عيوش: “الجميع يحب تودا” يرد الاعتبار للشيخات.. نساء قويات مقاومات محاربات
يعد المخرج المغربي نبيل عيوش من أبرز صناع الفن السابع الذين حملوا علم السينما المغربية، من خلال تقديمه أعماله في مهرجانات عريقة على المستوى الدولي؛ فاستطاع من خلالها تسويق المنتوج الوطني خارج الحدود، والتمرد على قواعد السينما باختياره أسلوبا خاصا ومثيرا للجدل انفرد به عن أبناء جيله ليغني من خلاله الخزانة السينمائية للمملكة.
في الحوار التالي الذي خص به جريدة جريدة النهار بعد عودته من مهرجان “كان” الذي قدم فيه العرض العالمي الأول لشريطه السينمائي الجديد “الجميع يحب تودا”، يتحدث نبيل عيوش عن مشاركته في هذا المحفل الكبير، وتفاصيل شريطه الطويل وتيمته؛ إضافة إلى مواضيع أخرى.
ماذا يمثل لك عرض فيلمك السينمائي الجديد بمهرجان عالمي مثل “كان”؟
عشت لحظات استثنائية وجميلة لمستني كثيرا، لأنه لا يوجد ما هو أحسن من العرض الأول لفيلمك في مهرجان من حجم “كان”؛ فهو أحسن مكان لتقدم فيه عملك، ويرى العالم شريطك.
التصفيقات الحارة وتفاعل الحاضرين كان أمرًا مفرحا؛ لكن ما أسعدني أكثر هو أنني أحضرت معي جزءا من المغرب، لأنه عند انطفاء الأضواء وانطلاق الفيلم بالعيطة والشيخات تحس بأن بلادك تلتقي مع العالم.
لم أكن أتوقع ردة فعل الناس مع العمل ومع العيطة، لأنهم لا يعرفون هذا التراث المغربي؛ ولكن كان هناك الكثير من الملاحظات والتركيز والتساؤلات حول الموضوع من الصحافيين والحاضرين.
هل كان الطريق سهلا للوصول وعرض أفلامك بمهرجان من هذا الحجم؟
بصفة عامة، من الصعب الدخول إلى مهرجان “كان”، كيفما كانت جنسيتك؛ لأن المنظمين يصلهم سنويا أكثر من 4 آلاف فيلم يتم عرضه على لجنة لتختار 20 أو30 فيلما. لذلك، فالوصول إليه صعب جدا.
وليس لأنك شاركت مرة واحدة سيتم استدعاؤك دائما؛ لكن في كل مرة تلزمك بداية جديدة وعمل في المستوى.. وصراحة عندما تحضر فيلما يتكلم عن موضوع ليس عالميا؛ بل وطنيا مثل “الشيخات”، يكون الأمر معادلة صعبة كثيرا لكي يفهمه الناس. لذلك، أظن أن ما أردت إيصاله وصل.
ما السر وراء اختيارك موضوع “معاناة الشيخات” لمعالجته في الفيلم؟
“الشيخات” حاضرات في أفلامي منذ مدة طويلة، على غرار “خيرة” و”غازية”. لذلك، يمكنني القول إنني مهتم بهذه التيمة منذ زمن؛ لأنهن يمثلن دورا في المجتمعات المغربية منذ القدم ومنذ قرون.. وهؤلاء النساء يجب علينا احترامهن؛ لأنهن في فترة الحرب كن مقاومات ومحاربات ومثلن دور إيصال رسائل.
ودائما كان يشد انتباهي هذا النوع من النساء القويات والمجتمع المغربي في حاجة إلى مثلهن، بالرغم من أنهم متواجدات أردت إظهارهن في الفيلم وأعطيهن تكريما ووقفة اعتراف؛ لأن نظرة المغاربة لهن اختلفت عن فترة الستينيات.. وهذا أمر ليس عادلا دفعني إلى رد الاعتبار لهن.
جددت التعامل مع الممثلة نسرين الراضي، فما السر وراء اختيارها؟
لديّ مع نسرين قصة طويلة؛ فقد التقيت بها لأول مرة عندما كانت طالبة في المعهد وشاركت في سلسلة من إنتاجي بعنوان “دور بيها يا الشيباني”، وعندما كنت أمر في البلاطو وأراها أقول مع نفسي إنها ممثلة حقيقية رغم صغر سنها، ثم بعد سنوات جسدت دورا في فيلم “أدم” لزوجتي مريم التوزاني، فرأيت تطور موهبتها وقدراتها التمثيلية القوية والجيدة، وقلت مع نفسي إنه في يوم من الأيام إذا قمت بفيلم حول “الشيخة” ستكون هي بطلته.
لم أقم بكاستينغ واستغللنا الوقت للتحضير مع نسرين التي قامت بعمل جبار وكبير على مستوى الرقص والغناء وطريقة الحديث لكي تكون مقنعة في الدور، والنتيجة ستظهر في الفيلم؛ فهي ممثلة كبيرة جدا.
صورنا العمل على مدار سنة ونصف، لأنني كنت أرغب في تتبع الطبيعة والمناخ.. وبين كل فترة تصوير وأخرى كنت أقول لها إنه لديها الحق في تصوير عمل آخر؛ لكنها رفضت ذلك، وقالت لي إنها ترغب في أن تبقى في جلباب “تودا” ولا تخرج منه إلا عند نهاية التصوير، فكرست كل وقتها للفيلم؛ وهذا دليل على أنها فنانة كبيرة.
هل يكون من الصعب التعامل مع ممثلين غير محترفين في موقع التصوير؟
صراحة ما يحكم في الأمر هو نوع العمل؛ فهناك أفلام، مثل “علي زاوا” و”علي صوتك” وغيرهما، تحتاج نوعا من الواقع الذي وجدته عند ممثلين مبتدئين أو لم يسبق لهم التمثيل لكنهم أصبحوا بعد ذلك ممثلين محترفين مثل عوينة وعبد الإله رشيد وأنس بسبوسي وغيرهم؛ هؤلاء المشاريع التي تكون لديها علاقة بالواقع ألحق فيها عن المرة الأولى في التمثيل لكي يترجم بعض الأشخاص ما يعيشونه في الواقع.
لكن في مشروع مثل “الجميع يحب تودة” حرصت على التعامل مع فنانين محترفين، مع العمل على إدارة الممثل؛ لأنني قادم من المسرح الذي انطلقت فيه منذ بداياتي في باريس.. والعمل مع ممثل محترف يكون في شكل مختلف عن ممثل غير محترف؛ لكن أنا أحب الاثنين.
أنس بسبوسي سطع نجمه بعدما كان اكتشافك، فماذا يمثل لك هذا الأمر؟
هو نموذج لممثل انطلق معي، فقدم معي فيلم “علي صوتك” الذي استوحيته من الواقع؛ ولو جاء ممثل محترف بدله فلن يقدمه بنفس المستوى، والدليل على ذلك هو أن أنس اليوم أصبح ممثلا كبيرا وافتتح مشوارا فنيا جميلا.. وهذا الأمر يعد مفخرة لي، وتختلط أحاسيسي في التعبير عنه بعد رؤية شباب انطلقوا معي، مثل جمال الدبوز ورشيد الوالي وغيرهم، الذين رافقتهم في بدايتهم وأرى ما حققوه وأين وصلوا اليوم.
وصراحة، لا يوجد ما هو أحسن من المرة الأولى التي تظل راسخة في الذاكرة دائما، ويكون إحساسك كمخرج لا مثيل له.
هل يمكن القول إنه لدينا في المغرب صناعة سينمائية حقيقية؟
لا نملك بعد صناعة حقيقية في المغرب؛ لأننا ما زلنا نحتاج إلى سوق المداخيل التي يمكن أن تسدد احتياجات الناس بعيدا عن الدعم، فبخمسين قاعة سينمائية لا يمكنك أن تتحدث عن صناعة مثل مصر أو الهند الذين يجعلون المخرجين والمنتجين وكتاب السيناريو يحققون نجاحات كبرى وربحا أكبر يجعلهم يستثمرون ويدفعون من هم بعيدين عن الميدان للدخول والاستثمار فيه لتكون هناك صناعة.
ما زال الطريق أمامنا، ويجب علينا وضع أساس لسوق سينمائية لكي يأخذ المخرج عندما يريد تصوير فيلمه دعما من المركز السينمائي المغربي فهذا مهم؛ لكن بمساعدة القطاع الخاص الذي يجعل الأفلام تنجح وتحقق رأس مال يجعل عشاق السينما يستثمرون.
متى سيرى الجمهور المغربي شريطك الجديد بالقاعات السينمائية؟
إذا أراد الله سيخرج في أواخر شهر نونبر المقبل أو بداية شهر دجنبر في صالات العرض المغربية.
كلمة أخيرة
شكرا جريدة النهار على الاستضافة كنت سعيدا باكتشاف المنبر عن قرب، وأقول للناس إن فيلمي الجديد يتحدث عن موضوع مهم وبطلات من تاريخ المغرب، وأتمنى عندما يصل العمل إلى المغرب وإلى جمهوري أن تصلهم الصورة التي رغبت في تقديمها وأن يحصد تفاعلا كبيرا على غرار “كان”.
كما أتمنى أن تتغير الصورة النمطية للشيخات في المغرب عن طريق هذا الشريط لأنهن يستحقن، ونسرين الراضي أبدعت.. لذلك، ميعادنا يوم العرض في القاعات.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News