في حدود عدم إمكانية التكهن الكامل بما يمكن أن تؤول إليه الصراعات بين القوى الكبرى، والفرملة التي تفرضها عليها كون امتلاكها جميعا لأسلحة الدمار الشامل، ولأن استعمال هذه الأسلحة لن يجعل أي من هذه القوى في مأمن من العودة بها قرونا إلى الوراء، وبما أن العقل والعقلانية من أعمدة أساليب التدبير والتقرير ووضع الاستراتيجيات وحل النزاعات وفقا لبراغماتية واضحة، هدفها الحفاظ على الوجود السليم للاستمتاع بالهيمنة والتقدم، ندخل غمار هذا الاحتمال الذي يبدو حقيقة مستبعدا، على الرغم من ظهور إرهاصات تسمح برسم سيناريو تحالف ممكن.
تحالف غير مسبوق
إذا تحالفت الولايات المتحدة وروسيا والصين، فإن العالم سيشهد تغييرًا جذريًا في توازن القوى الدولية. تمتلك هذه القوى الثلاث ما يقلق من كان بالأمس في قلب الهيمنة فصنع حداثة ورخاء على حساب الآخرين من دول أفريقيا واسيا وأمريكا الجنوبية واقصد في هذا السياق دول الغرب عموما. تغير الوضع اليوم، وذلك منطق التاريخ، الذي يجعل أقوى الجيوش وأكبر الاقتصادات وأقوى تأثير سياسي وتكنولوجي غير مسبوق، بين يدي القوى الثلاث الكبرى في ذاتها ودون تكتلات وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا.
لن يؤثر هذا التحالف الثلاثي فقط على استراتيجيات الديناميكيات السياسية والتجارية والمالية والثقافية والعسكرية، بل سيمتد إلى مجالات أكثر حساسية، تشكل اليرموك يسمى بالقوى الناعمة ومنها مثلا السيطرة على المعلومات، وعلى الصناعات التكنولوجية، وعلى الهيمنة الثقافية عبر وسائط متعددة على رأسها السينما والتلفزيون، بالإضافة إلى التأثير المتزايد في قطاع ألعاب الفيديو والرياضات الجماهيرية، التي أصبحت أدوات أساسية للثروة والقوة والتحكم في الجماهير وتوجيهها ناهيك عن التحكم في طاقتها السلبية وطرق تصريفها، وتوجيه غير مباشر للرأي العام المؤثر فيها، وهو ما يؤكده خبير العلاقات الدولية جوزيف ناي، خبير بقوله: “أصبحت القوة الناعمة (soft power) بنفس أهمية القوة الصلبة (hard power) في الجيوبوليتيك الحديثة(Nye, 2004) “. يمكن لهذا التحالف الثلاثي أن يعيد تعريف قواعد اللعبة على المستوى العالمي، بل وإعادة صياغة خريطة العالم، والمناطق الأغنى ثروات والأوسع أسواقاً والاستراتيجية أكثر بالنسبة لسلاسل الامداد، بشكل جديد وملائم لمصالحها ولمصلحة من هم في مسار هذه المصالح كحلفاء، لن يكونوا بالضرورة من الحلفاء التقليديين.
ما الموقع الممكن لأفريقيا وللملكة المغربية بالتحديد من تحالف غير مسبوق كهذا؟
1- تأثيرات التحالف الثلاثي الممكن على إفريقيا والعالم العربي والمملكة المغربية أ – التأثيرات الاقتصادية والسياسية
في حالة تحالف الولايات المتحدة والصين وروسيا، ستكون إفريقيا والعالم العربي، بما في ذلك المملكة المغربية، في موقف حساس. إفريقيا، التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الصينية عبر مبادرة الحزام والطريق، “Belt and Road Initiative”، قد تجد نفسها تحت ضغط متزايد لتبني سياسات تخدم مصالح هذه القوى الثلاث، وإذا نظرنا إلى غنى الأغلبية الساحقة لدول إفريقيا من حيث الموارد الطبيعية والبشرية، مقابل ضعف بنيات أمنها واستقرارها وتحديثها وديموقراطيتها واقتصادها، وهي بنيات غير متطورة بالقدر الذي يجعل لها أوراقا قوية وفعالة للتفاوض حول مصيرها ومستقبلها، فلن يكون لأغلب دولها اختيار غير التبعية بشكل آخر للأقوى، عدا تكاثفها ببراغماتية وعقلانية وذكاء، وهو ما يحتاج وقتا وتنسيقا ومفاوضات وتنازلات في ما بينها لا يمكن إدراكه إلا بعمل سياسي ودبلوماسي طويل النفس لعقود وبالتدريج.
أما بالنسبة للمملكة المغربية، التي تتمتع بعلاقات قوية مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبعلاقات متوازنة وواقعية مع روسيا، والتي هي اليوم على طريق بناء كيانها بثقة كقوة متكاملة الأبعاد، قوة إقليمية ذات شرعية ومشروعية دولية معترف وبحكمة قيادتها، وباستقرارها القوي والتزامها بالقانون الدولي وبالتضامن والسلم العالميين، والتي بنت لنفسها نسقا من التحديث والتصنيع والدمقرطة، حكيمٌ وملائم وملتزم بالقيم الإنسانية وباحترام سيادة ووحدة الدول، فقد تواجه هي كذلك تحديات بالتأكيد في الحفاظ على توازنها المتعدد الأبعاد، لكن حظوظها في البقاء بمنأى عن سلبيات هذا التحالف قوية وممكنة بالنظر لامكانياتها الاستراتيجية والجيوسياسية المتعددة.
ليس الوضع مماثلا لما هو عليه بالنسبة للمملكة المغربية في ما يخص الدول العربية الأخرى باستثناء دول الخليج وكبرياتها خاصة. نقصد هنا الدول العربية التي تعتمد في الحفاظ على توازناتها على المساعدات الخارجية والأمريكية منها خاصة، وعلى الاستثمارات الصينية، فقد تجد هذه الدول نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم تحالفاتها من أجل الحفاظ على حد أدنى من الاستقلالية والكرامة والاستقرار، وخاصة تلك الدول التي تعرف تفككا في استقرارها واختراقا لأراضيها وانهيارا لاقتصادها وتطاحنا لنخبها السياسية والعسكرية. ففي ظل تمزق العالم العربي وتعثر تكتلاته الممكنة التي تعد ذرعا له، سيصعب على أغلب دوله حماية نفسها من تمزقات تنذر بما هو أخطر إذا لم تستيقظ نخبها وتجمع شملها السياسي على رؤية واقعية وخطط سياسية ديموقراطية شرعية ومشروعة.
ب – التأثيرات الثقافية والإعلامية
ستكون، في ظل سيناريو هذا التحالف غير المسبوق، السيطرة على آليات الإعلام وعلى أدوات الصناعات الثقافية والفنية منصة رئيسية لممارسة هيمنة هذا التحالف الثلاثي. وقد تواجه في هذا السياق الدول الإفريقية والعربية، بما في ذلك المملكة المغربية، ضغوطًا لتوجيه محتواها الإعلامي والثقافي ليتوافق مع رؤية هذه القوى الثلاث. على سبيل المثال، يمكن أن تتعرض القنوات التلفزيونية والسينما المحلية لتأثيرات من هوليوود والسينما الصينية والدعاية الروسية، مما قد يغير من الهوية الثقافية لهذه الدول. لعل هذه الضغوط موجودة اليوم ولها تأثيراتها، ولعل هناك من سيقول بأن سياسات المملكة اليوم مثلا في تطوير السينما والتلفزيون والألعاب الإلكترونية قد تحمي من غزو إعلامي وثقافي قايم في المستقبل، لمن نظرة بسيطة إلى افتقار العمل في هذه الميادين في المملكة المغربية بالرغم مما تم تحقيقه، كما في بقية الدول العربية يفتقر بشكل واضح لاتباع استراتيجيات قوية، تزاوج الشكل والمضمون، الاستثمار في البنيات التحتية والتكنولوجية، وفي صناعة مضامين عميقة الارتباط بالقيم الوطنية والجذور الأنثروبولوجية، بذكاء يعي بعمق الانتقال من اللغة المنطوقة إلى الصورة، ومن الكلمة المسموعة إلى الرموز ولغة الجسد، ومن مخاطبة الوعي إلى التعامل مع اللاوعي.
لن يكون الرهان على التخطيط السطحي لاستيراد التكنولوجيات أو فتح الباب لجلب العملة الصعبة من تصوير الكبار بأراضي العرب مجديا، فالعملة الصعبة لن تبني وعيا ولا جماليات خصوصية ولا وعيا عميقا واستراتيجيا، بل ستعمق صناعات الآخر في أرضنا، كأن تسحق ثقافات عولمة ثقافاتنا المحلية التي تعاني أصلا من الهشاشة والهجانة سينما كانت أو تلفزة أو ألعاب إلكترونية على جنينيتها.
2 – تأثيرات على الأمم المتحدة والنظام الدولي أ- إعادة تشكيل مجلس الأمن
تحالف الولايات المتحدة وروسيا والصين سيؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر تنسيقًا بين هذه القوى، مما يقلل من تأثير دول أخرى مثل الاتحاد الأوروبي. قد يؤدي هذا التطور إلى إعادة هيكلة دور الأمم المتحدة وهو أمر مطروح على كل حال منذ عقود، مما قد يضعف من قدرة الدول الإفريقية والعربية على التأثير في القرارات الدولية.
يمكن القول بأن حالة المملكة المغربية في هذا السياق قد تكون متميزة بالنظر إلى علاقاتها الدولية المتميزة والمستقرة والمقبولة. سيحتاج تحالف كهذا للقيام بتغييرات في المؤسسات الدولية استجابة لمطلب عالمي. من هذه التغييرات إعادة تشكيل مجلس الأمن بتوسيع عدد اضاءه وهو ما قد يقود المغرب لعضوية تمثيلية إفريقيا إلى جانب دولة أخرى. فالمملكة المغربية التي تسعى دائمًا إلى لعب دور أكبر في المحافل الدولية، لن تجد معرضة من الكبار للانضمام إلى مجلس الأمن وذلك لما تحظى به كما أوضحنا سابقا من شرعية ومشروعية تزكيها كدولة فاعلة في السلم العالمي والتضامن والدبلوماسية الهادئة ومحاربة الجريمة والإرهاب وحماية الاستقرار.
دول عربية وإفريقية عديدة ستجد نفسها في موقف صعب وأقل تأثيرًا وإن كانت لها مؤهلات استراتيجية متعددة لنها لا تلاقي قبولا من القوى العظمى بالنظر لضعف تجربة وحنكة وحكمة نخبها الحاكمة.
ب- تغيير التوازنات الجيوسياسية
قلنا أعلاه إن مخرج الكثير من الدول الأقل تقدما عبر العالم، ومنها دول إفريقية وعربية وآسيوية وأمريكية، قد تضطر، في ظل تحالف ثلاثي كهذا، إلى تشكيل تحالفات إقليمية لمواجهة الهيمنة الثلاثية التي ستكون مستعصية على اللحاق والاختراق والانخراط. وعلى سبيل المثال، ستظهر ضرورة ضاغطة على الدول العربية لإعادة النظر جذريا في مؤسسات التنسيق بينها مثل الجامعة العربية وهياكلها التقليدية، إذا أرادت تعزيزا فعالا واستراتيجيا ومنتجا، للتعاون الإقليمي الذي قد يحميها من قرون تهميش وتبعية مرة أخرى. الشيء نفسه، بالنسبة للدول الإفريقية التي سيكون عليها السعي بشكل حثيث وذكي وعملي وعقلاني، لتعزيز الاتحاد الإفريقي، بعيدا عن الأساليب التي ترضخ لإعاقات أنظمة حساباتها غير مفيدة للقارة وغير ذات مردودية استرتيجية على مستقبلها الجماعي.
3- الهيمنة على التكنولوجيا الحديثة كأقوى سلاح في الحاضر والمستقبل أ- الذكاء الاصطناعي والسيطرة على البيانات
ستكون، بل وهي من الآن، السيطرة على التكنولوجيات الحديثة والدقيقة أحد أهم مجالات الصراع العالمي على الهيمنة. في هذا السياق قد تواجه الدول الإفريقية والعربية، بما في ذلك المملكة المغربية، تحديات في الحفاظ على إيقاع بناء اكتفائها الوظيفي وسيادتها الرقمية.
يمكن، على سبيل المثال، أن تصبح البنية التحتية للاتصالات في هذه الدول تحت سيطرة الشركات التكنولوجية العملاقة، التابعة لهذه القوى الثلاث، وهو ما سيحد من قدرتها على التحكم في بياناتها وحمايتها وصيانتها وتنميتها، وبالتالي توظيفها، وفقا للقانون في الاستراتيجيات التنموية والتحديثية والتنظيمية للبلاد.
لا مجال في هذا السياق للحديث عن المقصورات التي يعانيها المغرب الرقمي وتطور الإنترنت فذلك ما سنعود إليه في مقال منفصل.
ب- الصناعة الإلكترونية والاتصالات
بعد آخر من أبعاد قوة ضاربة للتحالف الثلاثي الممكن هو السيطرة على البنية التحتية للاتصالات، مثل شبكات “5G. ” يمكن لهذه السيطرة أن تزيد من هيمنة الكبار الثلاثة على العالم، كما يمكنها تعميق تبعية واعتماد الدول الإفريقية والعربية على هذه القوى.
أما بالنسبة المملكة المغربية، التي تسعى إلى تطوير قطاعها التكنولوجي، فقد تواجه تحديات في الحفاظ على استقلاليتها التكنولوجية النسبية لحد الآن، وهو ما سيكون على أقوى شركة بالمملكة وهي “اتصالات المغرب”، خاصة وقد تم تغيير رأسها، أن تقوي أكثر أنظمة تدبيرها ووضع استراتيجيتها في توسيع وتحديث شبكاتها، على أسس أكثر قدرة على تمثل الاستراتيجيات الوطنية التنموية، لبناء قوة إقليمية تضمن الاستمرارية وخدمة الوطن والمواطن، بذكاء وبأبعادٍ تجمع التسويقي بالقانوني والاستراتيجي بالقيمي والجمالي ثقافيا واجتماعيا.
4- السيطرة على المعلومات.. السينما والتلفزيون كأدوات هيمنة أ- هوليوود القوية والسينما الصينية الحديثة والجمالية الروسية الأصيلة
رددنا سابقا مرات ومرات أن السينما والتلفزيون أدوات رئيسية لممارسة الهيمنة الثقافية والصناعة الثروة والسيطرة والتوجيه والتعبئة. شواهد تاريخيّة من تاريخ السينما وحاضرها، ومن أدوار التلفزيون اليوم وأمس في الصراعات الدولية وفي العلاقات الشاملة تبرهن على ذلك. أما بالنسبة للدول الإفريقية والعربية فمثل الأمس واليوم، ستواجه ضغوط الثقافات العالمية المهيمنة، حيث تتعرض القنوات التلفزيونية والسينما المحلية لضغوط هيمنة هوليوود القوية والسينما الصينية الحديثة والجماليات الروسية الأصيلة، على غرار ما تتعرض له اليوم من سينما وتلفزيونات الغرب وروسيا والشرق الأوسط، في غياب تحديث قوي واستراتيجي هيكلي شكلا ومضمونا وفي كل الأبعاد، لقطاع الصناعات الإعلامية والثقافية والفنية بالعالم العربي وإفريقيا. وعلى الرغم مما يبدو تطورا محمودا بالمملكة المغربية لهذه القطاعات، فإن محدودية وعدم الاكتمال الهيكلي لهذه الإصلاحات، والتردد في تصويرها جذريا والإصرار على تركها تحت الوصاية الإدارية، يحد كثيرا من فعالية النظرة المحدودة لهذا القطاع الاستراتيجي في صناعة قوة الدول وأدوات سيطرتها.
يمكن القول دون تردد بأن التلفزة من أدوات السيطرة على المنصات الإعلامية الكبرى يتفوق التحالف الثلاثي في هذا المضمار إذ يمتلك على سبيل مثال لا الحصر طبعا قنوات قوية مثل ” ABC – -FOX- CNN وRT” … بكل قنواتها وديناميكيتها المذهلة و”CGTN” بفعاليات الهادئة. يمكن لقوة هيمنة تلفزيونية كهذه وكما هي عليه اليوم عمليا، أن تجعل الدول الإفريقية والعربية أكثر عرضة لتأثير إعلامي قائم فعلا منذ عقود.
في هذا السياق نرى أن المملكة المغربية، التي تسعى إلى تعزيز إعلامها المستقل، تواجه بالفعل تحديات في الحفاظ على حرية إعلامية هشة إذا اعتبرنا امكانات الثلاثة الكبار ناهيك عن أوروبا والشرق الأوسط القوي إعلاميا منذ بداية الألفية، حيث يبدو أن النخب المغربية وشباب الألفية الثالثة والمثقفون ينتظرون بصبر انطلاق تحديث جذري كما قلنا سابقا، شكلا ومضمونا لرافعات تحديث وبناء استراتيجي ظلت مؤجلة لعقود.
5 -ألعاب الفيديو والرياضات الجماهيرية.. أدوات جديدة للقوة أ – ألعاب الفيديو.. من الترفيه إلى التوجيه الثقافي
وصلنا هنا إلى الحديث عنما يبدو مسالما ومجرد تسلية وهو ألعاب الفيديو. ستكون هذه الألعاب بل هي بالفعل أداة رئيسية للتأثير الثقافي على المستوى العالمي إذ لا تنفصل عن التكنولوجيات الحديثة وكبريات الشركات العالمية المسيطرة على صناعة الحكي والصورة والحركة بمضامين معولمة تبرر الهيمنة وتاريخها، وترسخ تقسيم أدوار الإنتاج العالمي والقيم المرتبطة به، وادوار الشر والخير والذكاء وصناعة السلم والإرهاب والعنف والمسؤولين عن ذلك لونا وجنسا وعقيدة.. إلخ…
هنا أيضا تجد الدول الإفريقية والعربية نفسها في مواجهة ضرورة صناعة محتوى مختلف شكلا ومضمونا أيضا، لألعاب فيديو تتوافق مع رؤية بلدانها دون اصطدام مع صناعات هذه القوى الثلاث. تهيمن الألعاب التي تروج لأجندات سياسية معينة اليوم على عالمنا، وهي أكثر انتشارًا عالميا، وتأثيراتها حسب الخبراء تسند ما يقوم به الإعلام الغربي خدمة لهيمنته بتكريس وجهات نظره للتاريخ وللحاضر وللاتكافؤ العالمي، منذ بنائه لتفوقه في القرن التاسع عشر، ولن يتغير الأمر مع التحالف الثلاثي بل سيتقوى ويتعدل بما يفيد أكثر دول التحالف الثلاثي من غيرها.
ب. كرة القدم والرياضات الجماهيرية.. أدوات القوة الناعمة
إن السيطرة على الرياضات الجماهيرية مثل كرة القدم يعتبر امتلاكا لأدوات تحكم في ديناميكية جماهير شابة عريضة. فصناعة الرياضات الجماهيرية مدرة للملايين، ومقوية للحمة المواطنة والانتماء، لكنها مصدر قلق أمني وعنف، وذلك ثمن صناعة أيديولوجية وسياسية مفيدة ومرافقة لدبلوماسية وتنمية مستدامة وقوية.
تطرح في هذا السياق مدى قوة التحالف الثلاثي النسبية في هذا الفضاء الاستراتيجي، لكن صناعة الفرجة يمكن التحايل عليها بضغط ماهو اقتصادي وتكنولوجي وعسكري ومالي عالمي لتطويعها، عبر مؤسسات تسييرها وتدبيرها قاريا وعالميا، ولعل دروس سياسات “الفيفا” والأطر القارية المنضوية عمليا تحت نظامها، وما عرفته منذ رئاسة البرازيلي هافيلانج حتى اليوم، لدرسٌ في تبعية هذه البنيات للعامل السياسي قاريا وعالميا.
ستكون الدول الإفريقية والعربية أكثر عرضة للتأثير الثقافي في هذا السياق الرياضي. أما المملكة المغربية، التي تتمتع بشعبية كبيرة في كرة القدم العالمية وخاصة بعد كأس العالم الأخيرة المنظمة بقطر، فقد تواجه تحديات في الحفاظ على تألقها الكروي، كما سيكون عليها النهوض بتغييرات جذرية في الرياضات الأخرى، ومنها خاصة الرياضات الجماعية وتلك التي تنبني على التربية منذ الصغر عبر الأسرة والرياضات المدرسية والجامعية المعطوبة بالمملكة، والواقعة تحت إدارة ادارية تقليدية كالفنون والثقافة، وهو ما لم يعد ملائما اليوم في مملكة الحداثة والطموح الاستراتيجي.
خاتمة سريعة:
على الرغم من قوة هذا التحالف الثلاثي غير المسبوق الذي تخيلناه، إلا أن التوترات الداخلية بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وبينها وبين روسيا من جهة ثانية، رغم ما يبدو في الأفق من عودة للتفاهم والتنسيق الاستراتيجي بينهما وإيقاف لأسباب الصراع، بدءا بالحرب في أوكرانيا، قد تهدد استقرار هذا التحالف وتطورة وقوته ودوامه.
يمكن للدول الإفريقية والعربية الاستفادة من هذه التوترات لتعزيز موقفها التفاوضي بذكاء ينبغي العثور عليه وتشغيله. فهل نحن أمام عصر جديد من الهيمنة؟
من الأكيد أن تحالف الولايات المتحدة والصين وروسيا إذا حدث، سيعيد تشكيل النظام العالمي، مع تحول القوة نحو مجالات استراتيجية مثل التكنولوجيا واقتصاد الطاقة صناعات الذكاء الاصطناعي والتنظيم المهيمن والمحكم لطرق التجارة العالمية وسلاسل التوريد وصناعة الأمن ومحاربة الإرهاب، في المرتبة الأخيرة والمكملة ستكون هنالك السينما والتلفزيون وألعاب الفيديو والرياضات الشعبية الجماهيرية. ومع ذلك، فإن هذا التحول قد يزيد من التوترات مع دول أخرى تسعى إلى إعادة التوازن. كما قال هنري كيسنجر بأن التاريخ يعلمنا أنه لا توجد حلول نهائية، بل فقط إدارة مستمرة للازمات وللتوازنات. يوضح ما سبق أن تعقيد العلاقات الدولية يتغير في بنياته الأساسية في عالم متغير بتسارع غير مسبوق.
ننتهي من مقالنا هذا بالسؤال المفتوح التالي:
هل يمكن لتحالف غير مسبوق مثل هذا أن يحدث في الواقع، أم أنه مجرد سيناريو سينمائي خيالي؟
وحده المستقبل كفيل بتوضيح طبيعة هذا الافتراض الذي نتمسك بأن له إرهاصات.