جمعيات حماية المستهلك تنتقد عدم استفادة المواطن من آثار الدعم العمومي للفلاحة
حذرت جمعيات حماية المستهلك وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات من أن تفضي سلسلة التدابير الجديدة التي أعلنتها أمس الثلاثاء، مع المهنيين، “للحفاظ على توازن قطاعَيْ وسلسلتَي إنتاج وتسويق اللحوم الحمراء والألبان”، إلى مصير مجمل الإجراءات السابقة التي همّت دعم المهنيين، لكن “بلا أي أثر على أرض الواقع، لاسيما أن أثمان اللحوم الحمراء والبيضاء بلغت نسبا قياسية لم تبلغها قطّ”.
وكانت إفادات هذه التنظيمات المدنية غير مهادنة، بالنظر إلى ما وصل إليه الوضع من تداعيات مُقلقة، بحيث اعتبر بعضها أن “قطاع الفلاحة الذي يخصّص له دعم كل مرة، وكأنه هشّ أو فقير، هو مجال ثري ويبيض ‘ذهباً’ بالنسبة للمهنيين الكبار”، مشددة على أن “الدعم يتعين أن يتوقف مرحليا، حتى نعرف مآل ما تم صرفه سابقا، من خلال إجراء عملية تدقيق شاملة، تقوم بها جهات مستقلة لمعرفة لماذا لم يستفد المواطن من هذا الدعم”.
“دعم بلا أثر”
أحمد بيوض، الرئيس المؤسس لجمعية “مع المستهلكين”، اعتبر أن “وضع تصور جديد للدعم يثبت المخاوف التي ارتفعت منذ تعيين هذه الحكومة سنة 2021″، موضحا أن “الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية ليبرالية، وتدبيرها للدولة ‘مقاولاتي’، ومن ثمّ فإن طريقة الدعم هي طريقة رسمية لكي نمنح المال لأصدقائنا”، بتعبيره، مضيفا أن “الجهات العمومية بهذا المعنى لا يهمّها المواطن المستهلك، فمن يهمّها هم رجال الأعمال والمستثمرون والفلاحون الكبار”.
واعتبر بيوض، ضمن معطيات قدمها لجريدة النهار، أن “الأثر منعدم لأكثر من ثلاث سنوات من الدعم، وقطيع الأبقار الذي يعيش خصاصاً مازال يرفض الاعتماد على الأبقار التي تتجول في طريق أداروش في الهواء الطلق، وكان المغرب يلجأ إليها لأجل خلق توازن في العرض والطلب، وبالتالي عقلنة الأثمان”، متهماً المهنيين بكونهم “حاولوا تبخيس قيمة هذه الأبقار الغذائية من أجل الاستفراد بالقطاع، وبالتالي التلاعب بالأسعار كما يحدث الآن”.
ووصف المتحدث الدعم العمومي بكونه “إعادة تدوير للفشل، لكونه لم يؤت أكله في أي مجال مرتبط بالفلاحة، وكأنه (زيادة للشحمة في ظهر المعلوف) كما نقول بالدارجة المغربية”، مطالباً بـ”التخلي عن فلسفة الدعم الحالية، لكونها لا تمتّ بأي صلة للبعد الاجتماعي المرجو منها، بل كانت وسيلة بالنسبة للمهنيين للتغول أكثر والضغط على الدولة بذريعة توقف الإنتاج، والحال أن الفاعلين الصغار مستعدون للإنتاج لو توفرت لديهم الشروط”.
وبخصوص الأغنام لفت بيوض إلى أن “المهنيين يقولون إن القطيع الذي نستهلكه اليوم هو المستورد، وهو ما يكشف ‘كذبة’ مربي الأغنام بأن القطيع متوفر”، مردفا: “بما أننا نتناول لحم الخروف المستورد فلماذا الأثمان مرتفعة؟ وأين أثر الدعم؟”، مضيفا أن “بيع الخروف بالتقسيط سيكون مربحا أكثر من بيعه كأضحية بالنسبة للفاعلين، فلماذا يتجاوز سعره 100 درهم للكيلوغرام وهو يفترض بالنظر إلى الدعم أن يباع بـ70 درهما على أقصى تقدير؟”.
“دوران في حلقة مفرغة”
بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، قال إن “استمرار دعم القطاع الفلاحي بالشكل الحالي، رغم الملاحظات الكثيرة، يبرهن على أننا ندور في حلقة مفرغة، بالنظر إلى كون حاشية الوزير محمد الصديقي تبدو شاردة عما يجري حقيقة على الأرض”، مبرزاً: “نثمّن الدعم كفلسفة، لكنه لا يُمكن أن يصلح قطاعاً قضى بنفسه على الماشية من خلال مخطط المغرب الأخضر، وحذف مديرية تربية المواشي”.
الخراطي ألحّ، في تصريح لجريدة النهار، على “ضرورة إعادة النظر في تربية المواشي بصفة عامة بالمغرب، وإعادة تأهيل القطاع من خلال تقوية الإنتاج؛ فهذا التأهيل هو أساس محاربة الهجرة القروية، وهو الذي سيضمنُ حاجيات السوق الوطنية من اللّحوم”، معتبراً أن “الجفاف الذي تدفع به وزارة الفلاحة كل مرة موجود فعلاً، لكنه ليس السبب الحقيقي في كل ما وصلنا إليه من وضع مأساوي في إنتاج اللحوم”.
المتحدث ذاته أورد أن “ضمان السيادة الغذائية لم يكن مدخله دعم الاستيراد”، مشددا على “ضرورة التفكير في تقوية الاستثمار في الإنتاج الوطني، وتشجيع ‘الكساب’ الصغير على أن يواصل الإنتاج في القطاع، بما أن العديد من هؤلاء لجؤوا إلى مهن أخرى من ضمنها إنتاج الفواكه والخضراوات الموجهة للتصدير، وهذا يرجع بالأساس إلى حقيقة أن المخطط الأخضر ركز على التصدير وأهمل المواشي”.
وتحدث الفاعل في مجال حماية المستهلك عن “معضلة” التلقيح الاصطناعي، التي عدّها ضمن المشاكل التي أدت إلى هذه الندرة في اللحوم الحمراء، موضحا أن “بلدان العالم تلجأ إلى تلقيح الأبقار 3 مرات فقط، لكن المشكل في المغرب هو عشوائية القيام بهذه العملية، بحيث كان عدد التلقيحات يصل في بعض المرات إلى 8، وهو ما ينجم عنه انخفاض في الإنتاج لدى الأبقار”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News