اقتصاديون: الإصلاحات المغربية تنال ثقة الاستثمارات الأجنبية المباشرة

تحسن ملحوظ لدينامية الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب خلال الشهرين الأوليْن من السنة الجارية، بتدفق صافٍ بلغ 6,12 مليارات درهم، أي زائد 40,6 في المائة مقارنة بالسنة الفارطة، وهو ما ثمّنه محللون اقتصاديون، اعتبروا أنه “ثمرةُ مسار إصلاحات مؤسساتية ومالية”.

وأوضحت أحدث أرقام مكتب الصرف، في نشرته الأخيرة حول مؤشرات المبادلات الخارجية حتى متم شهر فبراير الماضي، أن هذه النتيجة هي ثمرة تنامي إيرادات هذه الاستثمارات بنسبة 27,9 في المائة إلى 8,96 مليار درهم، فيما تطورت نفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بـ7,1 في المائة إلى 2,83 مليار درهم.

في المقابل، سجلت البيانات الرسمية، التي طالعتها جريدة النهار، تراجُع “صافي تدفق” الاستثمارات المغربية المباشرة بالخارج، بمقدار 108 ملايين درهم ليصل إلى ناقص 120 مليون درهم، مقابل ناقص 12 مليون درهم متم فبراير 2024. وقد نتجت عن تراجع طال الإيرادات (تفويتات هذه الاستثمارات) كما النفقات، مسجلة نسبة 2,6 في المائة إلى 3,01 مليارات درهم، وانخفاضا بـ 6,2 في المائة إلى 2,89 مليار درهم.

ظروف مثلى

قال الخبير الاقتصادي إدريس العيساوي إن “من الضروري التأكيد على كون الاقتصاد المغربي استطاع أن يُهيّئ الظروف المثلى لجلب حجم مُميز من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بما يتماشى مع الوتيرة، التي تتلاءم بدورها مع الحركية الراهنة، التي دشنها المغرب في العديد من المجالات الاستثمارية”.

مستدلا بتدفق صاف في ارتفاع مستمر في الأشهر والفصول الأخيرة بصمت عليه الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أبرز العيساوي، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن ذلك “في حد ذاته مؤشر مهم، خاصة أن إيرادات ونفقات هذه الاستثمارات سجلت زيادات بنسب عالية حتى متم فبراير المنصرم”.

هذا التطور “يحيلنا على مسألة الاهتمام بواقع وأحوال الاستثمارات المغربية المباشرة بالخارج، التي تراجعت بمقدار 108 ملايين درهم لتصل إلى ناقص 120 مليون درهم، مقابل ناقص 12 مليون درهم قبل عام”، يقول الخبير الاقتصادي ذاته.

وخلص إلى أن “الاستثمارات بالمغرب تواصل حركية مستمرة قادرة على جعل الاقتصاد المغربي يتحرك حسب دينامية قوية تمليها المشاريع الكبرى التي يشهدها اقتصاد المملكة”.

آفاق واعدة

يرى عبد الرزاق الهيري، أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة فاس، أن “ارتفاع الاستثمارات الخارجية بالمغرب مرتبط على الأقل بعاملين اثنين: العامل الأول هو تحسن الجاذبية الاقتصادية للمغرب، كنتيجة للإصلاحات التي عرفها مناخ الأعمال والإصلاحات المؤسساتية التي أطلقها المغرب منذ عدة سنوات”.

وعدّد الهيري، في تصريح لجريدة النهار، أبرز تلك الإصلاحات التي بدأت تؤتي أكلها في الميثاق الجديد للاستثمار، الذي له دور كبير في تحسين قطاع الاستثمارات، مع إصلاحات في المجال الجبائي والقطاع المالي عن طريق إطلاق سوق العقود الآجلة في السوق المالي المغربي.

أما العامل الثاني، يتابع الأكاديمي ذاته، فتجسده “الآفاق المستقبلية الواعدة للاقتصاد الوطني، خصوصا أن المغرب يعمل حالياً على تأهيل بنيته التحتية لاستضافة التظاهرات الرياضية الكبرى، مما يجذب مزيدا من المستثمرين ويفتح شهيّتهم”، فضلا عن “تطور الموانئ المغربية، مثل ميناء الناظور وميناء الداخلة الأطلسي، الذي سيعزز الوزن الاقتصادي العالمي ووجهة المغرب”.

عوامل وتوصيات

بشأن انخفاض الاستثمارات المغربية بالخارج، أوضح الهيري أن ذلك “يعود إلى تأجيل العمليات الاستثمارية، وعدم استقرار الظرفية الاقتصادية في بعض الدول”، مضيفاً عاملا ثالثاً يتصل بكون “بعض الشركات المغربية تواجه صعوبة في الانخراط في سلاسل الإنتاج الجهوية والعالمية”.

“لا يمكن الحُكم على توجهات الاستثمارات إلا بعد مرور عدة أشهر”، يؤكد مدير مختبر التحليلات والتوقعات الاقتصادية بجامعة فاس، لافتا إلى أن “المغرب بحاجة لمواصلة الإصلاحات المؤسساتية في المجالات المتأخرة مثل إصلاح الإدارة وتسريع الانتقال الرقمي لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتوطينها بشكل موطد”.

وختم بتوصيات مفادها أن “تشجيع الشركات المغربية على الاستثمار في الخارج يتطلب تحسين تدبيرها وكفاءتها للتأقلم مع الأسواق الاستثمارية العالمية، مع تنويع مجالات استثمارها”.

كما يتطلب ذلك “الحاجة إلى دعم استثمارات المقاولات المغربية بالخارج عن طريق استكشاف مجالات استثمارية جديدة”، و”تحديد البلدان التي يمكن الاستثمار فيها كمحور مهم في استراتيجية دعمها بالأساس عبر تأهيل المجال التدبيري للمقاولات المغربية”.

وشدد المتحدث ذاته على محورية “الدبلوماسية الاقتصادية عبر سفارات المملكة في دول العالم، التي تلعب دورًا كبيرًا في دعم الاستثمارات الخارجية”، داعياً إلى توجيه المقاولات نحو “القطاعات الواعدة ذات الريادة المغربية في عدد من الأنشطة الاقتصادية مثل البناء والصناعات الغذائية والنسيج والألبسة، فضلا عن صناعة السيارات والصناعات الميكانيكية التي تُعد من القطاعات القوية للاستثمار المغربي”.

Exit mobile version