حزب تونسي ينادي بإحياء الحوار المتوسطي وسط استمرار التوتر المغاربي

في خضم التحديات المتشابكة التي تواجه حوض البحر الأبيض المتوسط، دعا حزب الجمهورية الثالثة التونسي، في بيان له، إلى إعادة إحياء حوار “5+5″، الذي يضم الدول المغاربية إلى جانب فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ومالطا والبرتغال، مبرزا أن “هذه الآلية توفر منصة حيوية لمعالجة تحدياتنا المشتركة من خلال حوار سياسي منسق، والتزام دبلوماسي، ومقاربات تقنية في مجالات الأمن، والمالية، والتنمية، والاقتصاد، والتجارة، بما يحترم سيادة كل دولة، مع الاستفادة من قوتنا الجماعية لتعزيز السلام والاستقرار في منطقتنا”.

وأكد الحزب التونسي ذاته أن التعاون في هذا الإطار يمكن من “تطوير حلول عملية لإدارة الهجرة وإنشاء أطر اقتصادية ومالية واستثمارية وتنموية وتجارية متكاملة تُحفّز النمو في منطقتنا وتخلق فرص عمل على ضفتي المتوسط، إضافة إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية من خلال حوار سياسي رسمي يمتد إلى المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والمنظمات المهنية”.

وأضاف أن “التعاون الوثيق يمكن من تعزيز التكامل المالي بين الدول المتوسطية، مع تقوية قدراتها الجماعية في مكافحة الجرائم المالية، وغسيل الأموال، والتدفقات المالية غير المشروعة، التي تقوض اقتصاداتها وتموّل الأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة”، مشيرا إلى أن “الإحياء العاجل لهذه المنصة في المستقبل القريب سيسمح لدولنا بإنشاء آليات تشاور أكثر انتظامًا، ومجموعات عمل متخصصة، وهياكل داعمة لضمان استمرارية جهودنا الجماعية”.

ويُعد منتدى الحوار المتوسطي “5+5” إحدى آليات التعاون الإقليمي بين دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط، إذ يهدف إلى تعزيز الحوار والتواصل بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل الأمن، والهجرة، والجريمة الدولية. ومع ذلك يرى بعض المهتمين أن التوتر الذي يشوب العلاقات بين الدول المغاربية يحول دون تحقيق هذا الحوار لأهدافه الاستراتيجية.

وفي هذا الإطار، قال أحمد أونيس، وزير الخارجية التونسي الأسبق، في تصريح لجريدة النهار، إن “تعزيز التعاون والحوار بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط بات ضرورة استراتيجية لتعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة”.

وأضاف أونيس أن “التغيرات الجيوسياسية الكبرى التي تشهدها هذه المنطقة، إلى جانب التحديات الاقتصادية والأمنية، تفرض على الدول المطلة على هذا الحوض أن ترتقي بعملها المشترك من أجل تعزيز الأمن الجماعي وتحقيق النمو الاقتصادي”، مبرزًا أن “المسارات التكتلية والتعاونية بين الدول لم تعد ترفًا أو خيارًا، بل أضحت خيارًا استراتيجيًا ستجني كل الدول ثماره على المديين المتوسط والبعيد”.

وأشار إلى أن “توتر العلاقات بين الدول المغاربية، خاصة بين المغرب والجزائر، يعيق الارتقاء بالحوار المتوسطي مع الدول الأوروبية، رغم أن هذه البلدان تربطها وحدة الجغرافيا والمصير”.

وأكد أن “استمرار هذا التوتر ليس في مصلحة أحد”، مشيرًا إلى أن “الجزائر، التي تتوسط المغرب الكبير، تعيش حالة من التوتر مع أغلب جيرانها، كما أطلقت مبادرة مغاربية ثلاثية بدون المغرب وموريتانيا، مما أثار الكثير من الجدل. غير أن ما أؤكده هنا هو أن إعادة بناء الاتحاد المغاربي هو الأهم حاليًا، فبقدر ما نتأخر في ذلك، بقدر ما نقضي على مصيرنا المشترك ومصالحنا العليا”.

من جهته، أوضح محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، أن “تعزيز الحوار المتوسطي في إطار منتدى “5+5″ هو المسار الاستراتيجي الحالي لمواجهة مجموعة من التحديات المطروحة اليوم على الساحة المتوسطية، سواء ذات الطابع الاقتصادي والتجاري أو حتى الأمني والسياسي”.

وتابع قائلا: “الفضاء المتوسطي يواجه اليوم عددًا من الملفات الساخنة مثل ملف الهجرة غير النظامية، وتأمين الحدود، ومكافحة الجريمة العابرة للحدود، والتغير المناخي، وغيرها، مما يجعل هذا المنتدى إطارًا مؤسسيًا ومنصة لصياغة استراتيجيات وسياسات مشتركة في شكل تعاوني لمعالجة هذه الملفات”.

وأبرز المتحدث لجريدة النهار أن “تعزيز التعاون بين الدول المغاربية والدول الأوروبية في إطار هذا المنتدى سيساهم في إيجاد أطر وآليات مشتركة لتقوية الحوار السياسي بين الدول الأعضاء، سواء في شكل ثنائي أو متعدد الأطراف، كما سيساهم في تعزيز الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين في هذه الدول، وبالتالي تعزيز الاستثمارات الأوروبية في دول المغرب الكبير”.

وخلص إلى أن “تحقيق هذه الأهداف يبقى رهينًا بمدى قدرة صناع القرار في الدول المغاربية، خاصة الجزائر، التي تعمل على تأجيج الانقسام المغاربي من خلال تصريحات ومبادرات مشبوهة، على تغليب المصالح المشتركة على الحسابات السياسية الضيقة، التي تشتت الجهود التعاونية في عالم جديد بات يؤمن بمنطق الشراكات والتعاون لتحقيق الأهداف المشتركة”.

Exit mobile version