حالة عدم اليقين وموجات الجفاف توجه مسار إعداد مشروع قانون المالية 2025
انتقلت الحكومة إلى مرحل متقدمة في إعداد مشروع قانون المالية 2025، بعدما عمم عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، منشورا على الآمرين بالصرف في مارس الماضي من أجل تقديم مقترحات بشأن النفقات والموارد الخاصة بالميزانية المقبلة، على أساس تحويلها إلى المصالح الوزارية المختلفة في غضون 15 يوما الأولى من أبريل الماضي، قبل الانتقال إلى تجميع مقترحات القطاع الخاص والتمثيليات المهنية، خصوصا الإجراءات الضريبية والتدابير الجبائية المطروحة لحل مجموعة من المشاكل الحالية.
وفي مسار إعداد المشروع المالي المقبل تداولت لجان البرمجة والأداء على مستوى وزارة الاقتصاد والمالية في المقترحات التي جرى تجميعها قبل منتصف الشهر الماضي، في أفق عرض الوزارة الإطار العام للمشروع قبل نهاية الشهر المقبل. ويتعلق الأمر بسلسلة من الخطوات الروتينية التي سارت عليها هذه الحكومة وسابقاتها خلال السنوات الأخيرة، مع التشديد على اختلاف الشروط والظروف الخاصة بإعداد كل مشروع مالي على حدة، إذ توجه حالة عدم اليقين الراهنة وتداعيات الجفاف عملية الإعداد لمشروع القانون المالي للسنة المقبلة.
وتشير الإحصائيات والأرقام إلى وقوع المغرب تحت تأثير العديد من القيود الظرفية التي تؤثر على اقتصاده، حيث من المتوقع أن يحقق في 2024 و2025 معدل نمو متوسط في حدود 3 في المائة، فيما تواصل تداعيات الجفاف تفاقمها متسببة في فقدان أزيد من 180 ألف منصب شغل خلال السنتين الماضيتين، خصوصا في المناطق القروية؛ بينما التزمت الحكومة بإحداث 550 ألف منصب بحلول 2026، موازاة مع ارتفاع معدل البطالة إلى 13 في المائة، وهو رقم قياسي، يضاف إلى معدل إفلاس المقاولات البالغ 15 في المائة، ونسبة المديونية العامة مقابل الناتج الداخلي الخام، التي تجاوزت 80 في المائة.
عدم اليقين
في وقت تشير التوقعات إلى محافظة بنك المغرب على معدل الفائدة الرئيسي الحالي دون تغيير (3 في المائة) خلال المجلس الإداري المنعقد بعد أيام، تفكر الحكومة في تخفيف حدة حالة عدم اليقين التي يعيشها الاقتصاد الوطني في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية الراهنة، التي منحت أبعادا جديدة للتضخم واضطرابات الأسعار في الأسواق واختلالات التزود وسلاسل القيمة، بعد تمدد الفترة الزمنية للحرب الروسية على أوكرانيا، وتزايد الإجراءات الحمائية والجمركية لدى عدد كبير من الدول، واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف النقل واللوجستيك العالمية.
وأوضح رضوان نعيمي، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، معلقا على وضعية الاقتصاد الوطني خلال الفترة الحالية، التي تتزامن مع إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025، أن “الظروف الدولية تحمل مجموعة من الشكوك التي يمكن أن تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني”، مؤكدا أن “التوترات الجيو-سياسية، خاصة الحروب في أوكرانيا وغزة، تشكل مخاطر كبيرة على استقرار أسعار النفط وبعض المنتجات الغذائية، مثل القمح، فيما يعتمد المغرب بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجاته في ظل تفاقم تداعيات الجفاف على الموسم الفلاحي”، ومنبها بالقول إنه “حتى المؤشرات الرئيسية لشركاء المملكة، خصوصا أوروبا، لا تحمل معطيات واضحة يمكن أن تؤثر إيجابا على المبادلات بين الجانبين”.
وأكد نعيمي، في تصريح لجريدة النهار، أن “حالة عدم اليقين التي يواجهها الاقتصاد الوطني ستعقد مهمة الحكومة في السيطرة على التوازنات المالية من خلال مشروع القانون المالي المقبل، الذي تعترضه تحديات كبيرة مرتبطة بتحمل كلفة الزيادة في الأجور، التي جرى إقرارها في إطار الحوار الاجتماعي”، موضحا أن “الشكوك ستتزايد أيضا بشأن قدرة هذه الحكومة على تمويل النفقات الجديدة، علما أنها ترزح تحت ضغط أعباء مالية أخرى، تتعلق ببرامج الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية والتقاعد، إضافة إلى تكاليف المشاريع الهيكلية الخاصة بتوفير البنية التحتية اللازمة لاستقبال نهائيات كأس العالم لكرة القدم سنة 2030”.
ضرائب إضافية
يمكن أن تشكل الزيادة في الضرائب أو فرض إجراءات جبائية جديدة في إطار مشروع قانون المالية 2025 حلا لضمان تغطية الالتزامات المالية المقبلة، والمحافظة على توازنات المالية العمومية في ظل الظرفية الاقتصادية الراهنة، التي تفرض تغطية التحملات المالية والنفقات العامة بشكل مستعجل، خصوصا أنها تهم الاستثمارات في البنية التحتية، وتعميم التغطية الاجتماعية، ودعم الخدمات العمومية الأساسية؛ فيما تتزامن هذه التحديات مع زيادة قيمة الالتزامات المالية للدولة التي تفرض رفع المداخيل الضريبية كخيار أول للمحافظة على توازن الميزانية العمومية، وضمان استمرار استجابتها للشروط الائتمانية الدولية.
وأكد محمد أمين الحسني، خبير في الاقتصاد التطبيقي، في تصريح لجريدة النهار، أن “المؤشرات الحالية للاقتصاد الوطني تفرض على الحكومة إدراج إجراءات ضريبية جديدة في مشروع القانون المالي المقبل، إما من خلال زيادة نسب التضريب أو فرض ضرائب جديدة، أو توسيع الوعاء الضريبي”، مشددا على أن “أي خيار آخر سيفاقم خطر عجز الميزانية الذي كان يسير في اتجاه تنازلي منذ فترة، من 7.6 في المائة إلى 4.4، علما أن التوقعات تشير إلى نسبة 4 في المائة متم 2024، و3.5 في المائة خلال 2025″، ومشيرا في السياق ذاته إلى “فرض الالتزامات الاجتماعية كلفة يجب تحملها على المدى الطويل”، ومنبها إلى “ضرورة اتخاذ إجراءات مستعجلة لتخفيف آثار الجفاف، من خلال تعبئة تمويلات مهمة لدعم الفلاحين، ومواصلة برنامج بناء محطات تحلية مياه البحر؛ إذ ستكون الحكومة مضطرة في ظل هذه الظروف لاتخاذ قرارات صعبة أحيانا من أجل ضمان توازن ميزانيتها”.
وكشف الحسني، في السياق ذاته، عن “حساسية إجراءات زيادة الضرائب في مشروع قانون المالية المقبل، باعتبار التحديات المرتبطة بتجنب إعاقة النمو الاقتصادي، مع ضمان توفير الموارد اللازمة للنفقات العمومية”، مؤكدا أن “المشاورات مع الجهات المعنية، بما يشمل ممثلي القطاع الخاص، ضرورية لتقليل التأثيرات السلبية، وتأمين توزيع عادل للعبء الضريبي”، ومشيرا إلى “وجوب مصاحبة زيادات الضرائب بإجراءات تحفيزية تحول دون تباطؤ النمو الاقتصادي، من خلال تقليل الاستهلاك والاستثمار، مع ضرورة تحصين المكتسبات الحالية، المتمثلة في استقرار النمو ووضعية احتياطات الصرف الآمنة وحركية التصدير وتحويلات مغاربة الخارج”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News