الحكومة تدعم “البوطا” والدقيق والسكر بأزيد من 16 مليار درهم في 2025
ستواصل الحكومة دعم القدرة الشرائية السنة المقبلة، من خلال تخصيص 16.5 مليار درهم لصندوق المقاصة لدعم السلع الأساسية، مثل غاز البوتان والسكر والدقيق؛ كما ستتخذ إجراءات ضريبية وجمركية لإعفاء المنتجات الأساسية ودعم الأعلاف والأسمدة. وسيستمر برنامج إعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز، مع تخصيص التمويلات لمساعدة المتضررين وإعادة تأهيل البنية التحتية.
وأكد رئيس الحكومة، في رسالته التأطيرية إلى وزرائه برسم مشروع قانون المالية 2025، أنه “حتى اليوم، وبعد حوالي سنة من هذه المأساة، تم إحصاء 59.438 مبنى متضررا”، موردا: “حتى 1 يوليوز الماضي تم إنفاق 1.4 مليار درهم على حوالي 57 ألف مستفيد، منها 1.1 مليار درهم للدفعة الأولى من المساعدات المحددة في 20 ألف درهم لكل مستفيد. وفي ما يتعلق بالدفعة الثانية، المخصصة لأشغال التأهيل وإعادة البناء، تم تخصيص 206 ملايين درهم لـ 9.584 مستفيدا”.
وستبرمج الحكومة السنة المقبلة، في إطار المحافظة على القدرة الشرائية للمغاربة، تنفيذ مبادرات لإعادة إيواء الأسر في الأحياء الصفيحية، وتحسين ظروف المعيشة، بالإضافة إلى تعزيز الولوج إلى السكن بأسعار معقولة، لاسيما لفائدة الأسر ذات الدخل المنخفض وللمغاربة المقيمين في الخارج؛ فيما ستستمر أيضا في دعم النساء، والأشخاص في وضعية إعاقة، والشباب، عبر برامج تركز على التمكين والحماية والإدماج الاجتماعي.
أهمية دعم المقاصة
لطالما لعبت سياسة دعم منتجات المقاصة بالمغرب دورا محوريا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمملكة. ويركز هذا الدعم على المنتجات الأساسية، مثل غاز البوتان والسكر والدقيق، بهدف تخفيف تأثيرات التضخم وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الفئات الأكثر هشاشة. ومع اقتراب مشروع قانون المالية لسنة 2025 تطفو على السطح مجددا التساؤلات حول ما إذا كان ينبغي الحفاظ على هذه الإعانات أو تقليصها؛ إذ يرى البعض ضرورة إعادة توجيه الموارد العامة إلى قطاعات أكثر إنتاجية، بينما يحذر آخرون من أن إلغاء الدعم قد يؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة.
وأكد محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، أن “دعم منتجات المقاصة يظل حيويا لتحصين الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة بالمغرب، خصوصا في سياق يشهد ارتفاعا مستمرا في تكاليف المعيشة، نتيجة تقلبات الأسعار في السوق الدولية وعدم استقرار العملات”، موضحا أن “إلغاء الدعم سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار هذه المنتجات الأساسية، ما من شأنه زيادة حدة الفوارق الاجتماعية وتهديد الاستقرار الاجتماعي في المملكة”، ومسجلا أن “دعم غاز البوتان مثال بارز، فالمغرب، كونه مستوردا صافيا للغاز، يظل عرضة لارتفاعات الأسعار في السوق الدولية، وبالتالي إذا تمت زيادة رفع الدعم مرة أخرى في 2025 فإن سعر الغاز الذي يستخدمه ملايين الأسر سيرتفع، ما سيؤثر مباشرة على الأسر ذات الدخل المنخفض.”
وأضاف الحسني، في تصريح لجريدة النهار، أنه “بالنسبة إلى السكر والدقيق، وهما منتجان آخران مدعومان، يعتبران ضروريين للعديد من الأسر المغربية، خاصة في المناطق القروية”، مؤكدا أنه “بدون هذا الدعم فإن ارتفاع أسعارهما قد يدفع نسبة كبيرة من السكان إلى هاوية الفقر، ما سيزيد من الفوارق المجالية الموجودة بالفعل، ويرفع مستوى الهجرة القروية”، ومشددا على أن “الحكومة تظل مطالبة في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2025 بتبني مقاربة متوازنة، من خلال الحفاظ على الدعم الحالي، مع التحضير لمرحلة انتقالية تدريجية من إصلاح منظومة الدعم، وفق نموذج أكثر استدامة وعدالة؛ إذ سيعتمد نجاح هذه الخطوة بشكل كبير على قدرة الدولة على تطوير آليات تعويض أكثر نجاعة”.
مخاطر المفاجأة
يظل الحفاظ على دعم منتجات المقاصة في 2025 ضرورة لضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمملكة، ذلك أن إلغاء هذا الدعم بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى الاستهلاك الداخلي، وكذلك على البيئة. ورغم الحاجة الملحة للإصلاح يجب أن يتم هذا الإصلاح بشكل تدريجي، مع اتخاذ تدابير مرافقة لحماية الفئات الأكثر هشاشة.
ومن منظور عبد الرزاق النوحي، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، فإن إلغاء الدعم دون بدائل واضحة سيؤدي إلى تراجع الاستهلاك المحلي، وهو محرك أساسي للنمو الاقتصادي، فيما سيقلص ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية القدرة الشرائية للأسر، ما سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني.
ونبه النوحي، في تصريح لجريدة النهار، إلى أن “دعم المقاصة يلعب دورا هاما في حماية الطلب الداخلي من الصدمات الخارجية، ذلك أن تراجع هذا الطلب سيؤثر على العديد من القطاعات الاقتصادية، مثل التجارة والصناعات الصغيرة والفلاحة، التي تعتمد بشكل كبير على استهلاك الأسر ذات الدخل المنخفض”، مؤكدا في السياق ذاته أن “تراجع الاستهلاك سيؤدي إلى انخفاض مداخيل الدولة من الضرائب على القيمة المضافة (TVA)، ما قد يهدد الموارد المالية العمومية، وبالتالي فإن الانتقال غير المدروس نحو إلغاء الدعم قد يكون أكثر تكلفة للدولة من الحفاظ عليه”.
ورغم الاعتراف بالحاجة إلى إصلاح نظام دعم المقاصة أكد الخبير في المالية العمومية أن “الإصلاح يجب أن يتم بشكل تدريجي ومدروس”، وزاد موضحا: “لا يتعلق الأمر بالحفاظ على الدعم بالشكل الحالي إلى الأبد، ولكن بإصلاحه تدريجيا”، مشددا على “وجوب أخذ هذه الإصلاحات في الاعتبار الفئات الاجتماعية المختلفة وتقديم بدائل تعويضية للفئات الأكثر هشاشة”، ومشيرا إلى أن “إحدى طرق الإصلاح المقترحة هي استهداف الفئات الأكثر احتياجا، من خلال نظام تحويلات مالية مباشرة للأسر الفقيرة، بشكل أكثر تطورا من نظام الدعم الاجتماعي المباشر الحالي، ما يسمح بتقليل نفقات الدولة، مع الاستمرار في حماية ذوي الدخل المنخفض”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News