المغرب يترقب التراجع في أسعار المحروقات مع انخفاض أسعار النفط عالميا

في خضم التقلبات المستمرة التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية، سجلت أسعار النفط تراجعا حادا هو الأول من نوعه منذ أبريل 2021، لتُثير مجددا تساؤلات حول مدى انعكاس هذا الانخفاض على الاقتصاد المغربي، وخاصة على أسعار المحروقات محليا. وبينما استبشر المستهلك المغربي بهذا التراجع، ظل الواقع في محطات الوقود بعيدا عن هذه التوقعات، مع استمرار الأسعار في مستويات مرتفعة تُثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود.

وتفتح هذه التطورات الباب أمام نقاش أوسع حول فعالية السياسات التسعيرية، ومدى شفافية منظومة توزيع المحروقات في المغرب، خاصة في ظل الانتقادات الموجهة لتحرير السوق وهيمنة عدد محدود من الفاعلين. وبينما يرى البعض في انخفاض الأسعار العالمية فرصة للتنفس الاقتصادي وخفض كلفة العيش، يحذر آخرون من أن استمرار الوضع الحالي قد يهدد التوازن الاجتماعي ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

إعلان المغرب يترقب التراجع في أسعار المحروقات مع انخفاض أسعار النفط عالميا

تأثير محلي محدود

الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية لصناعات البترول والغاز، قال إن التراجع الحاد في أسعار النفط على المستوى الدولي قد تكون له انعكاسات مباشرة على السوق المغربية.

وأبرز اليماني، ضمن تصريح لجريدة النهار، إلى أن هذا الانخفاض، رغم كونه مؤقتا في نظره، نتيجة التوترات المرتبطة بالحرب الاقتصادية والحواجز الجمركية بين القوى الكبرى، فإنه ينبغي أن يُستثمر لصالح المستهلك المغربي، وخاصة ذوي الدخل المحدود.

وأوضح المتحدث ذاته أن أسعار المحروقات في السوق الوطنية لا تعكس التراجع المسجل في السوق الدولية، لافتا إلى أن أسعار البنزين والغازوال لا تزال تفوق المستويات اللازمة في حال ما تم اعتماد منظومة احتساب الأسعار المتعارف عليه.

وأشار الكاتب العام للنقابة الوطنية لصناعات البترول والغاز إلى أن السعر الحالي للبنزين يقارب 13 درهما للتر؛ في حين أن السعر العادل حسب تركيبة الأسعار السابقة يجب ألا يتجاوز 11 درهما. أما الغازوال فكان ينبغي أن يباع بأقل من 9.13 درهما، بينما يُباع فعليا بأزيد من 11 درهما.

ودعا اليماني إلى ضرورة إعادة النظر في آليات تسعير المحروقات، والحد من هيمنة بعض الفاعلين الكبار في السوق الذين يفرضون منطقهم السعري دون منافسة حقيقية.

كما انتقد سياسة تحرير أسعار المحروقات التي اعتبرها “خطأ غير محسوب”، واقترح ثلاثة مداخل لمعالجة الوضع: أول المداخيل التي ذكرها اليماني تفعيل مقتضيات المادتين 2 و4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، بما يخول لرئيس الحكومة سحب المحروقات من لائحة المواد المحررة، وإعادة إدخالها في نظام تقنين الأسعار مع الحفاظ على هامش ربح معقول للفاعلين لضمان استمرارية التزود.

المدخل الثاني، حسب المتحدث، يكمن في مراجعة النظام الضريبي المعتمد على المحروقات، حيث أشار إلى أن الضرائب المفروضة حاليا مرتفعة جدا، إذ تصل إلى نحو 3.5 إلى 4 دراهم للتر من الغازوال، وتناهز 6 دراهم بالنسبة للبنزين. واعتبر أن هذا التفاوت بين الضريبتين لم يعد منطقيا، خاصة أن البنزين لم يعد حكرا على الفئات الميسورة؛ بل يُستعمل أيضا من لدن أصحاب الدراجات ثلاثية العجلات والمهن المرتبطة بالأسواق والبيع بالتقسيط.

وبخصوص المدخل الثالث، شدد الفاعل المهني سالف الذكر على أهمية إعادة تشغيل مصفاة التكرير المغربية أو إحداث منظومة جديدة لتكرير البترول، باعتبارها مرجعا وطنيا يمكن من خلاله تحديد السعر الحقيقي وفق المعطيات الداخلية، بدل الاعتماد فقط على بورصة روتردام، في وقت تغرق فيه الأسواق العالمية بالنفط الروسي منخفض الثمن.

وختم المتحدث تصريحه بالتأكيد على أن استمرار ارتفاع أسعار المحروقات يُساهم في رفع كلفة المعيشة بشكل عام، وينعكس على أسعار مختلف المواد والخدمات؛ ما أدى إلى توترات اجتماعية واحتجاجات متفرقة قد تُهدد السلم الاجتماعي إذا لم يتم التدخل العاجل لتصحيح الوضع.

تفاؤل نسبي قادم

من جانبه، قال أمين بنونة، باحث في الشأن الطاقي: “نحن نسير حاليا في مسار قد يقود إلى انخفاض سعر الغازوال في غضون شهرين إلى أقل من 10 دراهم، وربما يعود إلى المستويات التي كانت سائدة قبل عام 2021، أي ما قبل جائحة كوفيد”.

وأوضح بنونة، ضمن تصريح لجريدة النهار، أن تأثير أسعار النفط يتجلى بوضوح على مستوى الميزان التجاري المغربي، مشيرا إلى أن وزنها أثقل على الصادرات مقارنة بالمستورَدات.

وأبرز الباحث في الشأن الطاقي: “لقد جرّبنا سابقا ما يعنيه سعر 80 دولارا، وهو بطبيعة الحال أفضل من 100 دولار؛ لكنه يظل غير مناسب”.

وأضاف المتحدث عينه أن المرحلة المقبلة قد تعيد الاقتصاد العالمي إلى وضع شبيه بما كان عليه قبل جائحة كوفيد-19، لافتا إلى أن عودة الأسعار إلى مستويات تقارب 50 دولارا للبرميل قد تمنح الاقتصاد المغربي متنفسا حقيقيا.

وقال بنونة إن الركود المحتمل في الاقتصاد العالمي، رغم تأثيره السلبي، قد لا يُترجم بالضرورة إلى ركود مماثل في صادرات المغرب؛ لكنه أشار إلى أن مستوى التراجع في الصادرات المغربية لن يكون بنفس حدة انخفاض الأسعار.

وأردف: “في فترة سابقة، بلغت الفاتورة الطاقية للمغرب حوالي 53 في المائة من إجمالي تكاليف الطاقة. نحن نستورد الحديد والبلاستيك ومكونات تصنيع السيارات من مختلف أنحاء العالم، والمحروقات تمتص جزءا كبيرا من عائدات الصادرات؛ بما فيها الفوسفاط والخضر”.

وأفاد الخبير بأن هذا الانعكاس على الصادرات مرتبط أيضا بانخفاض أسعار المحروقات؛ مما له تأثير مباشر على الاقتصاد المغربي ككل، موضحا أن المستهلك المغربي لا يشعر فعليا بهذا الانخفاض.

وتابع موضحا: “عندما نتحدث عن تأثير أسعار المحروقات، فإننا لا نقصد الاقتصاد الداخلي فقط، بل الاقتصاد المغربي بأكمله. البعض يتحدث عن الركود العالمي، لكنني لا أراه أولوية. أنا أعيش في هذا البلد، ومثلما كان ترامب يقول ‘أمريكا أولا’، فأنا أقول: المغرب أولا”.

وأضاف موجها انتقادا إلى السياسات الأمريكية: “إذا كانت الدول الكبرى تفكر فقط في مصالحها، فلماذا لا نفكر نحن أيضا في مصالحنا؟”، مشيرا إلى أن “النفط الأمريكي يحتوي على نسبة كبيرة من النفط الصخري، الذي يُستخرج من الصخور بتكاليف عالية. وإذا ما تراجعت أسعار النفط عالميا، فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من الاستمرار في تصديره؛ نظرا لارتفاع كلفة استخراجه مقارنة بالنفط التقليدي”.

زر الذهاب إلى الأعلى