“سكارليت يوهانسن” .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

كانت آني (سكارليت يوهانسن) شابة طموحة تدرس التكنولوجيا لتعمل في المكاتب الزجاجية في نيويورك، فجأة كرهت الأجواء وصارت مربية أطفال بالصدفة في فيلم “يوميات مربية أطفال”The nannydiaries 2007.

كيف؟

إعلان "سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

كانت آني سينيفيلية، لذا جاءت كل معلوماتها عن تربية الأطفال من الأفلام. كانت الممثلة تتواصل مع الأطفال حسيا، كانت تنحت المعنى والبهجة بالجسد لتقليل وزن الحوار. حين تؤدي ممثلة دورا بإتقان يوحي أداؤها وكأنها ولدت من أجل كل دور تقوم به، حتى إنه يصعب تقديم ملاحظات نقدية عن التمثيل الذي تتفوق فيه.

تمنح الممثلة الأمريكية سكارليت يوهانسن كل دور تؤديه قطعة من روحها لتجعل الأداء راقيا، وهي تحقق ذلك مهما كان جلد وقناع الشخصية التي تتنكر فيه، وهو ما يتعقبه هذا البحث من خلال دراسة عرضية عابرة لعدة أفلام شاركت فيها الممثلة الأمريكية بين 1998 و2019.

“إن التمثيل هو التظاهر بأنك شخص آخر” (1) يجري التظاهر بالجسد وبالصوت. والاستعداد لذلك أشبه بعملية تنكر صعبة للذات لتقمص دور شخص آخر، لتقديم شخصية حقيقية وليست بلاستيكية.

كيف يجري التقمص؟.

يجيب أندري تاركوفسكي بأن “الممثل السينمائي الحقيقي، في تصوري، هو القادر على قبول أي قانون من قوانين اللعبة التي توضع أمامه… بسهولة وعلى نحو طبيعي، ودون أي بادرة إجهاد او انفعال، وأن يظل تلقائيا في ردود فعله تجاه أي وضع مُرتجل”.(2)

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

يتحقق هذا الأداء بقوة في فيلم وودي آلان “ضربة حظ” (Match Point) 2005، حيث تقتحم شابة فقيرة جميلة (نولا ريس، أداء سكارليت يوهانسن) وشاب فقير ذكي (كريس ويلتون أداء جوناثان ريس مايرز) وكر البرجوازية في قلب لندن طلبا لمستقبل أفضل.

ماذا لديهما من وسائل لتحقيق أحلامهما؟.

كرة الحظ

أدركا مبكرا أن لا جدوى من الاعتماد على الموهبة، لذلك ينتظران من الحظ أن يحقق أحلامهما، هي لديها جسدها البض وهو لديه حس خدوم سيسعفه في الزواج من بنت الأغنياء؛ هذا رأسمالهما الوحيد في قلب الغابة المالية لتحقيق التسلق الطبقي. المعضلة أن الفقيرين وقعا في حب بعضهما، فمن سينقذ مَن؟.

تعرف البطلة الفقيرة أنها مثيرة أكثر من كونها جميلة، يعشقها الرجال وبعد مضاجعات متكررة تتراجع الرغبة فيبردون ويفكرون ويقررون أنها لا تصلح للزواج، لأن كل رجل يراها يريد أن ينقض عليها.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

بسبب هذا التخمين يفر منها الرجال الجادون، وهم وحدهم الذين يكسبون المال، وهذا ما يديم فقرها ويزيد من غضبها ضد نفسها… تفسر تدهور وضعها بالحظ وليس بنقطة الانطلاق الطبقية، وهو ما أثبتته لها منافستها.

يتميز فيلم وودي آلان كالعادة بوضوح في فواصل التحولات التي يتأسس عليها الصراع. لا يميز المخرج بين شخصية الطيب والخبيث باللفظ بل بالأفعال. صحيح يوجد أشخاص يتبعون العواطف، لكن التقسيم الرئيسي بين البشر هنا حاد، والذي يكاد ينساه الكتاب السطحيون، هو بين من يملكون ومن لا يملكون؛ ومن هنا تصدر الأفعال الدرامية.

لشرح الفارق استخدم وودي آلان كرة حاسمة تلمس الشبكة في مقابلة لكرة المضرب لتقرر مصير أحد البطلين. وقعت الكرة – السوار في جهته ونجا لأنه ارتبط بامرأة تملك ثروة فصعد في السلم الطبقي.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

يتكرر هذا المشهد في فيلم “شقيقتان من أجل ملك” (Deux Sœurs pour un roi) 2008 لمخرج جوستان شادويك، الذي تتقاتل فيه شقيقتان طموحتان من أجل الحصول على الرجل نفسه – الملك.

شقيقتان من أجل ملك

كانت ماري (أداء سكارليت يوهانسن) شابة إنجليزية طموحة تعيش في مرحلة تهب عليها ريح منتصف القرن السادس عشر. في ذلك الزمن الذي انتصرت فيه البروتستانيتة صار بإمكان النخب السياسية أن تخالف تعاليم الكنيسة عن الزواج دون خطر كبير لأن مارتن لوثر كينغ كان قد أضعف قبضة البابا على أوروبا. ليس صدفة أن تكون الكنيسة الإنجليزية أول كنيسة تفلت من يد الحبر الأعظم.

في هذا السياق الاجتماعي الجديد سافرت ماري إلى باريس ورجعت بقبس من روح الأنوار لتصنع مصيرها بيدها في وجه شقيقتها آن (أداء ناتالي بورتمان). وجدت يوهانسن نفسها هنا في منافسة فنية حقيقية رهيبة، وقد تفوقت في الأداء وفي الإغواء. كان التنافس بالجسد والرأي والصوت.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

ماري جميلة وساطعة وواثقة تتقدم بقوة لقلب الأدوار السياسية بجمالها حلى حساب القانون الديني. بعد عشرين دقيقة من الفيلم تغيرت أوضاع بضع نساء في البلاط الإنجليزي…

في لحظة تحول، لحظة انفصال عن الماضي للاندماج في الواقع الجديد، استعان المخرج بترافلينغ متراجع للخلف لتبتعد عين المشاهد عن الجسد الفاتن، وقبل إغلاق باب القصر في الكادر الموالي تقدمت الكاميرا فارتفع خصر ماري في عمق الكادر. كانت الأجساد تقول أشياء تناقض الكلمات. هذا إخراج يخاطب العين لا الأذن. وتملك يوهانسن ما يكفي من المؤهلات لتناسب هذا الإخراج.

بنت سكارليت يوهانسن مجدها الفني بين فيلم “الرجل الذي يهمس للخيول” 1998 وفيلم “قصة زواج” 2019، مرورا بأفلام “Love sang” 2004 و”يوميات مربية أطفال” 2007، “شقيقتان من أجل ملك” 2008 و”لوسي” 2014.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

في فيلم “الرجل الذي يهمس للخيول” 1998 أدت يوهانسن دور مراهقة بشكل لافت، وأثبت أنها ممثلة واعدة أمام روبرت ريدفورد، مراهقة كانت محظوظة في نيويورك فتدهورت حياتها بسبب نزاع والديها.

قصة طلاق: فنان يتعرض للاستنزاف

كانت يوهانسن أما في نزاع مع زوجها في فيلم “قصة زواج” 2019، من إخراج نواه باومباخ الذي التقط نهاية علاقة مخرج وممثلة متزوجين في فيلم عن فن إدارة الممثل في المسرح.

يدير المخرج (أداء آدام درايفر) زوجته الممثلة (أداء سكارليت يوهانسن) في بروفات مسرحية ستقوم فيها بدور البطولة؛ تحاول الدخول في جلد الشخصية التي تؤديها لتعبر بالمتفرج من كل العواطف. ممثلة تملأ مركزها ولا تترك فراغات حولها، تعرف أنها لا تستطيع البكاء على الخشبة، ويعرف – زوجها المخرج – أنه يكره أن يراها تتظاهر بالبكاء. إنها صادقة على الخشبة. تعدي الخشبة حياة الممثلة الحقيقية. يأتي الممثل الحقيقي من المسرح.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

يغوص فيلم “قصة زواج” في حميمية النساء بواسطة محلل نفسي مترهل في تعميماته ومحامية مفترسة تدفع الأمور بين الزوجين للهاوية فورا.

يكتشف الفنان نظرة زوجته له من كلام المحامين. يظهر فيلم “قصة زواج” صعوبة الزواج من فنان نرجسي يخصص كل وقته لفنه، ومع الوقت تكتشف الزوجة أنها كانت ديكورا في مشهد كان جاهزا قبل وصولها. النتيجة طلاق يكمن سببه في المنافسة على الشرعية الفنية.

تخاف الممثلة الزوجة على ماضيها العاطفي من محامين يحولون حياة الزوج إلى جحيم. تريد الممثلة الطلاق وليس تدمير المخرج لانتزاع الطفل منه. يلتقي الزوج محاميا عجوزا خبيرا بمقالب المهنة ويشرح كيف يضارب المحامون بالزبائن لزيادة الربح على حساب الأسر المفككة. قريبا ستعين الحكمة خبيرا ليراقب الوالدين بمكبر ليعرف كيف يتصرفان… هذا سيحطم حياة الطفل.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

تستخدم يوهانسن الحركة والنظرة لتبليغ المعنى. تكثف حركات الوجه معنى الكلمات التي تنطقها الممثلة.

لقد فهمت الممثلة الشخصية التي تؤديها وتعبر عن ذلك الفهم بملامحها وبنظراتها، وهو ما يتضح في أدائها دور بيرسي في فيلم المخرجة شيني غابل”Love sang” 2004، الذي لعبت يوهانسن فيه دور اليتيمة العنيدة أمام العملاق جون ترافولتا.

ماتت لورين فجأة وجاءت بنتها بورسلين – وهذا اسم زهرة برية ضارة- لتدفنها ولتكتشف ما جرى.

في رحلة اكتشافها لنمط حياة أمها مع صديقيها، تعيد بورسلن اكتشاف نفسها.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

تعود الشابة وتنام طويلا لتغسل روحها ثم تنهض لتكتشف العالم المحيط بها، ترى بوبي (جون ترافولتا) يتسلم الكأس قبل أن يرفع رأسه من الوسادة ويتحدث عن أمبيرسي بتقديس.الصديقان معجبان بلورين إلا هي، ابنتها.

كيف انتصر الكتاب على التلفزة؟

بداية تخمن بورسلين أن الإثنين كانا يستغلان أمها ويقيمان في منزلها وقد حوّلاه إلى مزبلة وهي تحاول طردهما لتبيع المنزل الذي ورثته وتغادر… خصماها مهمشان مشردان سعيدان لأنهما حصلا على أكثر مما طلبا، يرفضان المغادرة بدعوى أن لهما نصيبا في المنزل، نصيب نتج عن العيش المشترك وليس عن الرابطة الدموية. لا تفهم بورسلن هذا المنطق فتغادر حاملة بعض حاجيات أمها، في المطار تقرأ إهداء لبوبي على كتاب لأمها “صوتك مس روحي”، “والصوت هذا التوقيع الحميمي للممثل” (3).

تتصفح الشابة الكتاب وتقرر العودة إلى المنزل الفوضوي… لأنه حسب جورج صاند لا يمكن أن نقتلع صفحة من دفتر حياتنا. طبعا كل حدث عشناه يبقى في الدفتر.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

كلما اكتشفت بورسلن حقيقة الناس الذين كانت تحتقرهم إلا وتغير موقفها، وجدتهم صادقين نبلاء راضين… وكلما قارنت الكاتب الذي تسكن معه ولا يتحرش بها حتى إلا واحتقرت أكثر عشيقها السابق البذيء الذي لا يوجد كتاب واحد في بيته.

كانت الشابة مولعة بمشاهدة برامج الطبخ على التلفزيون، همها بطنها… في فورة غضب كسر بوبي التلفزة فانشغلت بورسلن بالمطالعة لأول مرة في حياتها… ثم بدأت تتعلم من جديد وتكتشف غنى عالم الكتب، فيعمل بوبي ولاوسن على تثقيفها… يحرضانها: “لمَ نعيش إن لم يكن لنتعلم؟”، وينصحها بوبي باتباع منهج سقراط… تسمع أغنية لأمها لأول مرة في حياتها فتنطلق إلى جامعة عريقة، لأن بوبي يرفض أن يراها تتجه إلى معهد لا يليق بثقافتها، كان ذلك أفقا كبيرا للمممثلة والشابة.

مرة واحدة قررت الممثلة سكارليت يوهانسن لعب دور لا يثمن مواهبها، ظهرت كشخصية بلاستيكية في فيلم (Lucy) للمخرج الفرنسي لوك بوسون. عانى الفيلم من كثرة اسخدام المؤثرات البصرية، مرحبا ببحث الممثلة عن البطولة النسائية المطلقة. لكن في لوسي غلبت المؤثرات على الأداء، غلبت التكنولوجيا على الفن فتراجع موقع مواهب الممثلة على الشاشة.

"سكارليت يوهانسن" .. ممثلة سينمائية جذابة تخوض الاختبار على خشبة المسرح

الخلاصة، لقد عملت سكارليت يوهانسن مع سينمائيين كبار مثل روبير ريدفورد ووودي آلان وجون ترافولتا… إنها الممثلة الغلامية الجذابة التي يحبها المخرجون في الكاستينغ لأن في أدائها تلقائية هائلة دون أي بادرة إجهاد او انفعال كما اشترط تاركوفسكي.

هوامش:
(1) شابل، شارلي، قصة حياتي، ترجمة كميل داغر، المركز الثقافي العربي، ط1، 1994، ص238.
(2) تاركوفسكي أندري “النحت في الزمن” ترجمة أمين صالح، وزارة الإعلام، البحرين 2006، ص 138.
(3) باتريس بافي معجم المسرح ترجمة ميشال ف. خطّار، المنظمة العربية للترجمة، بيروت الطبعة الأولى 2015 ص 600.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى