتدبير نجاعتها بشكل بدأ يؤتي ثماره”.
وأبرز ساري، في تصريح لجريدة النهار، أن “المداخيل العادية التي ارتفعت بدورها كان لها الأثر الواضح على دينامية وضعية الموارد المالية التي أنعشت الميزانية العامة للدولة”، مستحضرا في حديثه “توقعات مستقبلية أمام الدينامية التي نعيشها اليوم بالنسبة للاستثمارات سواء الوطنية أو الأجنبية المباشرة”.
في هذا الصدد، أكد المحلل المالي أن “زيادة حجم الاستثمارات، الذي تحتل فيه مشاريع البنيات التحتية العمومية حيزا كبيرا، تؤدي مباشرة إلى رفع عائدات الضريبة على المواد المستوردة أو المصنّعة، وكذا إيرادات ومداخيل الرسوم الجمركية”.
كما استدعى ساري “إمكانية تحقّق التأثير الإيجابي المتبادل للأثر” الذي تخلقه استثمارات أجنبية مباشرة بالمغرب هي حاليا في ارتفاع خلال النصف الأول من السنة الراهنة، مسجلا أن “الدينامية الاقتصادية العامة مدعومة أيضا بارتفاع الإنتاج الإجمالي المواكب لارتفاع الطلب المحلي”.
وخلص إلى أن “تحسن العائدات الضريبية، مع التحكم في النفقات العادية، بالموازاة مع خفض عجز الميزانية كهدف محدّد سلفا ضمن قوانين المالية والبرمجة الميزانياتية للمملكة خلال السنوات الثلاث المقبلة، كلها مؤشرات جيّدة من المنتظر أنها سوف تستمر بشكل تدريجي ودوري”، خاتما بأن “دوران عجلة الاستثمارات الكبرى لن يقف عند الاستعدادات الجارية لتنظيم كأس العالم 2030 التي تتطلب – لوحدها– ميزانية تقارب 52 مليار درهم”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News