آثار الجفاف تهدد زراعة الزيتون بتراجع الغلة وارتفاع الأسعار في المغرب

بعد أن غدا الجفاف عاملا بنيويا بالمملكة، تتجه زراعة الزيتون في عدد من المناطق إلى أن تصير هي الأخرى من “ضحايا” هذا العامل المناخي، وذلك بعدما وجد فلاحون أنفسهم أمام وضع “غير مسبوق” تزامنا مع اقتراب موعد جني الزيتون الذي ينطلق في شهر أكتوبر المقبل، مما يمكن أن “يقلص من الإنتاجية العامة من الزيتون للموسم الفلاحي الجاري”.

كحالة خاصة، عُدت وضعية هذا النشاط بإقليم السراغنة هذه السنة “كارثية” بعد أن انقطعت مياه السدود التلية، لعوامل مرتبطة بحجم الحقينة، عن عدد من الضيعات التي لا تتوفر على آبار خاصة وكافية وتعتمد بشكل كبير على المياه التي توفرها البنية السدّية بالمنطقة، في وقت كان الوقع أخف على الفلاحين الذين يتوفرون على منشآت مائية خاصة.

إعلان آثار الجفاف تهدد زراعة الزيتون بتراجع الغلة وارتفاع الأسعار في المغرب

يتحدث فلاحو المنطقة عن خسائر تفوق ستين في المائة من الإنتاج، “ستُكلف غاليا الاقتصاد الجهوي ككل وستعزز من فرص اعتزالهم للنشاط بشكل كلي بعد أن غدا تحقيق المردودية أمرا صعبا في ظل صعوبة الوضعية المناخية وعسر توفير الموارد المائية اللازمة”، وهو ما ينذر، بحسبهم، بـ”قلة المجني هذه السنة من الزيتون بما يرفع من الأسعار”.

وحسب الفلاحين الذين تحدثوا لجريدة النهار، فإن “مصير آلاف أشجار الزيتون التي تضررت هذه السنة سيكون في اتجاه اعتمادها كخشب للتدفئة يباع بأثمنة رخيصة، مما يجعل المنطقة تنهي علاقتها مع هذا النشاط بشكل تدريجي”، في وقت برزت مطالب مهنية بضرورة “بحث سُبل إنقاذ هذه المناطق من الأزمة التي تسبب فيها تراجع منسوب سدّيْ أيت عادل وسيدي ادريس اللذين كانا يوفران الموارد المائية التي تحتاجها الفلاحة المحلية”.

ويظل إقليم قلعة السراغنة من أوائل الأقاليم المنتجة للزيتون ومشتقاته بتغطية شجرة الزيتون لما يصل إلى 60 ألفا و500 هكتار من تراب الإقليم، ومساهمتها في إنتاج ما بين 60 و230 ألف طن سنويا، أي تقريبا 28 في المائة من الإنتاج الوطني، في حين إن وحدات مرتبطة بهذا النشاط كانت قد توقفت خلال الفترة الماضية بفعل تراجع الإنتاج بالمنطقة.

عبد اللطيف ولد حمادي، فلاح بمنطقة زمران الشرقية التابعة لإقليم السراغنة، أفاد بأن “ما يحدث اليوم بالمنطقة أمر كارثي بعد أن اتضح أن زراعة الزيتون، التي تعد عصب التنمية الاقتصادية بالمنطقة والمعيل الوحيد للأسر بها، قد وصلها التلف بنسب غير رسمية تفوق ستين في المائة”، معتبرا أن النسبة “بشكل دققي، تتجاوز ذلك”.

وقال ولد حمادي، في تصريح لجريدة النهار، إن “الضرر سُجّل بشكل كبير لدى الذين كانوا يعتمدون بشكل رئيسي على المياه الآتية من السدود المحلية التي لم تعد نشطة خلال أزيد من 4 أشهر الماضية، في حين إن عودتها خلال هذا الأسبوع جاءت متأخرة بعد أن لم يعد هناك أمل في تصحيح الوضع”، موردا أن “نشاط حفر الآبار بدوره يبقى غير فعال بشكل كامل بالنظر إلى أن الفرشة المائية للمنطقة تقترب من النفاد التام”.

وعاد المتحدث ليشير إلى أن “حتى المتاجرين في غلال الزيتون هذه السنة وجدوا صعوبة كبيرة في إيجادها حاليا، بخلاف ما كان في وقت سابق، حيث إن هناك حديثا اليوم عن أثمنة قياسية للشراء على مستوى الأشجار، وهو ما ينذر بشح الزيتون وزيته كذلك في السوق الوطنية خلال الفترات المقبلة”، معتبرا أن “مآل كل أشجار الزيتون التي تضررت من هذه الكارثة المناخية هو السوق لتُباع كخشب للتدفئة”.

كواحد من فلاحي المنطقة كذلك، أكد عبد السلام القادري أن “ما تعيشه المنطقة غير مسبوق بعد أن تضررت زراعة الزيتون بما يفوق ستين في المائة، في وقت هناك منا من يعمد إلى بيع خشب هذه المادة إلى أصحاب المخابز والحمامات بعدما لم تعد مجدية ولا يمكنها أن تُعطي غلّة بوصول موسم الجني”.

وأضاف القادري، مصرحاً لجريدة النهار، أن “الفرشة الجوفية اليوم تبقى في الحضيض، حيث إن حفر البئر يجب أن يكون لأزيد من مائة متر حتى تجد ما يمكن أن يدعم احتياجات الزيتون الذي يحتاج دائما إلى كميات وافرة من المياه”، مردفا بأن “هذه الحالة هي شبع عامة على إقليم السراغنة ككل الذي يعتبر من أهم منتجي الزيتون بالمملكة”.

وتابع: “يبدو أن هذا السياق سيدفع عددا من الفلاحين إلى اعتزال نشاطهم بالمنطقة بعدما لم يعد الأمر مرضيا، في وقت يبقى تصوّرُ هجرة المنطقة مؤكدا وقد نلجأ إليه جميعا ما دام أن مورد رزقنا الأول قد وصل إلى مرحلة مؤسفة”، خالصا إلى أن “المغاربة سيكونون خلال الأشهر المقبلة على وقع زيادات قياسية في زيت الزيتون الذي يبقى مادة أساسية لا تغيب عن الموائد المغربية”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى