معزوز: الفلسفة تنمية للحضارة .. والنقد لا يعني “الاستسلام للّاعقلانية”

في لقاء ناقش أحدث كتب المفكر والأكاديمي عبد العلي معزوز “الفلسفة في العالم المعاصر: نماذج نقدية”، نظمته رقميا “حلقة عابرون”، وشاركت فيه آراء وأسئلة من المغرب واليمن وليبيا وهولندا، قال المُحتفى به إن “الفلسفة حذرة من كل شيء، حتى من نفسها، وهي منذ نشأتها كانت ضد اليقين، والبداهات، والأفكار الشائعة”.

وأضاف عبد العَلِيّ معزوز: “علينا أن ننتبه إلى أن الفلسفة نقد وتفكيك وبناء للمفاهيم والأفكار، من منطلق النقد والشك والتوجس، وغيرها من الأمور (…) وهي قادرة على الفعل ولكن بشكل آخر غير الذي نتصوره لبراغماتية الفعل؛ فالفلسفة تقوم بالفعل على المدى الطويل، ولا نجني ثمارها مثل المحصول (الآني)، بل محصولُها يظهر على المدى الطويل والحضاري، وهي تنمية للحضارة، لا بقبولها كما هي، وإنما بانتقادها، وإعادة النظر فيها”.

وتابع المفكر ذاته: “استحضار البعد الحضاري مهم جدا، لأنه يضيء لنا بعض النقط المعتمة في جوانب من الحضارة. وعندما خطّ فرويد كتابين مهمين في أواخر حياته سلط الضوء على أن الحضارة قد تُحرّرنا إذا وعينا بآليات اشتغالها، وقد تُكبّلنا إذا ما تماهينا مع معتقداتها”.

معزوز، الذي قال لطلبة سابقين له حضروا اللقاء إن “الأستاذ ينبغي أن يكون ممتنا لطلبته، فهم من يدفعونه للاشتغال، ولولاهم لما كانت هذه الكتب، كحصيلة لتجربتي الجامعية”، بسط جزءا من تجربته الفكرية بقوله: “استفدتُ من تجربتي الفكرية واحتكاكي بكتابات الفلاسفة الكبار، وأيضا بالاطلاع على ما يجري في ساحتنا الثقافية، أن الفكر يتشكل في أحضان اللغة، والطريقة التي نكتب بها تحدد إلى مدى كبير الكيفية التي نفكر بها. قُل لي كيف تتكلم أقول لك كيف تفكر”.

ثم استرسل الأكاديمي موضحا أن “كثيرا من الأعطاب التي تعتور أفكارا مردها إلى عدم تعبيرنا عنها بطريقة جيدة. اللغة حافلة بالمصائد والمكائد، ولا يمكن أن نثق فيها، لا لأنها خبيثة كما يزعم بعض الناس، بل أقول لأنها تناورنا وتراودنا عن أنفسنا، وبالتالي ينبغي أن نكون مسلحين بنفس الحيل التي تنطوي عليها، والفكر الحداثي وما بعد الحداثي كله اشتغال على اللغة (…) وأهم شيء في اللغة هو الاستعارات. وفي بعض الأحيان أَهمل فلاسفةٌ البعد الاستعاري للغة، والبعد الشعري، والبعد المجازي. والفلسفة في الحاجة إلى هذه الأبعاد المجازية، والاستعارية، والشعرية”.

وزاد المتحدث ذاته: “من هنا بدأ هذا التقارب الذي حصل في الفلسفة في القرن العشرين، في أوروبا وفي بعض أنحاء العالم العربي عند عبد الكبير الخطيبي مثلا ومن نحا نحوه؛ فهؤلاء حاولوا أن يقرّبوا الهوة بين الفلسفة والشعر والأدب”.

وحول كتابه “الفلسفة في العالم المعاصر”، بيّن معزوز أن معنى عنوانِه غيرُ معنى “الفلسفة المعاصرة” التي “لها مذاهب، وتيارات، وشجرات أنساب، وامتدادات”، ثم قال: “الفلسفة في العالم المعاصر عنوان محصور بشكل مقصود، لوضع الفلسفة في اليوم، في العالم المعاصر الذي يعجّ بكثير من الإشكالات المؤرقة للفكر وللفلسفة، ومن أهمها صعود النزعات الكلِّيَانية، والانتشار الواسع للثقافة الاستهلاكية، واتساع رقعة الوسائط المتعددة. ولا يمكن أن نجحد ما أفرزته التقنيات وطفراتها من مكتسبات وأهمها هذا اللقاء، فلولاها لما كان بإمكاننا التواصل اليوم بين أقطار متعددة، لكن مخلَّفات الانفجار التكنولوجي من تشيِيء، وتسليع ثقافي، علينا رصدها بعين ناقدة؛ أي عين فلسفية”.

ويجد القارئ في هذا الكتاب المناقَش مواضيع منظورا إليها بعين فلسفية، من بينها: “الكتابة، والجسد ضد القمع، وتخريب البيئة والخطابات شبه الإيديولوجية حول الإيكولوجيا والطاقة الخضراء، مع الاستمرار في تدمير غابة الأمازون وكوارث طبيعية تبين أننا في طريق محقق إلى الكارثة… علما أن مفهوم ‘الكارثة’ مفهوم فلسفي عند أدورنو”.

لكن في الكتاب أيضا “قضايا مثل الفن والجمال، حتى لا نكون سوداويِّين”، وفق الكاتب، موردا: “أبحثُ دائما عن منافذ ومخارج للمآزق التي تتناولها الفلسفة في العالم المعاصر، بكيفية نقدية وعقلانية، حتى لا نستسلم للّاعقلانية”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى