فيلم إفريقي يمزج الدم والسحر في نتفليكس

تُقدّم إفريقيا للمشاهدين بعين نسر تكشف لهم أرضا بكرا واعدة وغابات خضراء ممتدة، وليس صحراء لا نهائية. هذه سينوغرافيا غير مألوفة عن إفريقيا. نرى الإفريقي محاربا، وليس عبدا أو لاجئا. هكذا، يبني المخرجان سردية إفريقية مغايرة للكليشيه السائد. ( Jaun jagun le guerier 2023 إخراج Tope Adebayo Adebayo Tijani).

يحكي الفيلم النيجيري عن محارب إفريقي يعيد بناء سردية قارة حول نفسها. مر زمن العبودية، جاء زمن البطولة واسترجاع القوة. مر زمن العنف والإرغام، وجاء زمن الحب. تتوقع الأم أن تقبل ابنتها الجائعة عريسا لأنه يملك الطعام.

ترفض البنت وتعشق عريسا شجاعا له كرامة. ستكون أجمل عروس من نصيب الفارس المحارب، وليس من نصيب الشاب الغني المدلل المغرور. هذا تغيير في قواعد العلاقات الاجتماعية.

لا بؤس في الحكاية الجديدة.

إن نتفليكس وفية لخطها في التقاط اللحظة التاريخية وهي تعرض فيلما إفريقيا عن محارب يكلم شجر الغابة الاستوائية، يقاتل يموت ويعود إلى الحياة، ما زالت العجائب تقع في إفريقيا.

يجري صراع حول التاج بين محاربين وبطونهم خاوية. الجوع مصيبة إفريقية. يرحل البطل بحثا عن حل، فيجد جذر المشكل ويقضي عليه… الحاكم الفاسد هو سبب المصائب الذي يحتفظ بقوته بسياسة فرّق تسُد. قُتل الزعيم الأبدي الفاسد الظالم لتصعد قيادة شابة. ليس صدفة أن تشهد إفريقيا أكبر عدد من الانقلابات في القرن الحادي والعشرين.

تكمن أهمية الفيلم فيما يعارضه وينفيه: يقدم بطلا يواجه جنود الحاكم الطاغية.

سرديا، احترم سيناريو الفيلم خطاطة الحكاية، كما وضعها الروسي فلاديمير بروب. في الفيلم رحلة ذهاب وإياب. خرج البطل ليثبت أهليته. في النصف الثاني من الفيلم، فصَل المخرجُ بطليه عن الجموع لكي يواجها مصيرهما. توجد صلة سببية بين الوقائع. تعرض البطل لاختبار. حدد عدوه وقضى عليه وعاد بالجائزة.

مهما كان التصوير متسرعا، غير متقن، تعرف نتفليكس ما تقدمه. فيلم روائي عميق الجذور السردية، فيه مزيج من الدم والسحر؛ لكن منفذ سرعة. تنفيذ بدائي لمشاهد العنف… يقدم الممثلون طريقة صراخ خام لم يتِم الاشتغال عليها لتصْقل… تضِر سرعة التنفيذ بدقة التفاصيل الفنية وتتابعها. أن تبث نتفليكس فيلما بهذا السوء جزء من النظرة المركزية الغربية إلى إفريقيا.

لا تبلغ كلفة تصوير الفيلم حتى أجر مصممة ملابس في فيلم ( Black Panther Wakanda Forever) 2018 وهو فيلم أمريكي يمجد إفريقيا التي قضت فيها مصممة الملابس Ruth E. Carter وقتا طويلا بغرض ملاحظة قبائل إفريقية وتصميم ملابس متجذرة في إفريقيا لتكون ملابس الفيلم مصدر إلهام إفريقي للمتفرجين في كل دول العالم.

يغلب عالم السحر والعجائب في النصف الأول من الفيلم، ويغلب البعد التراجيدي الإفريقي على نصفه الثاني. على صعيد الجيوبوليتيك، يذكر الفيلم بممالك إفريقية قديمة، لم تكن هذه الأرض فوضى قبل وصول لصوص العبيد من أوروبا لتأسيس التجارة الثلاثية، أحد أضلاعها بشري.

تلائم حكاية الفيلم التمرد الإفريقي الصاعد في هذه المرحلة التاريخية؛ لكن التنفيذ الفني للفيلم فقير. هذا الفيلم كارثة فنية من وجهة نظر عشاق سينما المؤلف؛ لكن هؤلاء المسيّسين سيتحمسون لسردية تقاوم نظرة المركز إلى المحيط والهامش.

يعرض الفيلم فارسا شجاعا وقويا من مملكة كيوتو… هذه صورة جديدة لإفريقيا. يقصد المحارب مدرسة المحاربين الأفارقة ليصنع مجده مثل قادة الانقلابات المتخرجين من معاهد حربية.

حاليا، تحتل إفريقيا صدارة المشهد العالمي؛ لأن تضرر نفوذ فرنسا قد سلط الضوء على مناهضيها في قلب قارة تبني ما سماه إدوارد سعيد “إنتاج السكان الأصلانيين لسرديتهم الخاصة من منظورهم”؛ وهي سردية مضادة للسردية البرّانية التي يروّجها المستعمرون.

لقد روجت فرنسا للاستعمار كوعي سعيد ومُهمة نبيلة حضارية. وقد تطلب الأمر وقتا طويلا لتنكشف الحقيقة؛ لكن العيب ليس في فرنسا فقط. فحسب حكاية لافونتين، بحثت الضفادع المتنازعة عن ملك غريب قاس (نسر) يحكمها ويفترسها فندمت. والعبرة من هذه الحكاية هي أن الأفارقة لو عرفوا كيف يحكمون أنفسهم لما حكمهم الاستعمار الفرنسي لوقت طويل.

لذلك، يتعلم بطل الفيلم – كما قائدا الانقلاب في بوركينا فاسو والنيجر والغابون- أن يقاتل لكي لا يحتاج جنود فرنسا وعصابات فاغنر الروسية، لا يعقل استبدال مُحتل بمحتل.

يفتخر المحاربون الأفارقة في الفيلم بأنهم ليسوا هواة؛ لكن طريقة تنفيذ الفيلم تبرز أن مخرج الفيلم وفريقه هواة أو تنقصهم الموارد. قد تكون الصّور ضعيفة؛ لكن الحوارات ساخرة وعميقة. مثلا، تتجمع حاشية الزعيم الغنية حول وليمة دسمة متنوعة ويرتكب أحدهم خطيئة طرح سؤال:

ـ هل يمكن لشخص نزيه أن يصير غنيا؟

رد عليه أحدهم بشفافية فورا:

ـ لنكف عن إهانة أنفسنا.

الاعتراف سيد الأدلة.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى