الحكومة تراهن على المقاولين الذاتيين لتوسيع قاعدة المساهمين في نظام “أمو”
نشرت المديرية العامة للضرائب دليلا حول النظام الضريبي للمقاول الذاتي، بسطت من خلاله الوضع القانوني والضريبي الخاص بهذه الفئة من الملزمين، حيث قدمت أجوبة عن مجموعة من التساؤلات المطروحة، مركزة على أهمية هذا الإطار القانوني والجبائي في تشجيع ممارسة الأنشطة المهنية والتجارية بشكل مهيكل، وتحفيز روح المبادرة وتسهيل ولوج الشباب إلى سوق الشغل من خلال العمل الذاتي؛ فيما حددت هوية الأشخاص المؤهلين لهذا النظام والمستبعدين منه.
وركزت إدارة الضرائب في الدليل الصادر عنها على أن وضع المقاول الذاتي لا يُمنح إذا كان المقاول يمارس بالفعل نشاطا خاضعًا للضريبة المهنية، سواء كشخص اعتباري أو طبيعي، إذ يجب عليه، في البداية، القيام بإجراءات وقف النشاط قبل التسجيل في السجل الوطني للمقاول الذاتي؛ فيما يرتبط الحصول على الوضع المذكور بشرطين، الأول يتعلق بعدم تجاوز رقم المعاملات السنوي حدود 500 ألف درهم بالنسبة إلى الأنشطة التجارية والصناعية والحرفية، والثاني 200 ألف درهم بالنسبة إلى مقدمي الخدمات. بينما يتعين على دافع الضرائب هنا الالتزام بنظام الضمان الاجتماعي المنصوص عليه في التشريعات الجاري بها العمل.
وتتعدد المزايا التي يستفيد منها المقاول الذاتي، مثل الإعفاء من واجب التسجيل في السجل التجاري، والإعفاء من الالتزامات المحاسبية، وإمكانية توطين نشاطه في إقامته أو في الأماكن التي تستغلها عدة شركات دون أن يكون محل إقامته الرئيسي عرضة للحجز بسبب الديون المستحقة عليه، بالإضافة إلى الاستفادة من التغطية الاجتماعية ابتداءً من تاريخ التسجيل في السجل الوطني للمقاول الذاتي (RNAE). إلا أن هذه الامتيازات لم تغر بشكل كبير الملزمين بالانخراط في هذا النظام الجبائي، إذ أظهرت أرقام أوردتها صحيفة “ليكونوميست” خلال وقت سابق تراجع عدد المنخرطين منذ 2021، لينتقل من 104.529 شخصا إلى 73.519 سنة 2022، قبل أن يستقر عند 61.160 شخصا متم السنة الماضية؛ فيما لم يتجاوز عدد المسجلين في هذا النظام منذ بداية السنة الجارية 3.820 شخصا.
حماية اجتماعية
تتجاوز أهمية نظام المقاول الذاتي هيكلة الاقتصاد الوطني إلى الاهتمام بالحماية الاجتماعية والتأمين الصحي للأفراد، ذلك أن النظام المذكور يشكل مدخلا لاستفادة السكان النشيطين من تغطية صحية ملائمة، إذ ربط الإطار المنظم لهذه الفئة من الملزمين المساهمة المهنية الموحدة المتعلقة بالواجب التكميلي بانخراط الملزم في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (أمو)، لتتوزع قيمة الواجبات التكميلية الفصلية والسنوية حسب شريحة الواجبات السنوية المبينة في الجدول أسفله.
وأوضح عبد الرحمان أمسون، مستشار في التأمينات وخبير في الأنظمة الاجتماعية والصحية، أن الحكومة مطالبة خلال الفترة الحالية، التي تتزامن مع الإعداد لمشروع قانون المالية 2025، بإعادة النظر في مجموعة من الإجراءات الخاصة بنظام المقاول الذاتي، في أفق تحفيز الانخراط فيه، والمراهنة عليه لتوسيع قاعدة المساهمين في نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض (أمو)، مؤكدا أهمية استصدار تحفيزات جبائية خلال الفترة المقبلة في تشجيع الانخراط، وتحسيس المقاولين الذاتيين بشأن الاستفادة من التأمين الصحي وتعزيز الولوج إلى العلاجات المختلفة، بما يساهم في تحسين ظروفهم الاجتماعية ويرسخ استقرارهم الاقتصادي.
وأشار أمسون، في تصريح لجريدة النهار، إلى الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه المقاولون الذاتيون في دعم وتوازن نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض، موضحا أن هذا النظام يهدف إلى توفير تغطية صحية شاملة للأفراد، وضمان حصولهم على الرعاية الصحية الأساسية، ومشددا على أن تعزيز إدماج الفئة المذكورة من الملزمين في نظام التأمين الصحي سيتيح توسيع قاعدة المساهمين، ما سيساعد في توزيع الأعباء المالية للتأمين الصحي على نطاق أوسع بين الأفراد، ما سيعزز استدامة النظام ويقلص من المخاطر المالية التي قد تواجهها الدولة.
محدودية الانخراط
بالعودة إلى لغة الأرقام فعدد المقاولين الذاتيين في المغرب بلغ 615.660 شخصا منذ إطلاق هذا النظام الجبائي قبل أقل من عشر سنوات، بينهم 389.565 شخصا مازالوا نشطين؛ فيما تمركز قطاع الخدمات الأكثر استقطابا لهذه الفئة من الملزمين بنسبة 44 في المائة، متبوعا بقطاع التجارة بنسبة 40 في المائة، ثم الصناعة بنسبة 9 في المائة، والحرف اليدوية بنسبة 7 في المائة، علما أن عدد التسجيلات ارتفع بشكل ملحوظ خلال جائحة كورونا، إذ وصل إلى 174.665 شخصا، بينما يعمل 554.155 مقاولا ذاتيا (89.32 في المائة) بشكل دائم، ويشتغل 66.250 شخصا (10.68 في المائة) بشكل موسمي.
وأوضح محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، في تصريح لجريدة النهار، أن تشجيع الانخراط في نظام المقاول الذاتي يتطلب مجموعة من الإجراءات التي تشمل الحوافز المالية وتبسيط الإجراءات، وكذا التوعية والتثقيف، وتوفير الدعم المالي والإداري، بالإضافة إلى إنشاء برامج تحفيزية، مؤكدا أنه من خلال تنفيذ هذه السياسات يمكن للحكومة والمؤسسات المعنية تعزيز عدد المقاولين الذاتيين، بما يساهم في تحسين قدرات الاقتصاد المهيكل وزيادة فرص الشغل، ومشددا على أن تخفيض الضرائب أو تقديم إعفاءات ضريبية على الدخل المكتسب يمكن أن يكون عامل جذب رئيسي، وتشجع المزيد من النشيطين على التسجيل كمقاولين ذاتيين.
وأضاف الحسني أن المقاول الذاتي شأنه شأن باقي الفئات الأخرى من المقاولين لم يتمكن من الصمود أمام الأزمات المتتالية، ما أدى إلى تراجع كبير في عدد المنخرطين في هذا النظام الجبائي خلال السنوات الأخيرة، مؤكدا أن عدة عوامل دفعت هذه الفئة من المقاولين إلى وقف أنشطتهم، أبرزها الارتفاع الحاد في تكاليف الإنتاج، خاصة مع زيادة أسعار المحروقات والمواد الأولية، التي تجاوزت القدرة الشرائية للمواطنين، ومشيرا إلى أن طلبات العروض في القطاع الخاص سجلت من جهتها تراجعا، ما فاقم الأزمة المالية للفاعلين المذكورين، الذين يعانون أيضا على مستوى الولوج إلى الصفقات العمومية.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News