تواضع غلة الميداليات الأولمبية يسائل مردود الرياضة المدرسية في المغرب
شكلت نتائج الرياضيين المغاربة في أولمبياد باريس “صدمة” لدى الشارع الرياضي المغربي، إذ جاءت هذه النتائج دون التوقعات بكثير؛ وهو ما أثار تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التواضع، لا سيما في ظل تداول ميزانيات مهمة خصصت للوفود المشاركة في هذه التظاهرة الدولية الكبرى.
وحفظ العداء سفيان البقالي ماء وجه الرياضة المغربية بعدما كرّس نفسه نجما دون منازع لسباق 3 آلاف متر موانع، بعد احتفاظه بذهبية الألعاب الأولمبية، مساء الأربعاء، في دورة “باريس 2024”.
واحد من بين العوامل المستحضرة خلال جدل نتائج الرياضيين المغاربة يتعلق بـ”تغييب” الثقافة الرياضية لدى الناشئة خلال بداية مشوارهم الدراسي، منبهين إلى غياب حصص الرياضة في التعليمين الأولي والابتدائي في أغلب المؤسسات التعليمية العمومية؛ الأمر الذي يُعتقد أنه يلعب دورا مهما في ضعف إعداد الأجيال الرياضية منذ الصغر.
ففي الوقت الذي تعتبر الرياضة جزءا أساسيا من المناهج التعليمية في العديد من الدول المتقدمة، تظل هذه المادة مهمشة في المدارس المغربية، وخاصة في المراحل الأولى من التعليم؛ فالمدارس المغربية، خصوصا في القرى والمناطق النائية، تفتقر إلى بنية تحتية رياضية مناسبة، فضلا عن نقص كبير في المدرسين المؤهلين لتدريس التربية البدنية.
في هذا السياق، اعتبر عبد الرحيم بورقية، سوسيولوجي أستاذ علم الاجتماع الرياضي والإعلام والرياضة بمعهد علوم الرياضة بجامعة الحسن الأول سطات، أنه “يمكن –إلى حد بعيد- ربط إخفاق الرياضة المغربية بالأولمبياد الفرنسي بغياب الاهتمام بالناشئة مبكرا بالمؤسسات التربوية والتعليمية”.
وأضاف بورقية، ضمن تصريح لجريدة النهار، أن من مكامن الخلل أن حصص الرياضة بالمدرسة “ثانوية، ويمكن ملاحظة عدم الاهتمام بها سواء بالنسبة للمشرفين أو الأطر المدرسية إلا فئة قليلة ممن لها الشغف وهَمّ أن بناء العقل السليم يكمن كذلك في تأهيل الجسم السليم”.
وسجل المتخصص في علم الاجتماع الرياضي أن “غياب الإرادة من جانب المشرفين يوازيه عزوف المتمدرسين، كل حسب ما يحفزه ذكورا وإناثا، ممن قد يرون أنها مجرد مضيعة للوقت لعدم وجود الإمكانيات اللازمة؛ كالمرافق وملاعب مختلف أنواع الرياضات وغياب مستوصف أو ممرض وغير ذلك من الضروريات”.
وبالنسبة للأستاذ الجامعي ذاته، فإن الفوز بالألقاب والميداليات “ثقافة وعمل وفق ضوابط علمية أولا تتداخل فيها العلوم الاجتماعية وعلوم وطب الرياضة والتكنولوجيا الحديثة”، منبها إلى أن “المغرب يزخر بالمؤهلات؛ غير أن ما ينقصنا هو التنقيب ودمقرطة الولوج والتأهيل الشامل حسب الاستحقاق ووضع الأشخاص المناسبين في مكانهم المناسب كل حسب تخصصه والعمل الجماعي لتحقيق إعلاء الراية الوطنية وتكريس نجاح منظومة”.
وبعد أن ذكر بأن “الفشل والهزيمة واردان في المجال الرياضي وجميع المجالات”، دعا أستاذ علم الاجتماع الرياضي إلى “تغيير العقلية وتحفيز العمل الجماعي والقاعدي مع المتمدرسين لاكتشاف مؤهلاتهم وبلورتها علميا لإيجاد مكان بسبورة الميداليات التي تتصدرها الدول التي تعنى بالناشئة مبكرا بالمؤسسات التربوية والتعليمية”.
من جانبه، شدد لحسن مادي، أستاذ التعليم العالي متخصص في علوم التربية، على أن مادة الرياضة “ليست مادة ثانوية”.
وأشار مادي، في حديث لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، إلى أن “أغلب الدول باتت تهتم بهذا الجانب، على اعتبار أن ظهور أبطال في رياضات مختلفة يعطي قيمة على المستوى الدولي للبلد الذي ينتمون إليه هؤلاء الأبطال”.
وعبر استحضار إقران –لأول مرة- قطاع الرياضة بالتربية الوطنية والتعليم الأولي، اعتبر الأستاذ الجامعي المتخصص في علوم التربية أن الحكومة المغربية “تسير في اتجاه الاهتمام بالمجال الرياضي، ولو ببطء”؛ غير أنه أكد أن “اكتشاف المواهب الرياضية يكون في بداية تنشئة الطفل”، الأمر الذي يتعارض مع غياب مادة الرياضة المدرسية إلى غاية مستويات متقدمة كالثانوي الإعدادي في المؤسسات العمومية، منبها إلى أن “بعض الأطفال يظهر لديهم اهتمام خاص بالرياضة منذ بداية تعليمهم الأولي، ويزداد هذا الاهتمام حين يجدون المحيط المناسب”.
وفي هذا السياق، أضاف المتحدث ذاته: “مرحلة التعليم الابتدائي يجب ألا نهملها في مجال الرياضة؛ بل على الوزارة تكوين أساتذة مختصين في هذا المجال، وتوفير أدوات ومعدات لازمة”، مستطردا: “يجب ألا ننتظر أن يظهر رياضي كبير بمحض الصدفة”، وفق تعبيره.
ودعا الأستاذ الجامعي ذاته إلى إحداث مجمعات رياضية خاصة بالأطفال خارج المدارس وملاعب القرب بالبوادي، ودعم الجمعيات الرياضية المهتمة بالأطفال وتعزيز أدوار دور الشباب، خالصا إلى أن “الرياضة المدرسية ليست هدرا للوقت والمال؛ بل إنها سبيل أساسي لاكتشاف المواهب”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News