فاعلون دوليون يضعون العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تحت مجهر التحليل
تفكير في “السياسات الإسرائيلية ومسارات الصراع في الشرق الأوسط” جمع في ندوة دولية بُثت رقميا أكاديميين ومحللين من دول؛ من بينها المغرب والعراق وفلسطين ومصر ولبنان والأردن وسوريا، قال فيه المحلل الفلسطيني أيمن يوسف إن “7 أكتوبر” “علامة بارزة لا في تاريخ المنطقة والصراع مع إسرائيل؛ بل “في العلاقات الدولية، من منظور القضاء الدولي”، وحقق “تفوق السردية الفلسطينية، بأبعادها الإنسانية والأخلاقية، على السردية الصهيونية”، وعلى رواية سيطرَت على دوائر غربية كثيرة بها فيها “الإنتلجنسيا”، أي النخبة.
الندوة، التي نظمتها “أكاديمية العلاقات الدولية” بتركيا و”مركز منظورات” بالمغرب، قال فيها أيمن يوسف إن اغتيال إسماعيل هنية جاء “نتيجة لانفلات إسرائيل من عقالها”، الذي أدى إلى محاولة معاقبة الفلسطينيين لا في غزة فقط، بل في الضفة الغربية ومخيمات الشتات والقيادة الفلسطينية أيضا، علما أن “دور أمريكا لم يتغير”؛ فهي لم تكن محايدة يوما، بل كانت إما تدير المفاوضات، أو تساند إسرائيل مباشرة.
وتابع المتحدث: “هذا الاغتيال رسالة واضحة إلى إيران عن إدارة (إسرائيل) المحور، وأنها تريد المواجهة المباشرة”؛ لكن “إيران تفضل المشاغلة والمواجهة لا الحرب، عكس نتنياهو الذي يريد الحرب لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، كما صرح بذلك مرات، حتى لا تكون مزعجة في ميزان القوى بين العرب وإسرائيل”.
وذكر المتدخل أن ما ميز “حماس” بعد إسماعيل هنية “السرعة الكبيرة في اختيار يحيى السنوار، الذي أوصل رسالة: من يقاوم هو نفسه من يحارب”؛ لكن هذا يعني أن الصفقات ستتأخر، رغم أن في هذا “تطورا مهما، هو التناغم بين السياسي والميداني”، ثم “انتصار محور المقاومة بقيادة إيران، علما أن التوجه الغالب في “حماس” أقرب إلى الخط القطري التركي، ومصر بشكل آخر، لكن مرحليا الآن هي أقرب مع إيران رغم اختلافها السابق مع إيران وانتقادها النظام السوري”، إثر حراكات “الربيع العربي”.
وثالث المؤشرات، حسب المحلل، “زيادة راديكالية حماس، بعد اغتيال هنية وتوجهه السياسي، ويحيى السنوار الآن يرتب الأمور بحيث تنجح المقاومة في تنفيذ العمليات ضد جيش الاحتلال (…) وسيبرز كرجل الحرب (…) ويمكنه تفجير مفاجأة ويكون رجل السلم” ورغم زيادة “الراديكالية” ستكون نهاية المعركة الراهنة بحلول سياسية؛ مثل حركة فتح ونموذج ياسر عرفات الذي قاد التغيير من الداخل وقاد المقاومة ميدانيا ثم قاد المسار السياسي والدبلوماسي.
المسير عصام عبد الشافي ذكر، من جهته، أن ظرفَ ما بعد 7 أكتوبر 2023 مقاومة لـ”حركة المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، في إطار صراع ممتد منذ ما قبل نشأة الكيان سنة 1948، بل منذ مؤتمر بازل (المؤتمر الصهيوني الأول) قبل مائة عام”.
المحلل محمد عصام العروسي صرح بأن ما يحدث الآن “جريمة بدعم أمريكي”، وصك دعم بدون قيود، مع دعم دبلوماسي يعرقل كل القرارات الأممية ضد إسرائيل بثلاثة فيتُوهات (حق النقض) مؤخرا، ودعم بمليارات الدولارات، والأسلحة النوعية المصنفة؛ ومن بينها الطائرات والصواريخ والجيوش الأمريكية على الأرض، والدعم الاستراتيجي بالرؤى الأمنية المشتركة.
لكن يحدث هذا في ظل “إمعان في الاستمرار في الحرب في غياب أية رؤية استراتيجية واضحة المعالم، من طرف إسرائيل (…) التي تستعين بالظرفية الانتخابية الأمريكية، ويتعمد نتنياهو فيها الهروب إلى الأمام، ويعول على الدعم الأمريكي للاستمرار في السياسة نفسها، وتبني سياسة اغتيال الشخصيات السياسية النافذة بمثابة نجاح مميز للعقيدة الإسرائيلية وفق ما تعتبره”.
وبعد التغلغل السابق من بوابة التطبيع، ومحاولة إدماج إسرائيل ضمن العمق الاستراتيجي لـ”الشرق الأوسط الكبير”، وهو مفهوم أمريكي ملتبس لإدخال أطراف غير عربية بالمنطقة العربية، وإدماج إسرائيل اقتصاديا، وهي تسلب فلسطين حقها وأرضها، ومن نتائج “7 أكتوبر” أنه أدخل التطبيع حتى بالنسبة لمن قام به في “إعادة تفكير”.
جاسم يونس الحريري تحدث عن مجلس التعاون الخليجي و”ضعف الحالة العربية، بسبب نوعية الحكم والتوريث وشراء الأمن من الخارج”، ورؤية أن “التطبيع مع الكيان الصهيوني حماية لتلك الدول”؛ لكن “طوفان الاقصى غير المعتقدات والاستمالات الثقافية للطلاب والأساتذة الأمريكيين، مما أدى إلى العنف ضدهم، وضد تنديدهم بالجرائم الصهيونية”، بعد استعمال إسرائيل “أسلحة ذات التدمير الشامل المحدود؛ والمنطقة أبيدت عن بكرة أبيها، بأسلحة من بينها أسلحة كهرومغناطيسية، مع البحث عن إيجاد وقيعة بين دول إسلامية ودول مجلس التعاون الخليجي (…) وإرادة استيعاب الدول النفطية الثرية لصالح القضية الصهيونية لا القضية الفلسطينية”.
من جهته، وضح هيثم مزاحم مفهوم “جبهة الإسناد” التي “تساند الفلسطينيين، ولا تريد فتح جبهة رئيسية، بل تترك الجبهة الرئيسية ‘حماس’ و’الجهاد الإسلامي’، علما أن انتقاد محور المقاومة في لبنان والعراق وإيران وعدم الانخراط في حرب شاملة لا يستحضر أن هذا خيار المقاومة لأسباب عديدة، وأن فتح حرب واسعة يعني فتح حرب مع أمريكا والغرب والحلف الأطلسي”.
لكن “جبهة الإسناد” حققت هدف أن “أشغلت الجيش الإسرائيلي، وأن تكون عبئا على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وضغطا على الاقتصاد والجيش الإسرائيليين (…) مع استهداف مواقع الاحتلال على الحدود اللبنانية الفلسطينية، والثكنات الرئيسية، وكلما زاد الاغتيال والاستهداف يزيد العمق المستهدف، ومن الجبهات الأخرى جبهة الإسناد باليمن، وقطع البحر الأحمر، وإجبار تحويل الموارد عبر موانئ أخرى متوسطية تكلف جهدا ووقتا”.
ورصد المحلل سامي العريان، في مداخلته، “تأثير طوفان الأقصى على العقيدة العسكرية الإسرائيلية؛ بعدما كان تصور مصر بوجود حاجز هو سيناء منزوعة السلاح، وسوريا بحاجز هو الجولان وعدم الاستعداد للانسحاب الإسرائيلي منه، وجنوب لبنان كانت دائما هذه الإرادة لاحتلاله قبل الانسحاب بسبب المقاومة (…) لأن الاحتلال كان يريدها حاجزا، والأردن دولة حاجز لا دولة مواجهة”.
وزاد: “المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري، وكيان صغير جيو استراتيجيا مساحة وسلاحا، وأمريكا حريصة على أن تكون القوة العسكرية الفائقة، والضربات الاستباقية كانت إسرائيل تريد دائما أن تكون كذلك، وفي الأغلبية العظمى كان كذلك باستثناء طوفان الاقصى وحرب أكتوبر سنة 1973″؛ لكنه الآن “في ظلام دامس رغم الاستشعارات والأقمار الصناعية والمراقبة (…) وسياسة قص العشب بمفاجأة غزة وتأخير القوة العسكرية، وهذا صار في خبر كان باستثناء الاغتيالات الأخيرة، والإسناد بدأه حزب الله منذ 8 أكتوبر، مع الدفاع القوي بمساندة الولايات المتحدة وألمانيا وغيرها لتقوية أعدائها (…) وحجم الدبابات والجرافات المضروبة من مقاومة تحت الأرض زعزع هذا، ونصف المدرعات دمر أو عطب، والجنود القتلى والجرحى، وواضح جدا أن إسرائيل لا تستطيع فتح جبهات عديدة، بل يريدون دعم أمريكا وأوروبا”.
من بين ما اهتز أيضا مع “7 أكتوبر” “مفهوم الدفاع القوي، والحاجة الإسرائيلية، ضد صواريخ إيرانية من الدرجة الثالثة في 14 إبريل، إلى أمريكا وفرنسا وإيطاليا والأردن والسعودية ومصر”، ومع “كل الضحايا والخسائر، لم تحقق هدف استسلام المقاومة أو السيطرة الكاملة على غزة، والمبادرة ما زالت بيد المقاومة”.
وخلص المتدخل إلى أن “الاغتيالات محاولة الهروب إلى الأمام لجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب إقليمية (…) لتغيير قواعد الاشتباك وتصاعد في قوى المقاومة، وكل الأطراف لا تريد التصعيد، والهدف الأسمى هو وقف المجازر والحرب دون سقوط المقاومة”.
اللواء حابس شروف قال بدوره إن “7 أكتوبر” قد أظهر فشلا في الردع والاستخبارات الإسرائيلية، وسقوطا في “الحسم” مع صمود الشعب الفلسطيني، وانتقال إسرائيل بعد شهور من الحرب على غزة من مفهوم “النصر الكامل” إلى “النصر الكافي” ومن “الردع الشامل” إلى “الردع النسبي”، رغم “التدمير الشامل للبنية التحتية في غزة، والتعطيش والتجويع أدوات للحرب لتحويلها إلى مكان غير قابل للعيش”.
وتابع المتحدث: “قبل الحرب كانت تعتبر إسرائيل الملف الإيراني الأخطر على أمن الدولة اليهودية (…) وما انكشف مع ‘7 أكتوبر’ اعتقادات زائفة حول إسرائيل، رغم تصريحات لتعزيز لإعطاء الثقة للشارع الإسرائيلي (…) لكنها تخشى توسع الحرب مع ‘حزب الله’، ومصلحةُ نتنياهو هي إطالة أمد الحرب لأن إنهاءَها إنهاءٌ لشرعية وجوده (…) والحاجة اليوم إلى الوحدة الفلسطينية والمفاوضات الموحدة لتكون القوة أقوى أمام الترسانة العسكرية”، علما أننا “أمام كارثة إنسانية في غزة، وتدمير شامل لبنيتها التحتية”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News