تحقيق لديوان الفقيه الأديب الشاعر الريسوني

صدر ديوان الفقيه الأديب الشاعر مصطفى بن أحمد بن الأمين الريسوني العلمي الإدريسي الحسني، من تحقيق وتقديم الدكتور أحمد بن علي الريسوني والشاعر الإعلامي أحمد الحريشي، وقد قدما النص الشعري بمقدّمة لامست جوانب متعددة يطلع عليها القارئ في طليعة الديوان الذي يتكون من 185 صفحة.

ومما جمل عيون هذا الديوان تلك المقدمات التي كانت بمثابة تحجيل له، صاغها كبار الأدباء في وقتنا تقريظاً لما أبدعه الشاعر؛ ومنهم عبد السلام الهراس، الذي قال عن هذا المؤلف “لا نعرف الأخ مصطفى إلا قارئا منذ ريق شبابه يسير في الحومة وهو متأبط كتابا، وكان كثير الأصدقاء والرفقاء منهم الإخوان أحمد بن الأمين وعبد السلام النجار وعبد القادر الخزاني وعبد القادر المقدم الشاعر وكان يجالس صديقه الدائم الأستاذ محمد الحضري بدكانه بالسويقة رحمه الله”.

وتابع قائلا: “كان مثل شبابنا كلهم يحاول قرض الشعر وهو بعد بالابتدائي والثانوي؛ لكن أقدم قصائده التي حواها ديوانه الصغير مؤرخة بـ1950 عواطف نحو الملك وعرشه، (ص1) وكان إذ ذاك يتابع دراسته بفاس (وهي قصيدة جميلة). وهناك قصائد مؤرخة بسنة 1370 هجرية، وأعتقد أن قصائد الحب نظمها قبل ذلك أيام دراسته في تزروت لأن معاناة الطالب في فاس لم تدع له فسحة التفكير في الجنس الآخر”، مشيرا إلى أن شعر مصطفى الريسوني كان متنفسا له خلال حياته، لذلك فهو تسجيل لتلك الحياة أو قل لبعض من تلك الحياة، وقد برز في هذا الشعر تجاوبه الصادق مع قضايا وطنه ومع مبادئ دينه، فقد حيى ورثى الملك محمد الخامس وتناول مناسبات دينية مثل المولد النبوي وشهر رمضان، ورثى العلامة الشيخ أحمد السمَّار قاضي تطوان والصحراء وشفشاون، وافتخر بنفسه ولاسيما عندما حاز العالمية التي كانت امتحاناتها عسيرة قد كبا دونها طلاب كثار في تلك السنين”.

وعن هذا الدّيوان، قال الشاعر الراحل محمد المختار العلمي: “بإطلالة عابرة على محتويات الديوان، تبدو لقارئه ملامح التأثير والتأثر المشار إليها واضحة من خلال رصده لها بتأمل وإمعان، علاوة على ما سيجده مطروقا فيه من مضامين وقضايا يعالج بعضها أحوال المجتمع وقضايا الإنسان، إما على سبيل التصريح أو على سبيل الكناية والتورية والتلويح والتلميح”، مضيفا: “وللشاعر إطلالات على الفضاءات الطبيعية وصفا وتسجيلا، ومنها فضاء شفشاون الذي فاز بحظ كبير. كما تناول الشاعر أسلوب المعارضة التقليدية في القصيدة الميمية التي صاغها على منوال قصيدة الشاعر أفيلال، وزنا وتركيبا وقافية”.

أما القصائد ذات النَّفَس الطويل “فمن نصيب العرشيات والإخوانيات والمراثي، وكل قصائد الديوان تمت صياغتها أسلوبيا من السهل الممتنع مع متانة في البناء والتعبير والتركيب، دون إسفاف أو إخلال، وتتجلى فيها نزعة الشاعر بوضوح تام، وهي نزعة إنسانية تتسم بالحب والصدق بعيدا عن أي همز ولمز أو تعريض، فما رمز إليه الشاعر مصطفى في شعره لم يمل به إلى أي التباس مقصود؛ لأن الشاعر أكثر وعيا بحرمة الآخرين. لذلك، ظل يحدوه أسلوب الأديب الملتزم أدبا وخُلقا، سيرا على النهج السليم؛ فالمسألة في المضمار الأدبي دَيْدَنُ الأدباء الشرفاء”، حسب محمد المختار العلمي.

تحقيق لديوان الفقيه الأديب الشاعر الريسوني

ويعتقد الشاعر عبد الكريم الطبال “أن هذا الديوان سيفتح أمام الناقد نافذة جديدة يطل منها على موهبة شعرية منسية كان جديرا بها أن تكشف عن نفسها في وقتها حتى تنال ما تستحقه من اعتبار وتقدير وتقويم ونقد، وفي حينها كانت تحاكيها موهبة أخرى فذَّة كشفت عن نفسها كما يجب، فنالت ما تستحقه من التقدير والالتفات”.

وأنت تقرأ تشعر كأنك أمام ظلال الأخطل الصغير في بعض الخطرات في شعره، ثم يهب عليك نسيم من بديع أبي سهل الأندلسي وابن خفاجة، وفق تعبير محمد أبو عسل، الذي أكد أن الإعجاب يتجلى واضحا بأبي القاسم الشابي الذي حذا حذوه في نسج إبداعه، ويسافر نحو الفحول في المدح العربي فينظم إلى هذه القوافل فيغترف من عيونها ما يطفئ ظمأه، وأخيرا يعود وهو متأثر بخمريات أبي نواس فيأبى إلا أن يشاركه فيما استحوذ عليه من عيون خمرياته، ولا أنسى أنه في النسيب شاعر رقيق يملك دقة الوصف والتعبير، وأكيد أنه تأثر بالقاضي عياض لدرجة أنه أبدع على غراره ما دل على أصالة عقيدته، وذلك هو الإيمان”.

وأردف أبو عسل: “والحقيقة أنه شاعر مقتدر لا يجد صعوبة في إبداع شعر رقيق؛ لأنه موهوب وعظيم عندما يمدح، وباكٍ عندما يرثي، وعاشق عندما يحب ويحن إلى الذكريات، يتفانى عندما يتغزل، ونحَّاتا ورسَّاما عندما يستحوذ عليه النسيب. أما حبُّه للطبيعة فهي الأنيس والعشيق والمجال الذي يتناجى معه وفيه، لذلك نجد قصائده تتميَّز برقة الحس ودق الوصف”.

وقال الشاعر محمد الحلوي عن صاحب الديوان نفسه: “عرفت المرحوم مصطفى بالقرويين في الأربعينيات من أنجب طلابي وأوفرهم جدية ونشاطا واستقامة، ولعله لم يكمل دراسته بها لما عرفته فاس من اضطرابات سياسية اضطر معها كثير من الطلبة إلى مغادرتها، ولم أره إلا في تطوان سنة 67 حين وفدت عليها وكان يشتغل بها أستاذا في إحدى المؤسسات، لم أكن أعرف أنه يحب الشعر ويكتبه إلا بعد أن شاركت في لجينة لترشيح الفائزين في مسابقة شعرية لعيد العرش، وقد نال فيها الجائزة الأولى”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى