ارتفاع أسعار المقاهي لمشاهدة “الأسود” .. حالات معزولة أم سلوكات انتهازية؟
مع توالي الإثارة في مباريات كأس أمم إفريقيا المستمرة فوق ملاعب الكوت ديفوار، والمتواصلة إلى الحادي عشر من فبراير المقبل، لا سيما مباريات المنتخب الوطني المغربي بقيادة وليد الركراكي، يرتفع منسوب الحماس الذي يجذب مغاربة ومغربيات إلى كراسي المقاهي والمطاعم لمتابعة مغامرة منتخَبِهم الأول لعله يكسر “نحساً ملازماً” ويعود بكأس إفريقية ثانية.
وبينما سادت أجواء تفاؤل إيجابية في أوساط الجمهور المغربي، (حسبما رصدته الجريدة) عشية “مباراة حاسمة” أمام منتخب الكونغو الديمقراطية، وصفها الركراكي وعدد من مختصي كرة القدم بأنها “مهمة لن تكون سهلة”، عاينت جريدة جريدة النهار الإلكترونية استعدادات وترتيبات على قدم وساق في جُل مقاهي أحياء مدينتَي الرباط وسلا.
ومنذ المباراة الأولى التي خاضها “أسود الأطلس” أمام تنزانيا، وسط الأسبوع المنقضي، “انبعث” نقاش قديم- جديد حول “قيمة استخلاص أثمنة استهلاك المشروبات عند الجلوس لمشاهدة المنتخب الوطني المغربي”، في الوقت الذي يعلّق مهنيو المقاهي وأربابها “آمالا عريضة” على انتعاش “حركية الرواج الاقتصادي” الذي يرافق عادة مناسبات رياضية كبرى.
وذهب البعض إلى التعبير عن “الاستياء” و”شجب” ما يثار حول “قيام بعض المقاهي والمطاعم في بعض المدن المغربية بالرفع من الثمن المعتاد لمنتجاتها وخدماتها مقابل متابعة مباريات المنتخب المغربي في كأس إفريقيا”، مما جدّد النقاش حول “أحقّية ومشروعية” ذلك، بينما استنكر مهنيو أرباب المقاهي والمطاعم، في تواصل مع جريدة النهار، نعتَ البعض لهم بـ”استغلال الظرفية والجشع والبحث عن الربح السريع”.
أرباب المقاهي: “حالات معزولة”
لاستجلاء حقيقة الأمر، الذي رُصد “بشكل محدود” في مباراة المنتخب الأولى، مع “مخاوف من تكرار الوقائع” في المباريات القادمة، نَفت الفيدرالية الوطنية لجمعيات المقاهي والمطاعم والوحدات السياحية بالمغرب، على لسان رئيسها محمد بوزيت، هذه المسألة، مستغربة من “ترويج الأمر وتصويره على أساس أنه جشع مبالغ فيه”.
الاستغراب نفسه عبّر عنه المنسق الوطني للجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب، الذي أكد لجريدة النهار “محدودية هذه الحالات إنْ وُجدت في الأصل”. وأضاف أن التواصل مع الفروع المحلية والجهوية أثبت “عدم صحة مزاعم الزيادة في أسعار حجز الخدمات أو رفع سعر منتج ما”.
المهني ذاته تابع قائلا: “هي لحظة وطنية جامعة لوجدان المغاربة للوقوف صفاً واحدا وراء منتخبهم الوطني”، معتبرا أن “الإقبال على مباريات الكان يظل مرتفعاً فقط في حالة لعب “الأسود”، وليس باقي المنتخبات”.
من جهته أوضح بوزيت، في تواصل مع جريدة جريدة النهار، أن “المُشرّع المغربي ترك باب التجارة وحرية الأسعار مفتوحا، وبما أن المنتوجات والخدمات المقدمة في المقاهي والمطاعم تختلف في قيمتها وجودتها ومكانها وزمانها وظروف الاشتغال فيها، فهو لم يُلزمها بنص قانوني تنظيمي يحدد سقفاً لثمن بيع المنتَجات لا يمكن تجاوزه في مثل هذه الحالات المؤقتة شريطة أن تكون هذه الأسعار واضحة ومقروءة للعموم”.
وتابع شارحا “إن المداخيل وإن شهدت ارتفاعا فقط في مباريات المنتخب المغربي فلا يمكنها أن تتعدى 40 بالمائة كحد أقصى من المدخول المعتاد، وبعض المقاهي تبقى مداخيلها ثابتة دون تغيير حتى وإنْ امتلأت عن آخرها مع كَراسٍ إضافية”.
“لا بد أن نعلم أن المداخيل الإضافية لا تغطي المصاريف التي تتبع المباريات من كراس وطاولات وأوان يطالها الكسر، بل قد يطال أيضا الواجهات الزجاجية للمقهى أو أجهزة التلفاز، ناهيك عن أن واجب الاشتراك في شبكة النقل الحصري للمباريات المخصصة للمقاهي يصل ثمنها إلى 15 ألف درهم سنويا”، تورد فيدرالية جمعيات المقاهي.
وأعطت الفيدرالية، في بيان لها حول الموضوع، (تتوفر جريدة النهار على نسخة منه) المثال بـ”قرار بعض أرباب المقاهي بالمغرب عدم بث مباريات الكرة تجنباً للفوضى والهستيريا التي تصاحب حماسة المشجعين”، مضيفة “تبعاً لذلك يلجأ بعض أرباب المقاهي والمطاعم وهُم قِلّة إلى إشهار أثمنة فوق طاقة رواد المقاهي تفاديا لدخول شباب بحماسة زائدة تهدد سلامة الزبناء، مع الحفاظ على ممتلكاتها من التخريب”.
“طالما أن هناك مقاهٍ لم تغيّر أثمنتها، فعلى المواطن أن يقصد المحلات التي تناسب قدرته الشرائية، وهو غير مجبر على دخول المقاهي “مرتفعة الثمن”، دون أن نغفل نقطة الجلوس بمشروب واحد طيلة هذه الفترة”، يختم المصدر ذاته.
“حُماة المستهلك”: “لا ضرر ولا ضِرار”
في المقابل ترى جمعيات حماية المستهلك أنه وجب “إمساك عصا هذا الموضوع من الوسط”، بشكل لا يضرّ المستهلك المغربي المحمِيّ بموجب قوانين وتشريعات خاصة، ولكن “دون أن يؤثر ذلك أيضا على تنافسية أي قطاع” أو “ربحية أربابه” بحكم أن “المشرع المغربي أقرّ الحماية للمستهلك من بعض الممارسات المنافية لقواعد السوق بالقانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة”.
في السياق ذاته أكد بوجمعة موجي، الكاتب العام لجمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء، أن “المشرّع في القانون المذكور عمَد بوضوح إلى تحديد الأحكام المطبقة على حرية الأسعار، وتنظيم المنافسة الحرة، وتحديد قواعد حماية المنافسة قصد تنشيط الفاعلية الاقتصادية وتحسين رفاهية المستهلكين”، مذكرا، في حديثه لجريدة النهار، بـ”هدف ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية”، ومستحضرا “مفهوم أريحية الزبون/ المستهلك ومكانته المحفوظة قانونيا”.
ولفت موجي إلى ضرورة استحضار “مستوى اللحظة التاريخية، التي تجعل الشعب المغربي موحَّدا خلْف منتخبه الوطني” بشكل يجعل “لجوء البعض إلى استغلال الظرفية وانتهاز الفرص أمراً غير مقبول من الناحية الأخلاقية”.
الفاعل في جمعيات حماية المستهلك ختَم حديثه للجريدة بالقول إن “المستهلك في هذه الحالة يظل سيد قراره واختياره لأي مقهى يريد متابعة المباريات فيه، وهو ما يجعل التفاضل في الاختيارات يخضع لعدة اعتبارات قد يوفرها مُقدم الخدمة”.
جدير بالتذكير أن المادة الثانية من القانون 104.12 نصّت على كون “أسعار السلع والمنتجات والخدمات تُحدد عن طريق المنافسة الحرة ما عدا السلع والمنتجات والخدمات التي تحدد قائمتها بنص تنظيمي بعد استشارة مجلس المنافسة”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News