أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن إطلاق مبادرة أمنية بحرية متعدد الجنسيات تحمل اسم “حارس الازدهار”. تضم هذه المبادرة، بالإضافة إلى واشنطن، تسع عواصم عالمية؛ من ضمنها عاصمة عربية واحدة وهي المنامة، بهدف “التصدي بشكل مشترك للتحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وضمان حرية الملاحة لجميع الدول وتعزيز الأمن والرخاء الإقليميين”، حسب ما أفاد به بلاغ للوزارة الأمريكية.
ويأتي إطلاق هذه المبادرة كرد أمريكي على استهداف جماعة الحوثي للسفن المملوكة أو المشغلة من طرف شركات إسرائيلية والتي تمر عبر مضيق باب المندب؛ فيما انتقد الحوثيون المدعومون من إيران على لسان الناطق الرسمي باسمهم، محمد عبد السلام، هذه المبادرة، مشيرا إلى أن “الجماعة لن توقف عملياتها العسكرية في البحر الأحمر”، معتبرا في الوقت ذاته أن “هذا التحالف الأمريكي يهدف إلى مساندة إسرائيل وعسكرة البحر”، على حد قوله.
ويطرح غياب مجموعة من الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن، على رأسهم المملكة المغربية ودول خليجية أخرى، عن هذا التحالف الذي يضم كل من بريطانيا كندا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسيشل إضافة إلى مملكة البحرين، تساؤلات عديدة حول الأسباب المفسرة لهذا الغياب بالرغم من تقاطع أجندة هذه الدول مع الأجندة الأمريكية في محاربة إيران وأذرعها في المنطقة وضمان الأمن البحري في المضايق والممرات البحرية الاستراتيجية في العالم.
من جهتهم، يرى متتبعون أن غياب الرباط، إضافة إلى كل من أبوظبي والرياض، عن هذه المبادرة الأمريكية راجع بالأساس إلى سياسة إدارة بايدن في منطقة الشرق الأوسط والتي باتت تميل إلى التأييد المطلق لإسرائيل؛ وهو ما يتقاطع مع رهانات هذه الدول العربية التي لا تنظر بعين الرضا إلى تعاطي واشنطن مع الأحداث الأخيرة في المنطقة.. وبالتالي، فهي تحاول النأي بنفسها عن أية مبادرات لا تتوافق مع سياساتها؛ فيما تبقى مشاركة الرباط في هذا التحالف خيارا “غير استراتيجيا”، على الرغم من انخراط هذه الأخيرة في الجهود الدولية لتأمين الممرات البحرية ووعي أمريكا بطبيعة النوايا المغربية الصادقة في هذا الصدد.
دول معنية غائبة وخيار غير استراتيجي
في تفسيره لأسباب غياب المغرب عن هذا التحالف، قال محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، إنه “قبل الحديث عن المغرب لا بد من الحديث عن بعض الدول التي كان من المفروض أن تكون إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الحلف والمعنية أساسا بأهدافه، على غرار السعودية المطلة على البحر الأمر وكذلك الإمارات ودول الخليج الأخرى ومصر والأردن”.
وأضاف العروسي، في حديث له مع جريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “غياب هذه الدول عن الحلف، الذي يضم واشنطن وتسع دول أخرى، يعد بمثابة رفض منطقي لهذا الحلف وللسياسية الأمريكية في الشرق الأوسط؛ بالرغم مما يبدو على أنه تكتل بحري يحاول حماية التجارة العالمية بتأمين حركة الملاحة في الممرات والمضايق البحرية الاستراتيجية”، مشيرا إلى “وجود مبادرات سابقة من هذا النوع؛ غير أنها أجهضت كلها”.
وأشار مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية إلى أن “هذه المبادرة الأمريكية ولدت ميتة؛ ذلك أنها ضمت دولا أوروبية غير مطلة على البحر الأحمر، وهو ما يفسر فشل واشنطن في استقطاب مجموعة من الدول المعنية لحماية أمن الممرات البحرية، على الرغم من وجود قناعات لدى هذه الدول بضرورة محاربة إيران وجماعة الحوثيين من خلال تعزيز وجودها في أي تحالفات من هذا النوع، غير أن ما تغير اليوم هو السياسة الأمريكية المجانبة للصواب والتي تقف إلى جانب إسرائيل”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “الأحداث في الشرق الأوسط كشفت في الحقيقية عن تغير الموقف العربي بالكامل حيال واشنطن وتوجس دول المنطقة من كل المبادرات والنوايا الأمريكية”، مسجلا أن “تحفظ الدول العربية على المشاركة في هذا الحلف ينم بدوره عن تغيير في السياسية العربية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، إذ باتت هذه الدول تفهم جيدا طبيعة السلوك الأمريكي المنحاز لإسرائيل”، معتبرا أن “المغرب غير معني كثيرا بحماية الممرات البحرية في هذه المنطقة بالذات ولا توجد أساطيل بحرية مغربية تمر من هذه الممرات.. وبالتالي، فالوجود المغربي في هذا التحالف ليس له أي معنى من الناحية الاستراتيجية والجيو-سياسية والعسكرية، خاصة في ظل وجود إجماع عربي على عدم المشاركة”.
انخراط عالمي وقرار سيادي
من جهته، أوضح البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أنه “يجب التذكير أولا بمواقف المغرب، سواء في الأمم المتحدة أو الجامعة العربية الثابتة والرافضة للتهديدات والمخاطر التي تهدد الأمن البحري العالمي وبشكل خاص أمن المضايق والممرات البحرية لما لها من تداعيات اقتصادية وسياسية كبرى تهدد السلم العالمي، خاصة أن المملكة تشارك في تأمين مضيق جبل طارق أحد أهم شرايين الملاحة الدولية والإقليمية”.
وأضاف البراق أن “المغرب في إطار استراتيجيته الدبلوماسية متعددة الأطراف ظل دائما وسيظل يشارك في تأمين السلام العالمي من خلال مشاركته الواسعة في عمليات السلام تحت غطاء الأمم المتحدة أو في مناورات عسكرية بحرية تستهدف بالأساس الحفاظ على الأمن الإقليمي والعالمي، ومواجهة ارتدادات انتشار الجماعات والميليشيات المطلة على هذه الممرات الاستراتيجية والتي تعتمد في تحركاتها على قوى إقليمية تدعمها لخدمة سياساتها وأهدافها في توسيع نطاق نفوذها وضمان مصالحها”.
وأوضح المتحدث لجريدة النهار أن “عدم مشاركة المغرب في عملية “حارس الازدهار” في البحر الأحمر لا تعني قبوله أو موافقته على عمليات استهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب”، لافتا إلى أن “القرارات السيادية للمغرب في مجال التعاون العسكري تخضع لمعايير وشروط تتعلق بمواقفه المسؤولة والواضحة من السلام العالمي والأمن الإقليمي؛ بما في ذلك التهديدات التي تستهدف المضايق والممرات البحرية، والتصدي بكل الوسائل الممكنة لنفوذ القوى الإقليمية وأطماعها للسيطرة عليها، مع التأكيد على احترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة”.
وتفاعلا مع سؤال لهسريس حول ما إن كانت واشنطن ستضغط على حلفاؤها من ضمنهم المغرب للمشاركة في هذا التحالف، شدد الخبير عينه على أن “المستوى الاستراتيجي للشراكة المغربية الأمريكية يجعل من الصعب على أي طرف فرض أجنداته الخاصة على الآخر؛ فالطرف الأمريكي متأكد من صدق نوايا المغرب في الانخراط في الجهود الدولية للحفاظ على السلام العالمي و تمسكه باستقلالية قراره الوطني والسيادي في ظل ارتفاع حدة التقاطب الدولي في الآونة الأخيرة.. وبالتالي، لا مجال للتحدث على ضغوط أمريكية على المغرب للمشاركة في هذه العملية”.