مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية الحالية، يثار تساؤل جوهري حول مدى إمكانية تحقيق الهدف الذي جاء في البرنامج الحكومي، والمتمثل في توفير مليون منصب شغل. فمع ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية وتسجيل عجز واضح في مناصب الشغل، أصبح هذا الطموح موضع شك كبير.
وأكد وزراء في الحكومة، ومن بينهم نزار بركة وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال المشارك في التحالف الحكومي، أن تحقيق هذا الهدف أصبح أمرا بعيد المنال في ظل الظروف الراهنة. وفي تصريحات حديثة، أشار بركة إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة وسنوات الجفاف المتتالية حرمت على الحكومة خلق فرص شغل جديدة.
وحسب حصيلة نصف الولاية الحكومية، فإن حكومة عزيز أخنوش أحدثت 300 ألف منصب شغل مستأجر ما بين سنتي 2021 و2022، و586 ألف منصب سنة 2023.
من جانبها، أفادت المندوبية السامية للتخطيط بأن الاقتصاد الوطني أحدث، خلال السنتين المنصرمتين، 82 ألف منصب شغل، نتيجة إحداث 162 ألف منصب شغل بالوسط الحضري وفقدان 80 ألف منصب بالوسط القروي، بعد فقدان 157 ألف منصب سنة من قبل. وفي الفترة نفسها (أي ما بين سنتي 2023 و2024)، ارتفع عدد العاطلين بـ58 ألف شخص، منتقلا من مليون و580 ألف عاطل إلى مليون و638 ألف عاطل؛ وهو ما يعادل ارتفاعا قدره 4 في المائة.
وفي هذا الإطار، قال يوسف كراوي الفيلالي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إن “هدف توفير مليون منصب شغل، الذي كانت الحكومة قد وضعته في بداية ولايتها، أصبح اليوم مستحيلا تحقيقه، إذ إننا نسجل حاليا عجزا يبلغ مئة ألف منصب”.
وأوضح كراوي الفيلالي، ضمن تصريح لجريدة النهار، أنه “عند مقارنة عدد الوظائف التي تم استحداثها بعدد الوظائف المفقودة نجد أن الحصيلة سلبية بمقدار مائة ألف منصب خلال هذه الولاية الحكومية”.
وتابع الخبير الاقتصادي: “لم يتبق سوى قرابة سنة واحدة على الانتخابات التشريعية، مما يجعل من المستحيل بلوغ هدف توفير مليون منصب شغل. وحتى مع الدينامية الحالية، بما في ذلك خفض نسبة الفائدة القاعدية بمقدار 25 نقطة والتساقطات المطرية التي شهدناها خلال هذا الربيع، فإن ذلك لن يسمح لنا بتجاوز 200 ألف منصب شغل صافٍ كأقصى تقدير؛ وذلك في حال استمرت الدينامية الاقتصادية بوتيرة قوية حتى نهاية العام”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “تحقيق هدف المليون منصب شغل أصبح مستحيلا في الوقت الراهن. ومع ذلك، بالنظر إلى التحديات التي نواجهها، فإن تقليص العجز الحالي والخروج بحصيلة إيجابية تتراوح بين 100 ألف و200 ألف منصب شغل إضافي خلال هذه السنة سيكون إنجازا كبيرا في نهاية هذه الولاية الحكومية”.
من جانبه، قال محمد جدري، الخبير الاقتصادي: “كما يعلم الجميع، فإن معدلات البطالة في الاقتصاد الوطني اليوم قد وصلت إلى مستويات قياسية، حيث تجاوزت نسبة 13 في المائة. وبالتالي، فإن تحقيق هدف توفير مليون وظيفة أصبح صعب المنال، خصوصا في ظل الظروف الحالية التي تتسم بالجفاف وضعف أداء المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا”.
وأكد جدري، ضمن تصريح لجريدة النهار، أن البلاد “بحاجة إلى معالجة عدد من الإشكاليات إذا كنا نرغب في خلق فرص عمل خلال السنوات المقبلة”.
وتابع الخبير الاقتصادي موضحا: “من بين هذه الإشكاليات مشكلة المياه التي باتت تشغل بال جميع الفاعلين السياسيين والحكوميين في هذه الفترة. لهذا السبب، يجب أن نمضي قدما في تنفيذ المخطط الاستراتيجي الخاص بالمياه الصالحة للشرب والري، والذي من المقرر أن ينتهي في عام 2027”.
وأردف المتحدث عينه: “المسألة الثانية التي يجب علينا معالجتها هي مشكلة الطاقة، إذ لا يمكننا البقاء تحت رحمة ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط عالميا. لذلك، من الضروري أن ننظر إلى حلول طاقة مستدامة وبديلة”.
وتحدث جدري أيضا عن “ضرورة تشجيع المقاولات الصغيرة جدا من خلال تسهيل ولوجها إلى الطلبيات العمومية وتمكينها من التمويلات البنكية، بالإضافة إلى تقديم الدعم والمرافقة اللازمة لتمكينها من النمو وتحقيق الاستقرار. كما يجب تحسين مناخ الأعمال بشكل عام”.
ونبه الخبير الاقتصادي إلى ضرورة “إصلاح مدونة الشغل، وأنظمة التقاعد، ومعالجة المنظومات الريعية. هذه كلها مسائل يجب أن نعمل على تحقيقها في المستقبل”.
وأبرز جدري: “اليوم لدينا خارطة طريق للتشغيل تهدف إلى تقليص نسبة البطالة من 13 في المائة إلى 9 في المائة بحلول عام 2030؛ ولكن لتحقيق هذا الهدف بشكل واقعي وعملي، يجب أن يكون هناك إصلاح عميق في الاقتصاد الوطني يشمل جميع العوامل التي تطرقنا إليها سابقا”.