“إسبانيا الآن” .. دريوش يفكك تحولات المشهد السياسي في المملكة الإيبيرية

“إسبانيا الآن.. تحولات المشهد السياسي الإسباني من 2008 إلى 2023” كتاب جديد من تأليف نبيل دريوش، الباحث المغربي المختص في الشؤون الإسبانية، نزَل إلى المكتبات المغربية خلال هذا الأسبوع، يرسم “صورة دقيقة لواقع إسبانيا الحالي المختلف تماماً عن واقع الأمس”، وهو “أول عمل يَصدُر بالمغرب والعالم العربي باللغة العربية عن المشهد السياسي الإسباني الراهن، ويفكك تناقضاته لتقريب إسبانيا أكثر إلى ذهن القارئ المغربي، خصوصاً”.

المؤلَّف الذي جاء في نحو 240 صفحة متوفر بالمكتبات بدءا من وسط هذا الأسبوع عن “دار الفاصلة للنشر” (Virgule Editions)، ويحمل بين دفّتيْه “تشريحا دقيقاً للمشهد السياسي الإسباني الذي تغيَّر كثيرا في السنوات الماضية”، بحسب ورقة تعريفية بالكتاب توصلت بها جريدة جريدة النهار، عبر “محاولة إعادة تفكيك هذا المشهد المتحول من خلال العودة إلى قراءة في جذور وتطورات الأحزاب الجديدة اليسارية مثل ‘بوديموس’ و’سومار’، أو اليمينية مثل ‘سيودادانوس’ و’فوكس’ المتطرف”.

إعلان "إسبانيا الآن" .. دريوش يفكك تحولات المشهد السياسي في المملكة الإيبيرية

كما يكشف الكتاب، بحسب مؤلِّفه المتابع منذ سنوات عن كثب تطور العلاقات المغربية الإسبانية، بعض “التفاصيل الدقيقة” في مسار هذه الأحزاب؛ متطرقاً، من بين قضايا وتفاصيل أخرى، إلى “قصة التحاق بابلو إيغليسياس بعملية تأسيس ‘بوديموس’، والأسباب التي دفعت عدة أساتذة جامعيين إلى الرهان عليه بحكم أنه كان وجهاً تلفزيونيا معروفا وقتها، إلى درجة وضع صورته ضمن ملصقات الحملة الانتخابية الأوروبية لشهر ماي 2014؛ لأن مؤسِّسي ‘بوديموس’ لم يكن لديهم ما يقدمونه للناخب، لكن إيغليسياس سيتحول إلى زعيم مسيطر على الحزب وطارد لكل مؤسسيه من المشهد”.

ويرصد كتاب “إسبانيا الآن”، أيضا، “جذور حزب سيودادنوس في كاتالونيا”، و”كيفية تحوّل ألبير ريبيرا، الشاب المحامي من أصول أندلسية ذي السادسة والعشرين عاما، إلى زعيم للحزب بالصدفة، ولأنه لم يكن لديه ما يقدمه للناخب الكاتالاني خلال الانتخابات الجهوية لعام 2006 فقد خاض الحملة بملصق انتخابي وهو عار كما ولدته أمه للتعبير عن طهرانية الحزب الجديد داخل مشهد كانت تعلو فيه الاتهامات بالفساد للسياسيين”، قبل أن يَشرح الكاتب “أهم التحديات التي واجهت سيودادنوس، وكيف عاش انقلابا في هويته وانعطف من اليسار إلى اليمين إلى أن هوى من قمة الجبل وانتهى وكأنه لم يكن”.

وبينما يسرد الكتاب بإسهاب وتفصيل، حسب ما طالعته جريدة النهار في فهرسته، خبايا قصة ميلاد حزب “بوكس” Vox التي كانت الأكثر تشويقاً؛ لأنها إعلان عن “ميلاد تيار سياسي اعتقد الجميع أنه انتهى بحل حزب فويثا نويبا عام 1982″، يورد أن “شبح الفْرنكاوية سيعود ليُخيّم على المشهد السياسي الإسباني مجددا بخروج مجموعة من شباب الحزب الشعبي الغاضبين من سياسية ماريانو راخوي المعتدلة لتأسيس حزب جديد يكون صوتا لهم، قبل أن تلتقي في الحزب عائلات كانت لها ارتباطات ظاهرة بنظام فرانكو، مثل عائلات دي لوس مونطيروس التي تقلد بعض أفرادها مناصب عليا في الجيش والدبلوماسية، وكان أحد أفرادها سفيرا لنظام فرانكو لدى أدولف هتلر، وعائلات موناستيريو التي كانت أول من فتح محلات بيع الدجاج KFC الأمريكية في المغرب في بداية السبعينيات قادمة من كوبا”.

ومن خلال فصول الكتاب، غاص الباحث المختص في الشؤون الإسبانية عبر “تحليل مفصّل لجذور أزمة كاتالونيا ومسار الانفصال بهذا الإقليم وبعض أسرار الموجة الانفصالية التي حرّكت المملكة الإسبانية في كل الاتجاهات”، خالصاً إلى أن “إسبانيا باتت مُجبَرة اليـوم على القيـام بتوافقات جديدة بين الأحزاب السياسـية التقليدية وما تبقى من الأحـزاب الجديدة؛ من أجل إنشاء أرضيـة جديدة للتعايش، وللحفاظ على الوحدة الترابية للبلاد ونسْج توافقات أخرى بين الدولة المركزية وكاتالونيا الجريحة”.

“لا يمكن للقارئ بعد هذا السفر بين تضاريس المشهد السياسي الإسباني إلا أن يُدرك أن إسبانيا اليوم باتت مختلفة تماماً عن إسبانيا الأمس التي حكمها فليبي غونزاليث أو خوسي ماريا أثنار أو حتى لويس رودريغيث ثباتيرو”؛ يورد دريوش ضمن خاتمة كتابه، الذي كان من أبرز خلاصاته أن “الأزمة الاقتصادية وما تولّدت عنها من تداعيات سياسية واجتماعية غيّرَت الخريطة السياسية للأبد؛ رغم أن الأحزاب الجديدة – بوديموس وسيودادانوس على الخصوص– فشلت في مسعى احتلال مكانة الحزب الاشتراكي الإسباني والحزب الشعبي، وبالتالي إحداث التغيير الجذري الذي وعدت به، بل انتهَت بضعف بوديموس وانقسامه واختفاء سيودادانوس من المشهد”.

ويستنتج الباحث أنه “إزاء هذا الوضع الجديد الذي خلقته الأزمة الاقتصادية، وأضرار سياسات التقشف التي انتهجتها حكومات اليسار واليمين، باتت الأحزاب التقليدية التي أنجبها النظام الدستوري سنة 1978 عاجزةً عن التعبير عن أصوات الملايين من الإسبان المنتمين لليمين واليسار أو غير المنتمين إلى أي جهة”.

وبحسب دريوش “خلقت هذه التحولات واقعا سياسيا جديدا بالبلاد، تمَثَّل في تشرذم المشهد السياسي الذي أدى عدة مرات إلى إعادة الانتخابات، لتجنب الارتطام بالحائط، والخروج من النفق”، وزاد: “كما سعت الأحزاب التقليدية إلى تجديد نخبها، والدفع بجيل جديد إلى الواجهة لمواجهة المد السياسي الجديد”.

“سيستمر الخلاف حول ماهية إسبانيا، وسيَتواصُل النقاش الحاد حول كيف يجب أن تكون؛ لأن هذا الأمر بات جزءا من طبيعة إسبانيا نفسها منذ عقود خلت. لكن يجب أن ننتبه إلى أن هذا الخلاف لم يعُد للبنادق فيه رأي، بل بات يدبَّر اليوم عبر لعبة القانون، ومتاهات صناديق الاقتراع، وبنود الدستور، ومنبر البرلمان وفي استوديوهات وسائل الإعلام، وفي الساحات العامة”.

وفضلا عن “مقدمة” و”خاتمة”، تتوزع فهرسة الكتاب الجديد إلى 7 فصول/محاور كبرى تتفرّع بدورها إلى مباحث فرعية. هذه المحاور على التوالي هي: “ولادة إسبانيا جديدة من رحم الأزمة الاقتصادية”، “بوديموس.. الابن الشرعي للأزمة الاقتصادية والمالية”، ثم “سيودادنوس.. رحلة شاقة في تضاريس السياسة الإسبانية”، “بوكس (Vox).. دفاعا عن الوطن لا المواطن”؛ إضافة إلى “الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني يواجه نفسه”، ثم “الحزب الشعبي اليميني.. دوامة الصراعات وإعصار الفساد”، قبل “إسبانيا في مواجهة امتحان الانفصال الكاتالاني”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى