الأمم المتحدة تدعم محتجزي تندوف وسط مخاوف من سرقة الجزائر للمساعدات

أعلنت الأمم المتحدة، من خلال وكالاتها والجهات الفاعلة الإنسانية، عن خطة لتلبية احتياجات “اللاجئين الصحراويين” بتندوف، بتمويل قدره 214 مليون دولار أمريكي، مع التأكيد على أن نسبة “90 في المائة من السكان الصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف بجنوب الجزائر تعاني من انعدام الأمن الغذائي أو تتعرض لسوء التغذية”؛ وهو ما يؤدي إلى “تدهور صحي خطير، لا سيما بين أكثر الفئات ضعفا مثل الأطفال، بحيث يعاني طفل واحد من كل 10 أطفال من سوء التغذية الحاد”.

وحسب ما هو منشور بموقع الأمم المتحدة الرسمي، فإن هذه المساعدات ستوجه “لضمان الاستقرار الغذائي، وإمدادات مياه آمنة وكذلك لتلبية الاحتياجات الغذائية للأشخاص الذين يعيشون في المخيمات. وسيساهم التمويل أيضا في تعزيز فرص الولوج إلى التعليم، وتوفير خدمات الحماية؛ بما في ذلك الحالة المدنية والاحتياجات الخاصة، وتعزيز الظروف الصحية للرجال والنساء والأطفال الذين يعيشون هناك. كما تتضمن الخطة تدابير لتنويع أنشطة سبل العيش”.

لكن ما يبدو مثيرا للاهتمام في هذا الإعلان أنه اعتمد على عدد قديم لعدد سكان مخيمات تندوف: 173 ألفا و600 نسمة. هذا العدد يعود إلى سنة 2018، حين أعد فريق من الخبراء عبأته المفوضية العليا للاجئين، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، تقريرا في يناير 2018؛ وهو ما اعتبره متتبعون “رقما غير صحيح يفسر تعنت البوليساريو والجزائر من عملية إحصاء الساكنة، لأنه لو كان الرقم حقيقيا قبل خمس سنوات من الآن، فمن البديهي أن يبلغ سكان المخيمات اليوم أزيد من 200 ألف نسمة”.

في الصدد ذاته، كان مجلس السلم والأمن الإفريقي قد دعا، قبل أسابيع قليلة، خلال اجتماعه الأخير مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الدول المضيفة لمخيمات “اللاجئين”، التي من ضمنها الجارة الشرقية للمغرب، إلى تسهيل عملية إحصاء ساكنة المخيمات، بالتعاون مع المجتمع الدولي، “تجنبا لعمليات تحويل المساعدات الإنسانية التي يتم توجيهها لفائدة هؤلاء”، مكررا حينها “مسؤولية البلدان المستضيفة للاجئين في ضمان وصول الأغذية لهم، قصد تجنب الاستغلال السياسي أو العسكري لهذه الفئة، أو السعي إلى تحويلها إلى منظمات إرهابية”.

ويبدو أن موقف إسبانيا، رئيسة الاتحاد الأوروبي، الذي أعلنته في أكتوبر الفائت بضرورة إحصاء ساكنة مخيمات تندوف، مع تقديم مساعدات إضافية لهم، يشير بدوره إلى مواطن الخلل من حيث عدم القدرة على التحقق بشكل دقيق “من عدد الساكنة؛ وبالتالي في مآل المساعدات التي يتم توجيهها إلى المحتجزين في المخيمات الكائنة على الأراضي الجزائرية”؛ وهو ما التقطه أيضا مجلس السلم والأمن الإفريقي، بعدما “صارت الجزائر والبوليساريو يواصلان منع عملية الإحصاء المذكورة”.

وكان أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، قد لفت الانتباه، بدوره، في تقريره إلى مجلس الأمن حول الصحراء المغربية سنة 2021، إلى “اختلاس البوليساريو المساعدات الإنسانية والمالية الموجهة إلى المحتجزين في مخيمات تندوف”، مبرزا حينها أن منظمات غير حكومية أشعرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بتلاعبات تقوم بها “البوليساريو”، همت المساعدات الإنسانية والمالية الموجهة إلى هذه المخيمات.

ولم يستفرد غوتيريس، حينها، بهذه الإشارة إلى ما يطال المساعدات؛ بل كانت هناك تقارير صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأيضا عن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وكذلك المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، الذي كشف سابقا أن اختلاس هذه المساعدات أفضى على مر العقود السابقة إلى “الإثراء الشخصي لميليشيات البوليساريو ومسؤولين جزائريين”.

وتفاعلا مع الموضوع، قال عباس الوردي، الخبير في العلاقات الدولية، إن “اعتماد الأمم المتحدة على أرقام قديمة تعود إلى سنة 2018 يؤكد مرة أخرى الجدوى من إجراء إحصاء دقيق وشامل لمعرفة أعداد المحتجزين في المخيمات، ومعرفة أيضا هويتهم الحقيقية”، معتبرا أن “الأمم المتحدة يجب أن تكون عازمة لمعرفة العدد الحقيقي للساكنة لأجل معرفة الكيفية المُثلى لكي تصل هذه المساعدات إلى المهجرين بشكل قسري إلى الجزائر”.

وشدد الوردي، ضمن إفادات قدمها لجريدة جريدة النهار، على أن “هذه المساعدات التي أعلنت عنها الأمم المتحدة يجب أن تكون مشروطة بتنزيل تحت رقابة وعناية أممية؛ لأن السرقات قد طالت هذه المساعدات، وهناك تقارير أوروبية وأممية ذات مصداقية ذهبت في هذا الاتجاه، بمعنى هي لم تعد ادعاءات أو اتهامات أو تخمينات، بل هي حقائق قطعية مؤكدة”، مشيرا إلى أنه “من الناحية العملية لا يمكن تقديم مساعدات على أساس عدد مستفيدين قديم، بمعنى أن الإحصاء مسألة أساسية اليوم”.

واعتبر المتحدث أن “رفض إحصاء الساكنة هو إعلان لمخاوف مبكرة من انفضاح العديد من المزاعم والمغالطات التي تنشرها البوليساريو والجزائر حول تردي الأوضاع وسوء الحال لدى المحتجزين”، مضيفا أن “الرؤية التي صار يسير بها المغرب في الأقاليم الجنوبية المغربية تواصل ممارسة الإغراء على الساكنة للعودة إلى وطنهم، خصوصا أنه تبين دائما أن الطرح الانفصالي هو فكرة لدى نخبة البوليساريو. وأما ساكنة المخيمات فهي تواكب التطورات في الصحراء المغربية”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى