تقرير يبرز أدوار الوساطة العربية في خطة شاملة للسلام بالشرق الأوسط
في إطار بحث سبل لعب الدول العربية لأدوار محتملة في صياغة خطة عربية ثانية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، سلط تقرير حديث لمركز “كارنيغي الشرق الأوسط” الضوء على هذه الأدوار، مؤكدا أن شبكة العلاقات الدبلوماسية وخطط التعاون التي طورتها الدول العربية، بما فيها دول اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى، يمكن أن تكون مفيدة في تسهيل جهود السلام الإقليمية.
وقال التقرير إن “الدولة العربية يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في تمكين الفلسطينيين والإسرائيليين من إنهاء العنف الحالي وتجنب الظروف التي تطيل أمد انعدام الأمن والاستقرار، وبالتالي وضع إطار تفاوضي لحل هذا الصراع بدعم إقليمي ودولي”، مسجلا في الوقت ذاته أن “واشنطن كانت لاعبا رئيسيا في جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية السابقة غير أنها اليوم لا تمتلك رؤية واضحة لإنهاء الحرب في غزة. وبالتالي، فمن غير المرجح أن تأخذ أمريكا كما فعلت سابقا زمام المبادرة لقيادة عملية السلام”.
ولفت المصدر ذاته إلى أن الدول العربية الرئيسية أصبحت لديها قدرة أكبر على تولي زمام المبادرة الدبلوماسية على المستوى الإقليمي، شريطة أن “تتفق على نهج واحد”، مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى دول اتفاقيات أبراهام، يمكن كذلك لكل من “مصر والأردن الاستثمار في هذا النهج إضافة إلى المملكة العربية السعودية، هذه الأخيرة التي تشكل تداعيات الوضع في الشرق الأوسط تهديدات حقيقية لأمنها واستقرارها”.
وأشار مركز “كارنيغي الشرق الأوسط” إلى أن البيئة السياسية لفترة ما قبل الحرب الحالية في غزة لم تترك مجالا كبيرا للتوصل إلى حل سياسي، نظرا إلى مجموعة من العوامل؛ أبرزها أن “إسرائيل، خاصة الحكومات الائتلافية اليمينية التي هيمنت على السياسة الإسرائيلية في العقد الماضي، لم تكن مهتمة بمتابعة محادثات السلام مع السلطة الفلسطينية، أو حتى تخفيف السياسة التوسعية في الأراضي الفلسطينية والتهجير القسري للعائلات، ولا حتى تخفيف الحصار المفروض على غزة منذ سنة 2007”.
ولم يكن التقاعس الإسرائيلي وحده ساهم في سحب الاستثمار السياسي في حل قيام الدولتين، يؤكد التقرير، مضيفا أن “الخلافات المستمرة على الجانب الفلسطيني بين السلطة والفصائل الأخرى بقيادة حماس، هي الأخرى ساعدت على هذا المستوى”، وبالتالي فقد “عملت إسرائيل على ترسيخ الانقسام وليس التغلب عليه”، وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى تضاؤل القبول الشعبي للسلطة في صفوف الفلسطينيين.
كما ساهمت العوامل الإقليمية إلى حد كبير في “تدهور المؤسسات الوطنية الفلسطينية”؛ ذلك أنه “رغم أن مصر والأردن واصلتا جهودهما الدبلوماسية لإحياء محادثات السلام، إلا أن بعض الدول العربية، على غرار الجزائر، حصرت أدوارها في الخطابات النارية ورعاية مصالحة بسيطة بين الفصائل الفلسطينية”، أما بلدان أخرى كسوريا وليبيا، فلم تعد تعير سوى قليل من الاهتمام للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بسبب أوضاعها الداخلية، فيما لم تنجح جهود اتفاقيات أبراهام في حل هذا الصراع.
ولكن “هل يمكن أن يؤدي الاهتمام الحالي رفيع المستوى بفلسطين وإسرائيل إلى تحقيق اختراق في عملية السلام؟”، سؤال انطلق منه التقرير ليجيب بأن “الدول العربية كانت في الماضي أطرافا في هذا الصراع وكانت منقسمة، لكنها اليوم أصبحت مهتمة بإنشاء نظام إقليمي آمن حيث أضحى تحقيق الاستقرار الإقليمي اليوم هدف كل الدول العربية الرئيسية”.
في هذا الصدد، أشار مركز “كارنيغي الشرق الأوسط” إلى أن أي مبادرة عربية متعددة الأطراف لحل الصراع في الشرق الأوسط، يجب أن “تقدم فوائد حقيقية لجميع الأطراف، وليس الفلسطينيين فقط”، مسجلا أن المبادئ العامة التي يمكن تقديمها لجميع هذه الأطراف هي “الاعتراف بالهويتين الفلسطينية واليهودية باعتبارهما شرعيتين وبحاجة إلى التعبير المؤسسي، ورفض الأنشطة الاستيطانية والتهجير القسري للفلسطينيين إلى مصر أو الأردن أو أي مكان آخر، ثم اعتبار أن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الكاملة بين الدول المشاركة يجب أن تكون نتيجة لكل هذه العملية”.
وخلص المركز إلى أن “أي مبادرة من هذا النوع ستولد من رحم الارتباط الدبلوماسي للدول العربية بعلاقاتها مع إسرائيل، ويمكن أن يكون في مقدمتها عقد مؤتمر سلام في عاصمة عربية كبرى”، لافتا إلى أن “الدول العربية باهتمامها العميق بالأمن الإقليمي بعد عقد من الاضطرابات، إلى جانب أصولها المتراكمة مع إسرائيل والفلسطينيين والغرب، يمكنها تحمل هذه المسؤولية وإطلاق جهود طموحة لحل القضية الفلسطينية ومعالجتها، وبالتالي عكس مسار التهميش الذي ساد في السنوات الأخيرة والذي قوض الاستقرار والازدهار الإقليميين”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News