
ورقة العلاج الرقمية تزعج الصيادلة
في خضم نقاش متصاعد حول مستقبل القطاع الصيدلي بالمغرب، أعلنت الفيدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة رفضها الصريح لتعميم اتفاقية “الطرف الثالث المؤمَّن له ” (TPA) بصيغتها الحالية، إلى جانب انتقادها لمشروع رقمنة ورقة العلاج الذي أطلقه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وجاء في بيان رسمي للفيدرالية أن أغلب بنود الاتفاقية، وعلى رأسها التكوين المستمر وتفعيل لجان التتبع والتفاوض وآليات توجيه المرضى، لم يتم احترامها من قبل الجهات الموقعة.
ونددت الفيدرالية بغياب أي رد فعل من لدن السلطات المعنية؛ ما أفسح المجال لتنامي ظواهر كإنشاء حسابات زبائن انتقائية لدى بعض المختبرات، وتوجيه المرضى نحو صيدليات معينة، وحتى ظهور ما يُعرف بـ”صيدليات المنتجات الخاصة”.
وفي تصريح خصّ به جريدة جريدة النهار، أوضح محمد حواشي، نائب رئيس الفيدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة، أن “اتفاقية TPA ، التي وُقّعت سنة 2016، تضمّنت بنودًا ملزمة؛ غير أن بعض هذه البنود، ولا سيما البندين 111 و112، لم يتم احترامها من قبل الأطراف المعنية، مما أثار تحفظات كبيرة لدى الصيادلة”.
وأشار حواشي إلى أن واحدة من أبرز الإشكاليات تتعلق بالهامش الربحي الضعيف المخصص للصيادلة مقابل بيع الأدوية الباهظة الثمن. وقال: “الدواء الذي يبلغ سعره 1000 درهم لا يتعدى هامش ربح الصيدلي فيه 300 إلى 400 درهم، بينما هناك أدوية يصل ثمنها إلى 20 ألف درهم، دون أن يتجاوز هامش الربح فيها 400 درهم؛ وهو أمر غير مقبول اقتصاديًا”.
كما كشف عن وجود ممارسات غير منصفة داخل القطاع، تمثلت في تحايل بعض الصيادلة على الاتفاقية من خلال إبرام صفقات مع مصحات خاصة قصد توجيه المرضى إليهم؛ ما يفاقم من عدم تكافؤ الفرص بين المهنيين.
وأمام هذه الإكراهات، أعلنت الفيدرالية أنها قررت تجميد توسيع نطاق الاتفاقية إلى حين توفير ضمانات حقيقية من قبل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وصناديق التأمين، “كنوبس” و”CNSS”، لضمان عدالة الاتفاقيات بين جميع الصيادلة. كما شددت على رفضها التام لأي قرارات أحادية الجانب لا تراعي الوضعية الاقتصادية المتأزمة للقطاع، مشيرة إلى أن العديد من الصيادلة باتوا مهددين بالسجن بسبب أزمات مالية خانقة.
وانتقد الصيادلة غياب أي دعم حكومي ملموس، وعدم تدخل البنوك لمواكبة متطلباتهم؛ مما يزيد من عبء الديون في ظل غياب ضمانات لاسترداد المستحقات. واعتبروا أن السياسات الحكومية المتعاقبة لم تقدم حلولًا جذرية؛ بل استمرت في فرض اتفاقيات وصفوها بـ”غير العادلة”.
وفي ما يخص رقمنة أوراق العلاج، أعربت الفيدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة عن قلقها من غياب تشاور مع الصيادلة، مشددة على أن إطلاق هذا المشروع يتطلب شروطًا مسبقة؛ تشمل تعميم الرقمنة على الصيدليات، تحديث التشريعات القانونية، وتوفير بنية تقنية قادرة على مواكبة التغيير.
كما عبّر المهنيون عن مخاوف متزايدة بشأن صرف الأدوية ذات التأثير العقلي، محذرين من خطورة منح المرضى إمكانية الحصول عليها دون مراقبة دقيقة أو تسجيل للكميات المصروفة، ولافتين إلى أن غياب الرقابة قد يؤدي إلى تسرب هذه الأدوية نحو السوق السوداء أو الاستعمال غير المشروع؛ وهو ما يُهدد الأمن الصحي والاجتماعي.
وفي هذا السياق، شدد محمد حواشي على أهمية اعتماد آليات صارمة للتتبع، تشمل الرقمنة والمراقبة بالكاميرات، من أجل ضبط صرف الأدوية وتفادي أية تجاوزات قد تسيء إلى صورة القطاع وتُعرّض الصيادلة للمساءلة.
وقال: “مثلاً، يمكن أن يحصل مريض على كميات كبيرة من الأدوية المهدئة أو ذات التأثير القوي، ثم تقع في أيدي أشخاص غير مؤهلين أو تصل إلى الأسواق السوداء؛ مما قد يؤدي إلى تفاقم مشاكل الإدمان والجريمة. ولهذا، شدد الصيادلة على ضرورة وضع آليات تتبع صارمة، بما في ذلك الرقمنة والمراقبة بالفيديو، لضمان صرف الأدوية وفق معايير دقيقة تحول دون أي استغلال غير مشروع”.
وختم الصيادلة بدعوة عاجلة لفتح حوار وطني موسع يضم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والهيئات المهنية وصناديق التأمين، من أجل صياغة حلول متوازنة تراعي مصالح جميع الأطراف وتُمهّد الطريق لإنجاح مشروع التغطية الصحية الشاملة الذي دعا إليه الملك محمد السادس. كما أكدوا أن أية اتفاقية جديدة يجب أن تضمن الحد الأدنى من العدالة الاقتصادية، وتكافؤ الالتزامات بين الفاعلين، لضمان استمرارية المهنة وخدمة المواطنين بشكل لائق وآمن.