بصمة جمال السويسي على “مرجانة” تطلق رحلة سينمائية إلى عالم الأوبرا
قليلا ما وجدَ إغراءُ الأوبرا الساحرة مأوى له في عوالم السينما. حدث ذلك من أيام الأفلام الصامتة إلى العصر الحديث على شاشاته العالية الدقة. استمر زواج الأوبرا والفيلم في جذب الجماهير بعظمته وبقوة شحناته العاطفية عبر تاريخ السينما، وإن من خلال أفلام شكلت فُرصا قليلة حظي بها هذا الزواج الهش والرفيع في الوقت نفسه. إنها، على وجه العموم، أفلام رفيعة لذيذة وذكية، أخرجها سينمائيون كبار؛ ومنها، على سبيل المثال،: The Magic flute (1975) لانغمار بيرغمان، Don Giovani لجوزيف لوزي (1979) ، La traviasta (1982) لفرانكو زيفيريلي، La Bohéme (2008) لروبرت دورنهيلم…
نادرة هي المحاولات المغربية السينمائية التي اشتغلت على الأوبرا. في هذا الإطار، يعتبر السينمائي والموسيقي المغربي كمال كمال الأكثر إصرارا على الموسيقى عموما والأوبرا خاصة في الفيلم المغربي. أخرج كمال فيلمي “السمفونية المغربية (2006) وفيلم “الصوت الخفي” (2014).
في إعادة إحياء سينمائية مغربية حديثة لزواج بين الفنين الرفيعين السينما والأوبرا، أخرج السينمائي المغربي جمال السويسي فيلم “مرجانة” حيث كتب له السيناريو كما أنتجه. شارك التشخيص الممثلات والممثلون أحمد أقومي، نادية نيازي، سمية أكعبون، فريدة أوشاني، نسرين آدم، نادية كوندة، ريم الهاشمي، سميرة الكثيري، عبد الله بن سعيد، حمزة اليملاحي، هناء البواب، إضافة إلى الممثلة الفرنسية آن لواغي.
يحكي هذا الفيلم، في قرابة ساعة ونصف الساعة، قصة مهاجرة مغربية شابة بفرنسا (مرجانة) مهووسة بفن الأوبرا، تعيش بباريس وترغب في العودة إلى مسقط رأسها طنجة، لتحقيق حلمها المتمثل في ترسيخ هذا الفن بوطنها الأم بعد إقامة حفل أوبرالي، يحيلنا على “أوبرا كارمن” المشهورة عالميا، تشخص من خلاله الدور الرئيسي إلى جانب شاب يحبها وتحبه؛ غير أن هذا الحلم لم يتحقق في البداية بسبب حريق شب في مكان العرض وأودى بحياة حبيبها.
ورغم ذلك لم تستسلم مرجانة، وحاولت بكل قواها، وبدعم من أمها أستاذة الموسيقى وأبيها المؤلف الدراماتورج وأستاذ المسرح، أن تواجه مختلف العراقيل؛ ومن بينها نظرة المجتمع القاسية والعقليات غير المتفهمة لحملها بعد وفاة حبيبها، الذي كان على وشك الزواج بها لولا الموت الذي اختطفه مبكرا.
ينتهي الفيلم بتحقيق حلم مرجانة حيث تقيم عرضا غنائيا؛ لكن هذه المرة بمشاركة ابنها غالي.
أحيت بطلة الفيلم شخصية مرجانة، وهي شخصية تجتاز عالم الاضطراب والحزن أصبح الغناء فيها ملجأها ومفرها، ووسيلة تعتقد أنها ستمكنها من استرداد نفَسِها وبلوغ الشفاء من جروحها. ومع ذلك؛ فبينما برزت قوتها الصوتية، بدا أداء الممثلة في التشخيص مفتقرا للرشاقة اللازمة للتمكن، باكتمال، من عمق العواطف المُتضمنة في السرد الأوبرالي. كان زواج الحركة المسرحية والقوة الموسيقية غير موازيين وغير متناغمين إلى حد ما؛ مما جعل النتيجة تبدو غير مكتملة.
حاول المخرج المغربي جمال السويسي، في فيلمه “مرجانة”، أن يأخذ جماهير السينما إلى العالم الوجداني والفني السامي للأوبرا. وعلى الرغم من القصة الساحرة التي سعى المخرج إلى تصويرها، فإنه قد واجه بعض العقبات طول المسار الروائي لرحلته الفنية.
اختار الفيلم إعادة عرض الأوبرا المحبوبة عالميا، كارمن. ومع ذلك، وسط هذا الاعتياد على إعادة إنتاج المألوف والمتداول من أوبرات، يقفز السؤال التالي إلى ذهن المشاهد: لم لا الاشتغال على أوبرات أقل شهرة وأكثر عمق وإبداعية، وهو ما قد يسمح بلوحات أوسع خيالا، وبغوصٍ أعمقُ في تيار الوعي، وبارتياد لعوالِمَ نفسيةٍ وذوقية غير مُستكشفة؟ نذكر في هذا السياق مثلا أوبرات مثل:
. Manon Lascaux – Madama butterfly – Cavalleria rusticana
لاحظ نقادٌ تناقضاتٍ جوهرية في الفيلم، فبينما حاول الفيلم نقل الجماهير إلى العالم الخارق الذي تقدمه الأوبرا بكل سلاسة، بدا أنه يفتقر إلى التعبير الكامل عن عمق وتفاصيل الأوبرا. أصبحت قيود عدم التمكن من التفاصيل في الحكي والتشخيص واضحة بشكل ملحوظ، معوقة قدرة الفيلم على جذب المشاهدين تماما ونقلهم إلى جوهر الجمال الأوبرالي الحقيقي.
“مرجانة” ألمحت إلى الإمكانات غير المستغلة للأوبرا داخل الوسائط السينمائية. حركت الخيال، مثيرة الحديث عن الإمكانيات غير المستكشفة لكنوز الأوبرا خارج حدود المألوف والطرق المعروفة للقطع المشهورة.
في الختام، انطلق “مرجانة” في رحلة شجاعة لربط عوالم الأوبرا الساحرة بالسينما. على الرغم من عثراتها والفرص التي أضاعتها، خدم الفيلم كدافع، يشعل الحوارات حول الإمكانيات غير المستغلة للأوبرا على المسرح السينمائي – عالم ينتظر استكشافه بنهج أكثر جرأة وخيال.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News