إغلاق الوكالات في السوق البنكية المغربية .. موجة عالمية وتكاليف تشغيلية
شهدت السوق البنكية تغيرات مهمة، بعلاقة مع تحولات اقتصادية ومجتمعية، وأخرى متعلقة بسلوك الزبائن، إذ سجلت عدد الوكالات البنكية المادية تراجعا بناقص 103 وكالات خلال سنة واحدة فقط، ليستقر عددها عند 5802 وكالة، وفق المعطيات الواردة ضمن التقرير السنوي حول الإشراف البنكي الصادر عن بنك المغرب، الذي تضمن معطيات أخرى بشأن تطور عدد الشبابيك البنكية الأوتوماتيكية في المقابل بزائد 79 شباكا، ليصل إلى 8242 شباكا.
واعتبر نبيل بدر، مدير مساعد للإشراف البنكي ببنك المغرب، أن التطور الرقمي هو العامل الرئيسي وراء إغلاق الوكالات البنكية المادية، مؤكدا أن توسع قوائم الخدمات البنكية المنجزة عن بعد، خصوصا بواسطة التطبيقات على الهواتف المحمولة، بما في ذلك التحويلات البنكية وحجز المبالغ للسحب وطلب دفاتر الشيكات واستخراج الكشوفات البنكية، ساهم في خفض الإقبال على الوكالات المذكورة، التي تخضع لمنطق محاسبي، ذلك أن المجموعات البنكية لا يمكنها الاستمرار في تحمل تكاليف تشغيل وكالة تضخم ثلاثة مستخدمين، فيما عدد زوارها أقل من المستوى المطلوب.
وتابع بدر، في السياق ذاته، بأن عاملا آخر تسبب في إغلاق الوكالات البنكية المادي، مرتبط بنمو وكلاء ومؤسسات الأداء، التي قفز عددها إلى 25 ألفا و125 مؤسسة، بزيادة 2394 وحدة خلال سنة، على اعتبار أن هذه الفضاءات شكلت قناة لتمرير ثلثي مبالغ الدعم الاجتماعي المحول إلى المستفيدين، ناهيك عن قربها الجغرافي، وتمركزها في الأحياء الشعبية، وطول ساعات افتتاحها خلال اليوم، وعلى مدار الأسبوع، منبها إلى تمركزها كإجراء مهم ضمن إستراتيجية البنك المركزي بخصوص الشمول المالي، وتعزيز ولوج المغاربة إلى الخدمات المالية.
الموضة العالمية
اعتبر المسؤول بمديرية الإشراف البنكي، التابعة لبنك المغرب، إغلاق المجموعات البنكية وكالاتها المادية توجها يواكب موضة عالمية في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتبنى البنوك النهج نفسه، بالنظر إلى تطور الخدمات البنكية والمالية الرقمية، فيما كشف التقرير المشار إليه عن تطور معدل الكثافة البنكية حسب عدد السكان مقابل الشباك البنكي، إذ انتقل من 6300 نسمة إلى 6400، فيما ظل عدد الوكالات بالنسبة إلى 10 آلاف نسمة مستقرا عند 1.6 شباك.
وأوضح سليم شهابي، مستشار بنكي، أن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية شهدتا تراجعا كبيرا في عدد الوكالات البنكية خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بين 2012 و2022، إذ انخفض عدد الوكالات التابعة للبنوك والجمعيات التعاونية البنكية في المملكة المتحدة بنسبة 40 في المائة، بينما تراجعت نسبة الوكالات في أوروبا بمقدار 35 في المائة في العقد الماضي، مؤكدا أن التوقعات تشير إلى إغلاق ربع الوكالات البنكية في أوروبا خلال السنوات الثلاث المقبلة، ومشددا على أن المغرب ماض على المسار ذاته.
وربط شهابي، في تصريح لجريدة النهار، أسباب هذا التراجع بالتحول الكبير نحو الخدمات البنكية الرقمية، إذ أدى استخدام القنوات الإلكترونية، مثل الإنترنت وتطبيقات الهاتف المحمول، إلى انخفاض الحاجة إلى الوكالات البنكية التقليدية لإجراء المعاملات الروتينية، مثل دفع الفواتير والتحويلات المالية، مشيرا إلى أنه خلال جائحة كوفيد-19 زاد اعتماد الزبائن على الخدمات الرقمية بشكل كبير، ما سرع وتيرة إغلاق الوكالات المادية، ومنبها إلى مواجهة البنوك أيضاـ ضغوطا لتقليل التكاليف وتحسين الكفاءة التشغيلية، الأمر الذي أجبرها على تقليص شبكاتها من الوكالات البنكية.
تحفيز “الكاش”
في قراءة أخرى لمضامين تقرير الإشراف البنكي يقابل تراجع عدد الوكالات البنكية نمو في عدد الشبابيك الأوتوماتيكية البنكية، التي يستخدمها المغاربة لغايات السحب النقدي أساسا، ما يحيل على توجه البنوك بشكل غير مباشر إلى تحفيز التعاملات بـ”الكاش”. ورغم أن إغلاق الوكالات يساهم بشكل كبير في تخفيض التكاليف التشغيلية للبنوك إلا أن التحديات والمخاطر تظل موجودة، ما يتطلب استثمارات مستمرة في التكنولوجيا المالية وتعزيز التربية المالية لتحقيق الشمول المالي، وتقليل الاعتماد على الأوراق النقدية.
وبالنسبة إلى خليل عمراوي، إطار في شركة للحلول المالية الرقمية بالدار البيضاء، فتطور التكنولوجيا وارتفاع التكاليف التشغيلية للوكالات البنكية دفع البنوك نحو زيادة عدد الشبابيك الأوتوماتيكية لتقديم الخدمات البنكية بشكل أسرع وأقل تكلفة، موضحا في تصريح لجريدة النهار أن هذه الشبابيك توفر راحة أكبر للزبائن، إذ يمكنهم سحب الأموال على مدار الساعة دون الحاجة إلى زيارة الوكالات المادية خلال ساعات العمل، ومنبها إلى أنه “رغم التقدم التكنولوجي مازالت هناك فئات من المجتمع تفضل المعاملات النقدية، بسبب قلة الوعي المالي الرقمي، أو عدم توفر الإنترنت بشكل كاف في بعض المناطق”.
وأضاف عمراوي، في السياق ذاته، أن التعامل بـ”الكاش” مازال شائعا في المغرب لأسباب تتعلق بالثقافة المالية والاقتصاد غير الرسمي، إذ توفر الأوراق النقدية وسيلة مباشرة للتعاملات اليومية، خاصة في المناطق التي تقل فيها الثقة في النظام البنكي، مشددا على أن تفضيل المغاربة السحب من الشبابيك الأوتوماتيكية وراء زيادة عددها، خصوصا في المدن الكبرى، وبالتالي فانتشارها يعني زيادة الوصول إلى الأموال النقدية بسهولة، ما يشجع المزيد من الزبائن على تكثيف عمليات السحب الفوري.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News