تمديد آجال الأداء يقسم آراء الخبراء وأرباب المقاولات في القطاع الفلاحي
لم يحظ طلب مستشارين برلمانيين تمكين الفلاحين المقاولين من أداء المستحقات المالية التي بذمتهم للمقاولات المناولة خلال الأجل الاستثنائي المحدد قانونا في 180 يوما، من خلال مراجعة وتحيين القانون رقم 69.21 المتعلق بمدونة التجارة وبسن أحكام انتقالية لآجال الأداء، بالتوافق ما بين أرباب الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، وخبراء فلاحيين.
هذا المطلب رفعه فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين إلى وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، على لسان عضوه عبد الرحمان ابليل، الذي لفت إلى “وجود مسائل تتطلب التحيين، خصوصا بالنسبة للأداء في قطاعات كالفلاحة”، رادا مطلبه إلى كون “الأخير موسميا والدورة الانتاجية فيه طويلة، ولذلك يصعب على الفلاح تأدية الفاتورة المستحقة عليه داخل أجل 60 يوما، أو حتى أجل 120 يوما”.
وأوضح المستشار ذاته خلال الجلسة العامة للأسئلة الشفهية لمجلس المستشارين، الثلاثاء الماضي، أن الفلاح “لا يمكنه أن يغرس ويجني ويبيع داخل 120 يوما”، مطالبا في هذا الجانب بـ”إيجاد حل، الذي هو مضمّن داخل القانون، أي الأجل الاستثنائي 180 يوما؛ إذ يستفيد منه القطاع الصناعي فقط”.
أرباب المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة تلقوا هذا المطلب بالتأييد، مبرزين أن “موسمية الإنتاج وطول دورته في القطاع الفلاحي تعسّر على هذا الصنف من المقاولات أساسا الأداء للشركات المناولة في أجل 120 يوما، خصوصا أمام صعوبة ولوجها للتمويلات بنكية”.
وفيما يقر مستشار فلاحي معتمد بذلك، يحذر في المقابل من أن “تمديد الأجل من شأنه حرمان الموزعين من القدرة المادية على الاستيراد، لاسيما أن آجال الأداء المتفق عليها مع الشركات المصدرة لا تتجاوز 90 يوما، عدا عن أن هذا التمديد سيساهم في استمرار رواج ‘الكاش’ بقوة داخل القطاع”.
مطلب مدعوم
عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، قال إن “الكونفدرالية لا يمكنها إلا أن تتفق وتؤيد مطلب تمكين الفلاحين من الأداء في الأجل الاستثنائي 180 يوما”، مردفا بأن “الدورة الانتاجية في القطاع الفلاحي طويلة، وتفوق غالبا هذه المدة، ما يفقد المستثمرين القدرة المادية على أداء ما بذمتهم من مستحقات للمقاولات الفلاحية المناولة لديهم”.
وأوضح الفركي، في تصريح لجريدة النهار، أن “غالبية المقاولات الفلاحية، أي حوالي 96 في المائة تقريبا، صغيرة جدا، وتعاني صعوبات متعددة في الولوج إلى التمويلات البنكية التي من شأنها الاستناد إليها لتسديد الفواتير للمناولين لديها داخل الآجال التي يحددها القانون 69.21 المتعلق بسن أحكام انتقالية في آجال الأداء”، مشددا على أن “نسبة كبيرة منها تفتقر إلى السيولة المادية، ما قد يضطرها أحيانا إلى اللجوء لتقديم شيك الضمان، هذه الممارسة غير القانونية”.
وأكد المتحدث أن “عدة مقاولات صغيرة جدا وصغرى ومتوسطة في غياب التمويل البنكي لا تجد موارد مالية لصرفها للشركات المناولة لديها، سواء التي تقوم بحفر الآبار أو تدبير نظام الري أو غيرها، وبالتالي تجد نفسها مضطرة للأداء خارج الآجال القانونية، وتحديدا بعد تسويق المحصول الزراعي”.
وشدد المهني ذاته على أن “الكونفدرالية دائما ما شددّت على أن القانون أقصى فئة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، ولم يأخذ وضعيتها بعين الاعتبار، وذلك لكونه انبنى على تفاوض الحكومة مع ‘الباطرونا فقط، التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشركات الكبرى فقط”.
ولدى إثارة جريدة النهار ملاحظة أن الشركات الكبرى بدورها “قد تكون متضررة من الآجال القانونية، بما أن مدة الدورة الإنتاجية تبقى نفسها بصرف النظر عن حجم المقاولة الفلاحية”، استبعد المتحدث ذاته أن “يواجه هذا الصنف من المقاولات أي صعوبات في هذا الجانب؛ فهي لا تضطر لانتظار جني المحصول وتسويقه لتسديد فواتيرها، لأنها تملك فائضا ماليا وفرصا كبيرة للاستفادة من القروض بتسهيلات كبيرة وبدون ضمانات”.
محاذير التنزيل
رياض أوحتيتا، خبير ومستشار زراعي معتمد، قال إن “المعاملات التجارية ترتهن بالفعل إلى موسمية القطاع؛ إذ إن المدة ما بين الزراعة والجني تتراوح ما بين ثلاثة وأربعة أشهر بالنسبة للبطاطس والبصل وغيرها”، مستدركا بأن “إقرار الأجل القانوني الذي يقترحه المستشار البرلماني سيكون صعب التنزيل، وله مضاعفات غير حميدة على المقاولات الفلاحية والموزعين”.
وأضاف أوحتيتا، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “الأجل القانوني المحدد حاليا يحمي المقاولات الفلاحية ويصون حقوقها”، معتبرا أنه “إذا تركنا للفلاح الحرية في الأداء فقد لا يقوم بتسديد المستحقات الموجودة بذمته إلا بعد مرور ستة أو سبعة أشهر”.
وأوضح المتحدث عينه أن “الفلاحين غالبا ما يتعاملون مع الموزعين الذين يقومون باستيراد الأعلاف والأسمدة وغيرها من الشركات الكبرى، التي تلزمهم بالأداء داخل أجل تسعين يوما على أقصى تقدير”، لافتا إلى أن “ذلك يفرض على الفلاح أن يؤدي ما بذمته من مستحقات للموزعين داخل هذا الأجل”.
واستحضر الخبير الزراعي أن “رقم المعاملات في القطاع الفلاحي مرتفع بصفة كبيرة، ما يجعل رواج ‘الكاش’ داخله منتشرا بشكل كبير”، مضيفا: “لذلك فإن تمديد آجال الأداء غير مفيد في هذا القطاع”.
وحذر أوحتيتا من أن “تمديد الآجال للفلاحين سيتسبب في انكماش اقتصادي؛ إذ سيصبح الموزع غير قادرا على أداء المستحقات المالية للشركة التي يستورد منها، فيفقد القدرة نهائيا على الاستيراد”، مبرزا أنه “بالنظر إلى مماطلة عدة فلاحين في الأداء، وعدم احترام الآجال القانونية، فإن عدة شباب أصحاب محلات للأدوية والأسمدة غارقون في الديون”.
وذكّر الخبير الزراعي ذاته بأن “عددا من الفلاحين أساسا يتوصلون بالتسبيق من الزبائن لمساعدتهم على أداء المصاريف، على أساس أن يؤدي الزبون مقابل كل طن أو كمية يشتريها من الضيعة، فيما بعضهم يفضل البيع العيني”، مشددا على أن “جميع هذه الطرق تساهم في ارتفاع نسبة رواج ‘الكاش’ بالقطاع، في وقت يسعى بنك المغرب إلى تقليصه”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News