البصمة الإيرانية بشمال إفريقيا .. دعم للإرهاب وزعزعة للاستقرار الإقليمي

في خضم التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط، برزت مؤشرات تكشف عن أبعاد جديدة في استراتيجية إيران التوسعية، تتجاوز جغرافيتها التقليدية في المنطقة، حيث أماطت تقارير حديثة اللثام عن تورط طهران، عبر ذراعها حزب الله، في تدريب وتسليح مقاتلين من جبهة البوليساريو؛ مما يربط بين النزاع حول الصحراء المغربية والتوترات الجيوسياسية.

وأعادت هذه المعطيات طرح أسئلة جوهرية حول الدور الإيراني في زعزعة الاستقرار الإقليمي، من مضيق جبل طارق إلى الساحل الإفريقي، وعلاقة ذلك بمخططات أوسع تتقاطع فيها حسابات أمنية وسياسية وإيديولوجية.

إعلان البصمة الإيرانية بشمال إفريقيا .. دعم للإرهاب وزعزعة للاستقرار الإقليمي

وفي هذا الصدد، قال أحمد شراوي ومريم هبة، محللا أبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) (مقره واشنطن)، إنه “في اﻷيام اﻷولى للحرب بين إسرائيل وحماس، أصدرت إيران تهديدا محيرا: إذا لم تتراجع إسرائيل في غزة، فستغلق طهران مضيق جبل طارق؛ ذلك الممر البحري الضيق الذي يفصل إفريقيا عن أوروبا ويربط البحر اﻷبيض المتوسط بالمحيط اﻷطلسي. في ذلك الوقت، بدا هذا التحذير أجوف، فلم يكن ﻹيران وﻻ ﻷي من وكلائها المعروفين وجود عسكري بالقرب من المضيق قادر على القيام بمثل هذا اﻷمر. واﻵن، بدأ المنطق الكامن وراء هذا التهديد يتضح”.

وأشار المحللان شراوي وهبة، ضمن مقال معنون بـ”بصمة إيران تمتد إلى شمال إفريقيا”، إلى تقرير جديد لصحيفة “واشنطن بوست” عن حزب ﷲ عن تفصيل بالغ اﻷهمية مفاده أن إيران “دربت مقاتلين من جبهة البوليساريو المتمركزة في الجزائر، وهي جماعة مسلحة تقاتل من أجل استقلال الصحراء عن المغرب، مع احتجاز المئات منهم اﻵن من قبل القوات السورية الجديدة”.

وشددا على أن إيران تعتمد بشكل متكرر على حزب ﷲ لتدريب قواتها الوكيلة اﻷخرى؛ وهو ما يشير إليه وجود البوليساريو في سوريا، التي تقاتل نيابة عن نظام بشار اﻷسد المنهار والمدعوم من طهران، ويؤكد مدى عملها كوكيل ﻹيران. كما استحضرا اعتراف الوﻻيات المتحدة سنة 2023 بالصحراء كأرض مغربية، رافضة مساعي البوليساريو للانفصال.

إيران مرتبطة بالإرهاب عبر حزب ﷲ

وسجل شراوي وهبة أن هذه الصلة مثيرة للقلق، إﻻ أنها ليست جديدة. ففي عام 2018، اتهم المغرب طهران بتقديم دعم مالي ولوجستي للجماعة من خلال حزب ﷲ، وكيل إيران اللبناني. وصرح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قائلا: “أرسل حزب ﷲ هذا الشهر صواريخ أرض- جو من طراز سام 9 وسام 11 وستريلا إلى البوليساريو بتواطؤ من سفارة إيران في الجزائر”، وقطعت الرباط العلاقات الدبلوماسية مع طهران بسبب هذه الحادثة.

وأبرزا أن ممثل جبهة البوليساريو زعم، في عام 2022، أن إيران ستزود الجماعة بطائرات مسيّرة انتحارية. وبعد بضعة أسابيع، عرض مندوب المغرب لدى اﻷمم المتحدة صورًا تؤكد أن إيران وحزب ﷲ زودا البوليساريو بأسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مسيّرة إيرانية”. وفي يناير، انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل اﻻجتماعي تُحاكي هجومًا للبوليساريو على المغرب باستخدام طائرات مسيّرة.

الجزائر، الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو

توقف الباحثان عند تمويل وتسليح الجزائر جبهة البوليساريو، وكذا إصدار جوازات سفر ﻷعضائها، واستضافة قيادتها في مخيمات تندوف للاجئين قرب حدودها مع المغرب، حيث تحظى البوليساريو بدعم كبير من النظام الجزائري، الذي يستخدمها للضغط على المغرب.

كما أشار المحللان المذكوران إلى إطلاق البوليساريو صواريخ على مهرجان ﻹحياء ذكرى “المسيرة الخضراء” المغربية عام 1975، والتي شهدت دخول 350 ألف مغربي إلى المنطقة لطرد القوات اﻹسبانية التي استعمرتها منذ 1847، حيث سقطت القذائف بالقرب من الحدود الجزائرية. وذكرت وسائل إعلام مغربية أن “هجوم البوليساريو انطلق من داخل اﻷراضي الجزائرية”.

وذكر المصدر ذاته أن علاقات الجماعة تمتد بالجماعات المتطرفة إلى عمق التاريخ، وأكدا أن عدنان أبو الوليد الصحراوي – وهو جهادي معروف وأمير سابق لتنظيم الدولة اﻹسلامية في منطقة الساحل – كان يشغل منصبًا رفيعًا في البوليساريو، قبل أن يقتل على أيدي القوات الفرنسية في مالي عام 2021، وتكشف قصته كيف أصبحت تندوف مرتعًا للمنظمات المسلحة المتطرفة ومركزًا لتجنيد الجهاديين عبر الحدود لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم الدولة الإسلامية.

كما تمتد التكلفة، تبعا للمصدر عينه، إلى اﻷطفال حيث أبلغت منظمة غير حكومية مقرها جنيف مجلس حقوق اﻹنسان التابع للأمم المتحدة بأنه “منذ إنشاء المخيمات، منع قادة البوليساريو مجموعات من اﻷطفال من إكمال تعليمهم، وأجبروهم بدﻻً من ذلك على التدريب العسكري والعمل المسلح”.

ويتهم التقرير الجماعة باستغلال آﻻف القاصرين بشكل منهجي ﻷغراض سياسية وعسكرية.

قنصلية أمريكية بالداخلة

دعا المحللان شراوي وهبة إدارة ترامب إلى التحرك بسرعة لفتح القنصلية أمريكية الموعودة في الداخلة، لتعزيز التزام أمريكا بالسيادة المغربية على صحرائه، وطالبا الوﻻيات المتحدة بالنظر في تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية.

واختتم المحللان مقالهما بالتأكيد على أن جبهة البوليساريو تستهدف المدنيين وقوات اﻷمن المغربية، بدعم من التمويل والتدريب اﻹيراني؛ وهي أفعال موجهة ضد حليف رئيسي للوﻻيات المتحدة. كما تحافظ على علاقات وثيقة مع شبكات جهادية في جميع أنحاء إفريقيا تهدد المصالح اﻷمريكية واﻻستقرار اﻹقليمي.

زر الذهاب إلى الأعلى