الشراكة الاستثمارية بين المغرب والإمارات تنتفح على “اقتصاديات المستقبل”
زخَمٌ متجدد وواعد في الشراكة الراسخة بين الرباط وأبوظبي منحَتْه زيارة العمل والأخوة التي حملت الملك محمد السادس إلى الإمارات العربية المتحدة، بدعوة من رئيس الدولة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لتخلُص إلى توقيع “إعلان شراكة” جديد ومؤطِّر لآفاق العلاقات في مناحي الحياة المختلفة.
ولعل الإعلان الموقّع بِيَدَيْ قائديْ البلدين تحت اسم “نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة” يحمل بين طيّاته معاني الابتكار والتجدد والرسوخ؛ وهي صفات طالما لازمت العلاقات المغربية- الإماراتية منذ بدايتها مطلع سبعينيات القرن الماضي.
“قصر الوطن” الرئاسي بأبوظبي سيظل شاهداً مُخلِّداً لـمَراسم تبادل العديد من “مذكرات التفاهم” الموقَّعة بين المملكة المغربية والإمارات العربية المتحدة، التي جرت بحضور وفد رسمي رفيع المستوى رافق عاهل المملكة، بالإضافة إلى عدد من كبار الشخصيات الإماراتية، مطلع دجنبر 2023.
حصيلة الزيارة الملكية للإمارات تظل “غير مسبوقة” ليس فقط في تاريخ العلاقات بين البلدين الشقيقيْن، بل في تاريخ العلاقات الثنائية التي تربط المملكة المغربية بعدد من الدول العربية، سواء من حيث حجم التعاون الثنائي أو قيمة المشاريع وحجمها المالي وأثَرِهـا الاستثماري المحتمَل. تبعاً لذلك تم تبادل 12 مذكرة تفاهم بين البلدين، تهم إرساء شراكات الاستثمار والتعاون في مجموعة من القطاعات الحيوية، فيما يمس جلُّها مشاريع ضخمة مهيكِلة بالمغرب.
شراكات تمُسّ جميع المجالات
في التفاصيل، تهم مذكرات التفاهم الاثنتي عشرة الموقَّعة بين وزراء ومسؤولين مغاربة ونظرائهم الإماراتيين “إرساء شراكة استثمارية في مشاريع القطار فائق السرعة بالمملكة المغربية”، مع “إرساء شراكة استثمارية في قطاع الماء”، فضلا عن “شراكة إنمائية”.
الطاقة وتطوراتها حضرت من خلال مذكرة تفاهم بين شركة بترول أبوظبي الوطنية ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، كما تجسدت في “إرساء شراكة استثمارية في مشاريع تهم القطاع الطاقي”.
ومن المرتقب أن يطال التعاون والشراكة الاستثمارية قطاعات الفلاحة والصيد البحري، في وقت تستهدف الإمارات والمغرب “إرساء تعاون استثماري في قطاع المطارات”، دون أن تنسى مذكرة التفاهم الثامنة “إرساء تعاون استثماري في قطاع الموانئ”.
شراكات استثمارية من المرتقب أن ترى النور في ارتباط بتطوير مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا، الذي سيُشرع في أشغاله خلال عام 2024، مع “إرساء تعاون مشترك في قطاع الأسواق المالية وسوق الرساميل، وشراكة استثمارية في مجاليْ السياحة والعقار”، وكذا تفعيل “شراكة استثمارية في مشاريع مراكز البيانات”.
هي إذن دفعة قوية لعلاقات التعاون المغربية الإماراتية، تجسد عمق وجودة العلاقات الثنائية وإرادة قائدي البلدين الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتعزيز الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد التي تربط البلدين الشقيقين.
سياق مختلف بمنعطَف جديد
تعليقاً على مذكرات التفاهم الموقَّعة بين المغرب والإمارات، وجَدواها الاقتصادية على مستوى الاستثمارات، وضَع محمد آيت بوسلهام، رئيس منتدى الاستثمار المغربي- الخليجي، بداية، “الزيارة الملكية لأبوظبي في سياق مختلف لثلاثة أسباب، أبرزها تزامنُها مع احتفالات دولة الإمارات بالذكرى 52 للعيد الوطني، كما أنها في الوقت نفسه اليُوبيل الذهبي للعلاقات المغربية الإماراتية التي انطلقت منذ تأسيس دولة الإمارات في 2 دجنبر 1971. أما السياق الثاني فيكمن في حلول الزيارة مباشرة عقب الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء في 6 نونبر 2023، الذي تحدث فيه الملك عن رؤية جديدة لتطوير الوضع الاقتصادي في الأقاليم الجنوبية للمملكة وربطه بالمنظومة الأطلسية عبر الانفتاح على القارة الإفريقية من خلال إرساء شبكة بنية تحتية مترابِطة مع دول جنوب الصحراء (الطريق السيار، ميناء الداخلة الأطلسي ومطار الداخلة الجديد”، واصفاً هذه المشاريع بكونها “بوابة دخول رئيسية إلى إفريقيا Gateway to Africa”
وأشار آيت بوسلهام، في إفادات تحليلية خصّ بها جريدة النهار، إلى أن “هذه العناصر المكتمِلة ترتبط أساسا بالبنية التحتية”، مما يجعلها “ذات جدوى اقتصادية كبيرة بالنسبة لرؤية المغرب كـقُطب قاري رائد في القارة الإفريقية والفضاء الأطلسي”.
“المؤكد أن هذه الشراكة ليست مقدِّمة لبدء تدفق الاستثمارات الإماراتية نحو المغرب، بل هي منعطف في إطار الارتقاء بحجم ونوعية وقيمة الاستثمارات”، يقول رئيس منتدى الاستثمار المغربي الخليجي، راصداً “الانتقال من قطاعات تقليدية بصمت تاريخ العلاقات الاقتصادية أساساً بين المغرب والإمارات منذ 1982، تاريخ إنشاء أول شركة مختلطة بين البلدين- الشركة المغربية الإماراتية للتنمية (صوميد)- استجابة لرغبة البلدين في تطوير روابط التعاون الاقتصادي”، وذكّر بالأثر الطيّب الذي خلفته استثماراتها أساسا في قطاعات العقار والسياحة والصيد البحري وأيضا التصنيع.
كما عرَّج الخبير ذاته، في تصريحه، على “مرحلة التسعينيات التي تميزت باستثمارات على مستوى رجال أعمال خواص، أو عبر تمويلات هامة من “صندوق أبوظبي للتنمية” بلغت إلى غاية الآن 2,45 مليار دولار وشملت 82 مشروعا إنمائيا في ربوع المملكة”.
وأوضح أن “وجود الاستثمار الإماراتي بالمغرب من خلال الدعم المالي لتنمية مشاريع اقتصادية في المملكة ومواكبة إصلاحات كبرى في عهد الملك محمد السادس لم يكن مرتبطًا بسياق معين وليس الأول من نوعه، بل هو راسخ وتاريخي قِدَمَ ورسوخَ علاقاتِ البلدين”، لافتا إلى إسهام الصندوق في تمويل مشاريع كبرى بنيوية بالمغرب (أبرزها ميناء الجرف الأصفر ومركب ميناء طنجة المتوسط، إضافة إلى سدود وطرق سيارة ومطارات).
ولم يفت المسؤول ذاته أن يؤكد أن “الوضع يختلف اليوم” بالنظر إلى “اعتبار حاسم هو الالتزام الشخصي من قائدي البلدين بالتوقيع على إعلان الشراكة وتتبع تنفيذ مذكرات التفاهم الموقعة خلال الزيارة.
الرباط- أبوظبي.. “ابتكار وتجديد وترسيخ”
“مفهوم الشراكة المبتكِرة المتجددة الراسخة” أخضعه رئيس منتدى الاستثمار المغربي الخليجي لتفكيك دالّ، وقال: “هي مبتكرة لأنها تنتقل من المرحلة التقليدية إلى مرحلة الابتكار والتنوع المُواكب لتطورات العصر، مع الانفتاح على عوالم استثمارية جديدة تشمل مجالات لاقتصادات المستقبل، خاصة مراكز البيانات وأسواق المال والرساميل والطاقات المتجددة وتكنولوجيا الاتصالات”.
وتابع قائلا: “هو أيضا ابتكار الخبرات والكفاءات التي يزخر بها البلدان ومواكبة القطاعات الحديثة التي قطعت فيها دولة الإمارات أشواطاً كبيرة”، ضاربا المَثل بخبرات مجالات الطاقة والتنقيب عن مصادرها، وكذا باعتبار الإمارات دولة مُلهِمة مع التدبير الذكي والعبور السريع في الموانئ والمطارات..، وهو ما يشكل “قيمة مضافة نوعية للمغرب”، يضيف المتحدث.
وذكر أن نظرة فاحصة لنوعية مشاريع المذكرات المتوقعة تكفي لاستنتاج أن البلدين ذاهبان نحو اقتصاديات المستقبل المعتمدة على “الهيدروجين الأخضر والاقتصاد البحري والأمن الطاقي من خلال مشروع ربط إفريقيا بأوروبا بكهرباء مغربية نظيفة، وكذا أنبوب الغاز النيجيري المغربي المرتقب أن يزود أوروبا أيضا”.
كما ذكّر بأن “الإمارات تظل أول دولة مانحة ومستثمِرة بالمملكة المغربية على صعيد الدول العربية” بأكثر من 20 مليار دولار، مع حضور وازن لـ30 شركة حكومية وخاصة إماراتية في المغرب، مسجلا أنها “أول مستثمر أجنبي في بورصة الدار البيضاء”، ومشيرا إلى “طموحها للتوسع نحو مركزها المالي بشراكة مع مراكز مالية في دبي وأبوظبي”.
وعن الرسوخ في الشراكة الثنائية علّق آيت بوسلهام قائلا: “إنها تشكل شراكة مصيرية في الماضي والحاضر والمستقبل، وما شهدناه خلال زيارة الملك هو تحول استراتيجي نحو ترسيخ شراكة رابح- رابح التاريخية”، مذكرا بأن “أول زيارة لمؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد كانت في سابع أبريل 1971 قبل بضعة أشهر عن تأسيس الدولة، مما يعني السبق والأولوية للمغرب في الأجندة الإماراتية، اقتصاديا وسياسياً”.
المتحدث ذاته أضاف أن “الشيخ محمد بن زايد يشكل بتوقيعه للإعلان المشترك مع أخيه الملك محمد السادس امتدادًا لمسيرة الدعم والتعاون مع المغرب التي دشنها مؤسس الدولة مع الملك الراحل الحسن الثاني”.
أما مسألة التجديد التي تحمِلها الشراكة المغربية الإماراتية، فوصفها المتحدث لجريدة النهار بأنها “تحول نوعي ستجعل منه الشراكة منعطفا كبيرا”، معددا “تداعيات إيجابية لثمار مذكرات التفاهم إقليميا وقارياً وعلى الفضاء الأطلسي”.
وخلص إلى القول بأن “النظرة النمطية لدول الخليج تتغيّر تجاه المغرب لترتقي به إلى مرتبة شريك اقتصادي استراتيجي، خاصة أن الرباط انتهجت سياسة تنويع الشركاء الاقتصاديين منذ سنوات”.
وقرأ رئيس منتدى الاستثمار المغربي- الخليجي في ضخامة الاستثمارات الموقّعة “مؤشرا دالاً على الثقة الكاملة في حنكة وحكمة تدبير المغرب وقيادته من قبل الملك محمد السادس”، في ظل “البيئة الاستثمارية الآمنة ونسج شبكة قارية قوية، دون نسيان “الالتزام السياسي بدعم مغربية الصحراء والدفاع عنها، وتجسيد القول بالفعل من خلال تمويل ميناء الداخلة الأطلسي الضخم وجعل المغرب منصة انطلاق لجذب الاستثمارات الخاصة العالمية”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News