انهيار أركان منظومة الردع الإيرانية يضع “نظام الملالي” في مفترق الطرق

خلال العام الماضي، تآكلت قدرة إيران على ردع إسرائيل، التي أطلقت العنان لقدراتها العسكرية والاستخباراتية ضد طهران، مما وضع “نظام الملالي” أمام خيارين لا ثالث لهما: إما المخاطرة بكل شيء للحصول على السلاح النووي، أو الرضوخ لتل أبيب وواشنطن، وفقًا للمحلل السياسي الأمريكي جون ألين جاي، المدير التنفيذي لجمعية جون كوينسي آدمز لدارسي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة.

وفي تحليل نشرته مجلة “ناشيونال إنتريست” الأمريكية، أوضح جاي أن إيران كانت حتى أبريل 2023 تمتلك منظومة ردع رباعية الأضلاع، بدت كافية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية، غير أن فعاليتها سرعان ما تراجعت خلال عام 2024.

إعلان انهيار أركان منظومة الردع الإيرانية يضع "نظام الملالي" في مفترق الطرق

أركان الردع الإيراني الأربعة

يتكون الضلع الأول من الترسانة العسكرية للحرس الثوري، التي تشمل الصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، والطائرات المسيّرة، وهي قدرات استخدمت سابقًا للرد على اغتيال قاسم سليماني عام 2020، واستهدفت تنظيم “داعش” في سوريا، وشنّت هجمات ضد انفصاليين أكراد ومواقع استخباراتية إسرائيلية مزعومة في إقليم كردستان العراق.

أما الضلع الثاني، فهو شبكة الجماعات المسلحة الموالية لطهران، والتي تشمل الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، ومجموعات شيعية في العراق وسوريا، فضلاً عن “لواء فاطميون” و”زينبيون” من أفغانستان وباكستان.

ويتمثل الضلع الثالث في العمليات السرية والإرهابية التي تنفذها إيران مباشرة أو عبر وكلائها، مثل اغتيال الشخصيات أو تفجير السفارات، كما حدث في تفجير سفارة إسرائيل في بوينس آيرس عام 1992، انتقامًا لاغتيال زعيم حزب الله عباس الموسوي.

أما الضلع الرابع، فهو القدرة على تعطيل إمدادات النفط والغاز من الخليج العربي عبر مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 20% من النفط العالمي، و5% من الغاز الطبيعي المسال. وتواصل إيران التلويح بإغلاق المضيق في حال تعرضها لهجوم مباشر.

انهيار منظومة الردع

رغم هذه الأركان، يوضح جاي أن منظومة الردع الإيرانية بدأت تتفكك في عام 2024. فقد صعّدت إسرائيل بشكل غير مسبوق من عملياتها العسكرية والاستخباراتية ضد طهران، وشنّت هجمات استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، واغتالت قيادات بارزة من حزب الله، من بينهم حسن نصر الله وخليفته المحتمل، إلى جانب ثلاثة جنرالات من الحرس الثوري الإيراني. كما تم اغتيال إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، في العاصمة الإيرانية طهران، ما اعتُبر رسالة إسرائيلية بأن أي مكان لم يعد آمنًا.

وبحسب التحليل، فإن عملية “الوعد الحق” في أبريل 2024، التي شملت إطلاق صواريخ باليستية ومسيّرات نحو إسرائيل، لم تسفر عن نتائج تُذكر، حيث تمكنت الدفاعات الإسرائيلية وحلفاؤها من اعتراض الغالبية العظمى منها. ولم تختلف نتائج “الوعد الحق 2″، التي لم تسفر سوى عن مقتل فلسطيني في الضفة الغربية بالخطأ، دون أن تردع إسرائيل عن استهداف حزب الله أو الأهداف الإيرانية في سوريا.

في الوقت ذاته، تراجعت فعالية وكلاء إيران. فبالرغم من أن الحوثيين صمدوا أمام القوات الأمريكية لبعض الوقت، فإن تأثيرهم على الحرب ضد إسرائيل ظل محدودًا. أما حزب الله، فقد خسر الكثير من هيبته وقدراته في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، حيث تؤكد تل أبيب أنها دمرت 30% من ترسانته الصاروخية، وأن نصر الله قُتل بقصف استهدف مقره في بيروت.

وزاد من تعقيد المشهد انهيار نظام بشار الأسد، ما جعل إمدادات السلاح إلى حزب الله أكثر صعوبة، في ظل فقدان طهران لشبكة الدعم اللوجستي في سوريا.

ويرى جاي أن أدوات إيران القديمة لم تعد فعّالة في كبح تل أبيب أو واشنطن، بل أصبحت الدولة الإيرانية مكشوفة عسكريًا واستراتيجيًا. وهنا، تبدو أمام خيارين لا ثالث لهما:

المخاطرة بمواصلة تطوير برنامجها النووي، على أمل إنتاج قنبلة نووية قبل أن تُباد بنيتها التحتية، أو القبول بتسوية دبلوماسية مؤقتة، تُنهي البرنامج النووي أو تجمّده، مقابل حماية النظام ووقف الهجمات.

زر الذهاب إلى الأعلى