لم تكُن تصريحات ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية والمستدامة، التي شكّكت في “مصداقية الاكتشافات الغازيّة” أمرا مقبولا لدى إدارة الشركة البريطانية المنقّبة عن الغاز في تندرارة، التي أوضح مصدر مسؤول من داخل أجهزتها لجريدة النهار أنها “تحترم الشراكة القائمة بين القطاع الخاص والعام، وهو ما على المسؤولين في القطاع العام بالمغرب احترامه من أجل إنجاح هذا المشروع والتعاون فيه لتعجيل استغلال الاحتياطات المكتشفة”.
ورغم كون الوزيرة ذاتها قالت، خلال انعقاد أشغال لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس المستشارين في نونبر الماضي، إنه في دجنبر الجاري “سيتم التوافق مع الشركاء المعنيين حول تشغيل مشروع تندرارة للغاز الطبيعي، للتمكن من الحفر وإنجاز ‘أنبوب 120 كلم’ لإيصال الغاز إلى الأنبوب المغاربي الأوروبي”، فإن هذا لم يمنع بنعلي من التصريح (الثلاثاء) بأن “هذه الشركات تكون مدرجة في البورصات الدولية، ولذلك تعطي بعض الإشارات من أجل الرفع من قيمة أسهمها”.
وأضافت الوزيرة في اليوم ذاته خلال اجتماع مع لجنة مراقبة الماليّة العامة بمجلس النواب: “الشركة التي ينبغي أن تشرع في استغلال حقل ‘تندرارة’، ونحاول أن نساعد المكتب كشريك لها، مدرجة في بورصة لندن، وقد هوت قيمة أسهمها من 60 جنيها إسترلينيا إلى 0.2″؛ وهو ما علّق عليه مصدر جريدة النهار من الشركة البريطانية بالقول إن “هذا السّقوط في البورصة صحيح، وهو تحصيل حاصل للتّعقيدات البيروقراطية التي قابلت بها الحكومة المغربية الشركة منذ 2016 كأول شركة تأتي للمغرب للتنقيب عن الغاز”.
وأوضح المتحدث عينه أن “الشّركات الأخرى التي جاءت للمغرب لاحقا للتنقيب عن الغاز وجدت أرضية سابقة، وبالتالي لم تعرف التّسويف الذي عرفته الشركة المنقّبة بحقل تندرارة”، مردفا بأن “الشركة تتمتع بعقد منح امتياز استغلال الغاز الطبيعي بهذا الحقل لمدة 25 سنة، تم التوقيع عليه في غشت 2018 مع رئيس الحكومة، وتم نشره بالجريدة الرسمية رغم أن ذلك تم بعد مماطلة الجهات الرسمية في تقديم عقد الامتياز هذا لمدة سنتين، نظرا لكون الاكتشافات كانت عمليا سنة 2016”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن “الدّولة المغربيّة إذا كانت مازالت تشكّ في الاكتشافات فمن حقها التخلي عن هذه الصفقات”، مبرزا أن “عمليات التنقيب تقوم بها شركات خاصة برؤوس أموال خاصة، والدولة تمنح فقط التراخيص ولا تستثمر ماليا في هذا الموضوع”، وزاد: “نحن نشتغل لكي نستطيع استغلال هذا الغاز قريبا، لأن العديد من المستثمرين صاروا يفضّلون التريث قبل ضخ الأموال في أنشطة الشركة، لكونهم ينتظرون بداية استغلال الغاز”.
وفي كل هذا “الجدال” المتعلق بالغاز تبدو أمينة بنخضرا أكثر إمساكا بناصية الموضوع، بوصفها مديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، إذ قالت في الاجتماع ذاته الذي حضرته الوزيرة بنعلي إن “هناك سوء فهم للمعطيات”، موضحة أنه “عندما تتحدث هذه الشركات عن احتمال أو مؤهلات بعض الناس يفهمون أن هناك مدخرات معروفة وموجودة، وهذا غير صحيح”، وأضافت: “بين الاحتمال والاحتياطي نحتاج إلى سنوات من العمل والحفر حتى يصبح الحفر إيجابيا، وآنذاك يمكن الحديث عن تقييم إيجابي”.
ووصفت المسؤولة ذاتها حجم المخزون المكتشف بتندرارة والعرائش بـ”المتوسط”، لكونه “سيمكن فقط من تزويد محطات إنتاج الكهرباء والبيع لبعض الموزعين المحليين، ولن يسد حاجيات السوق الوطني أو يمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وإنما سيمكن من تقليص حجم الواردات”، وفق تعبيرها، قبل أن تفيد: “المغرب مع إنتاج البئرين الجديدين سينتقل من تغطية 10 بالمائة إلى 40 أو 50 بالمائة من حاجيات السوق، والتوجه إلى السّوق الدّولية من أجل تغطية حاجياتنا الوطنيّة سيظل قائما”.
من جانبه، أوضح الخبير الطاقي عبد الصمد ملاوي أن “هذا الموضوع معقّد جدا، لكون المُعطيات التّقنية الكافية التي يمكن البناء عليها ليست متوفّرة بشكل حاسم ونهائي، والاكتشافات التي تعلن عنها الشركات هي محكومة بهاجس التموقع في البورصة”، مشيرا إلى أنه “بعد تعميق البحث يمكن الحصول على تقديرات نهائية للاحتياطي المغربي من الغاز في المناطق التي يجري التنقيب فيها وليس الآن”، وزاد: “ما قالته بنعلي يحتمل تأويلات طاقية وسياسية يصعب الجزم أيضا في مساعيها”.
وأبرز ملاوي، ضمن تفسيراته لجريدة النهار، أن “هناك نوعا من الاحتراس لدى المتخصّصين في الشأن الطاقي من الإعلانات الضخمة حول الاكتشافات الغازية للشّركات البريطانية، كما أن هناك أيضا تحفظا من الجهات الرّسمية المغربية”، مؤكدا أن “ما تقوم به الشركات هو دراسة أولية، والعديد منها تعلن عن اكتشافات وتحفر ولا تصل لأي نتيجة ثم تتجه لحوض آخر، وبالتالي المعطى الذي يمكن أن نعتد به بوضوح هو وجود نتيجة نهائيّة تبرز شروعنا في استغلال هذه الاحتياطات”.