تصحيح تقادم الضريبة يسائل مراجعة أرباح المقاولات في فترة “كورونا”
على الرغم من أنه خاضع لنصوص قانونية منظمة ودقيقة، فإن “التقادم الضريبي في الوعاء” يطرح نفسه بقوة، حاضرا في جوهر نقاشات مختصين وأكاديميين اقتصاديين بالمغرب، لا سيما في الشق المتعلق بـ”توفير هوامش مالية إضافية للمالية العمومية”.
قبل قانون المالية لسنة 2016، كان التقادم الضريبي في الوعاء بالمغرب محددا في أربع سنوات، ما عدا واجبات التسجيل غير المُصرح بوعائها فإن التقادم كان محددا في مدة تصل عشر سنوات. أما بعد 2016، مَيّز المشرع الضريبي بين الخاضعين المُعرفين ضريبيا (حيث التقادم أربع سنوات وغير المعرفين عشر سنوات)؛ وهو “تمييز كان الهدف من ورائه معاقبة غير المعرفين وتمكين الإدارة من مطالبتهم برسم العشر سنوات الأخيرة”، وفق مختصين في الشأن المالي تحدثت إليهم جريدة النهار.
وفي سياق النقاش العمومي الجاري عن ضرورة محاربة “التملص الضريبي”، بما يعني بشكل مباشر الوصول نحو غاية “توفير موارد إضافية لفائدة خزينة الدولة”، أثير، من جديد، نقاش حول “التقادم الذي يقف حاجزا أمام الإدارة المعنية في فرض الضريبة على المتملصين والذين يتعمدون الإدلاء بتصريحات غير صحيحة”، خصوصا بالنسبة لفئة “للمُعرفين ضريبيا” المعنيين بهذه المسطرة بحلول فاتح يناير 2025.
التأكد من الإقرارات
لإيضاح يلقي مزيدا من الضوء حول الموضوع، أفاد جواد لعسري، أستاذ مختص في المالية العامة والتشريع الضريبي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، بأن “فترة الجائحة (خصوصا سنتي 2020-2021) شهِدت تحقيق فئة من الخاضعين للضريبة على الدخل وللضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة رقمَ معاملات قياسيا؛ بالنظر إلى الإقبال على بعض المواد والمنتجات (الاستهلاكية) التي عرفت ارتفاعا ملحوظا”، مؤكدا أنها “دُخول (مداخيل) وأرباح تخضع لإجراءات التصريح أو الإقرار”.
وأبرز لعسري، في شروح تحليلية لجريدة النهار، أن “المشرع الضريبي المغربي احتفظ للإدارة بسلطة مراقبة الإقرارات التي سبق للخاضعين أن أدلوْا بها للتأكد من صدقية إقراراتهم ومدى مطابقتها مع الأمر الواقع”، قبل أن يستدرك: “بيْدَ أن حق الإدارة في ممارسة سلطاتها يسقط بعد انصرام أمد التقادم المنصوص عليه في المادة 232 من المادة 5 من القانون 47.06 (قانون مالية سنة 2007) المحدثة بموجبها المدونة العامة للضرائب”.
وتابع بالشرح: “يسقُط حق الإدارة في مراقبة إقرارات الخاضعين بحلول السنة الخامسة المُوالية لسنة تحقق الواقعة المنشئة للضريبة”.
تبعا لذلك، طرح المصرح المختص في التشريع الضريبي بالمملكة إشكالية “ضرائب المقاولات المنتعشة أرباحها ورقم معاملاتها خلال فترة الجائحة والتي من المرتقب أن ستتقادم بحلول بداية السنة المالية 2025”.
وفي تقدير لعسري، “تفاديا لحرمان خزينة الدولة من موارد مالية ضريبية ناتجة عن إخلالات مُحاسبية أو إغفالات برسم السنة المحاسبية 2020 والتي ستتقادم بحلول عام 2025 يتعين على الإدارة المختصة برمجة المقاولات المعنية للفحص المحاسبي أو سلوك مساطر المادتيْن 220 و221 من المدونة العامة للضرائب”، مبرزا أن “المقاولات المعنية بالأساس تنشط في قطاعات الصيدلة، ومقاولات إنتاج الكحول والمعقمات، وكذا إنتاج وتسويق الكمامات، فضلا عن مقاولات فلاحية (قطاع الحوامض) ثم مقاولات إنتاج سوائل التعقيم التي ارتفع الطلب عليها بكثرة خلال سنوات الجائحة”.
ثلاثة مستويات
من جهته، أبرز محمادي راشدي اليعقوبي، أستاذ جامعي مختص في شؤون الجبايات، محاسب معتمد، أن “هناك توجها إستراتيجيا للمديرية العامة للضرائب ولدى وزارة الاقتصاد والمالية نحو اعتماد متزايد على الرقمنة المراقبة والتدقيق الضريبيَيْن بكثرة، وهذا من أدوارها الأساسية؛ لأن النظام الضريبي بالمغرب قائمٌ في أغلبه على التصاريح”، مسجلا أن “الموارد البشرية لإدارة الضرائب توجهت حاليا بشكل كبير نحو تنفيذ المراجعات الضريبية”.
بالنسبة لمسألة التقادم، شرح راشدي اليعقوبي، الذي شغل مهمة رئيس سابق للمنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين بالمغرب، مصرحا لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أنه “من الطبيعي أن تلجأ إليه السلطات المالية المختصة من أجل ألا تموت سنة ضريبية معينة، مع توجيه المراقبة نحو مراقبة السنوات الأربع الماضية والسنة الجارية”.
وأكد الخبير المالي أن “التصريحات الضريبية يمكن أن تتخذ ثلاثة أشكال/مستويات؛ الأول اتخاذُ الإدارة للمبادرة في إطار طلب معلومات وبيانات، عبر توجيه رسائل للشركات المعنية حين ملاحظة بعض الإخلالات مع منح المقاولة شهرا واحدا للإجابة ثم تصحيح إقراراتها الضريبية وأداء ما بذمتها من ضرائب تكميلية، قبل أن تمر إلى مرحلة ثانية هي المراجعة الضريبية”.
النقطة الثانية، حسب راشدي اليعقوبي، متضمنة “في إطار قانون المالية 2024؛ فالمقاولات لها الحق أن تأخذ المبادرة لتصحيح الإقرارات الضريبية الخاصة بها مع أداء مصحوب بإعفاء من الذعائر وفوائد التأخير”.
أما المستوى الثالث، فيرتبط بـ”المراجعة الضريبية التي تخضع لمساطر منصوص عليها بوضوح في المواد 220 و221 من المدونة العامة للضرائب، وهو مستوى يتسم بالدقة في تدقيق الحسابات وتحليلها والمراجعة الضريبية.
وخلص الأستاذ الجامعي المختص في شؤون الجبايات إلى أن “الإدارة العامة للضرائب ماضية في نفس توجه السنوات الماضية”، مع تسجيله “زيادة في أعداد المفتشين المكلفين بالمراجعة الضريبية خاصة بالمدن، ومع ذلك يظل عدد الشركات المراقَبَة منخفضا بالمقارنة مع دول أخرى”.
واستنتج المتحدث ذاته بأن “العمل بنظام معلوماتي مرقمن لا يَضمن تركيز المراقبة الضريبية نحو قطاعات بعيْنها (القطاع الصحي والصيدلي وقطاع الإنعاش العقاري مثلا).. وهذا غير صحيح”، وفق تقديره.
مقاصد “التصحيح”
بالنسبة لزين الدين عبد المغيث، أستاذ المالية العامة والضرائب بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، فالمادة 232 من المدونة العامة للضرائب “تتناول إجراءات تصحيح الضرائب وتأثيرها على الأعباء الضريبية المترتبة على المكلفين بالضرائب”، موضحا أنها “تشمل البنود المتعلقة بكيفية التعامل مع العجز المُرحل، والذي يمكن أن يتأتى من خسائر الاستغلال أو الاهتلاكات”.
كما تنص المادة، وفق إفادات عبد المغيث لجريدة النهار، على أن “التصحيح الضريبي يمكن أن يشمل الفترات الأربع الأخيرة التي تخضع للضريبة أو السنوات المحاسبية المتقادمة عندما يتم استنزال مبالغ العجز أو الرسوم المؤجل دفعها من الدخول أو الحصائل الخاضعة للضريبة في فترة غير متقادمة”. ومع ذلك، فإن التصحيح لا يمكن أن يتجاوز مجموع مبالغ العجز والرسوم المؤجلة المستنزلة من الحصائل أو الدخول أو الضريبة المستحقة برسم الفترة غير المتقادمة”.
وهكذا، يستخلص أستاذ المالية العامة أن “الهدف من المادة 232 هو الردع؛ إذ تهدف الغرامات إلى ردع المكلفين عن التأخير أو تقديم إقرارات غير دقيقة”، ثم “تشجيع وتحفيز الامتثال: أي تشجع المكلفين بالضريبة على الالتزام بالقوانين والتعليمات الضريبية لتجنب العقوبات المالية”.
في المجمل، فإن المادة المذكورة “تسعى إلى ضمان تحقيق الامتثال الضريبي من خلال فرض عقوبات وغرامات على المخالفين، مما يعزز من فعالية النظام الضريبي في المغرب؛ وعلى الأقل تفادي التملص الضريبي مما يفوّت موارد مهمة على المحفظة العمومية”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News