قال محللون للشأن الاقتصادي إن “بلوغ النمو السنوي للقروض البنكية الموجهة للقطاع غير المالي، مرة أخرى، 3,3 في المائة خلال يناير الماضي، مقابل 2,6 في المائة خلال دجنبر الفائت”، يعود لعوامل موضوعية مرتبطة بـ”العام الجديد الذي يتطلب تجهيزات جديدة بالنسبة الشركات وكذا تحديث الممتلكات بالنسبة للأسر”، بالإضافة إلى “صعوبة المعيشة التي باتت، أكثر من أي وقت آخر، تحتاجُ الاستعانة بقروض بنكيّة إلى جانب وسائل الادخار التّقليدية”.
النشرة الأخيرة لبنك المغرب بخصوص الإحصائيّات النقدية بينت وجود “نمو في القروض البنكية الموجهة للشركات غير المالية أو الأسر”، كما دفعت باحثين في الشأن المالي إلى إطلاق قراءات لفهم هذا “التسارع” الوارد في بيانات البنك المركزي، خصوصاً أن ديون الأسر نمَتْ بنسبة 2 في المائة بعد 1,7 في المائة قبل شهر، فيما ازدادت القروض المخصصة للشركات غير المالية الخاصة بنسبة 1,2 في المائة بعد 0,6 في المائة.
قراءات متقاطعة
رشيد ساري، المحلل الاقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، ربط هذا الارتفاع بـ”معطى موضوعي” يتعلّق بالسنة الجديدة، مشيرا إلى أن “الشركات المعنية تضع، مع بداية العام، ميزانيات لخوض استثمارات جديدة؛ علما أن أخرى تُنشأ خلال هذه الفترة”، مشدداً على أن “الحسم في وجود ارتفاع يتطلب انتظار الأشهر القادمة لمعرفة إن كان الموضوع يندرج ضمن سياق عابر أو داخل توجه راسخ”.
وأورد ساري، ضمن تصريحه لجريدة النهار، أن “المعيار غير دقيق في الوقت الحالي، إذ لا يمكن القول إن ثمّة تحسنا فعليّا”، واعتبر أن “الطبيعي أن تقتني مقاولاتٌ ما مجموعة من المعدات التي تساعد السير العادي للشركة أو تطويرها”، وزاد: “المعطيات مهمّة، لكن نحتاج إلى تبيّن مدى تطور عقلية مجموعة من المقاولات في التعاطي مع الاقتراض، ومدى تحديث الأبناك كذلك القاعدة المرتبطة بمنح القروض. هذا يمكّن من فهم مفعول هذه البيانات في الاقتصاد الوطني”.
القراءة نفسها اعتمدها المحلل الاقتصادي في تفكيك الشقّ المرتبط بالأسر، مسجلاً أنها “تلجأ إلى الاقتراض في هذه الفترة لتجديد مجموعة من المقتنيات وتحديث الممتلكات بشكل سنوي”، نافيا أن يكون لذلك “ارتباط بظرفية الغلاء الحالية، وإنما يدخل ضمن فلسفة حاضرة لدى جملة من العائلات المغربية”، ومنبها كذلك إلى “ارتفاع القروض العقارية؛ وهذا يرجع بالأساس إلى الإقبال على اقتناء عقارات ومساكن، خصوصاً أمام السّياسات الجديدة المتعلقة بالدعم المباشر لاقتناء السكن”.
حاجيات مطروحة
عمر الكتاني، جامعي محلل اقتصادي، قال: “من الطبيعي أن ترتفع القروض بنسب متفاوتة بالنظر إلى الوضعية الصعبة التي تمر منها الأسر المغربية نتيجة الأزمة الاقتصادية السارية”، مضيفاً أن “هذا الأمر كان مُنتظراً، ولاسيما أن السنة الفائتة كانت قاصمة، بسبب غلاء الأضاحي وانطلاق الموسم الدراسي أسابيع بعد ذلك”، وتابع: “الطبقة المتوسطة واجهت متاعب مالية حقيقية من الطبيعي أن تدفع بها نحو الاقتراض”.
وفيما هناك إقبال شعبي على وسائل الادخار التقليدية كـ”دارت” نبه الكتاني ضمن تصريحه لجريدة النهار إلى “مشكلة السيولة التي مازالت تلاحق الاقتصاد المغربي والقطاع المالي البنكي، إذ إن نسبة كبيرة من الأموال توجد خارج دوائر البنوك”، مشدداً على أن “المقاولات المتوسطة والصغرى والصغيرة جدا صارت بدورها أمام تحديات جعلتها تدبّر رؤوس أموالها فقط وتعيش في إطار الاكتفاء الذاتي وصعوبة توفير مداخيل تحافظ على حياة المقاولة”.
ولفت المتحدث عينه الانتباه إلى وجود “نفس استباقي حاضر لدى الشركات والأسر أمام الصعوبات المفاجئة”، مردفا: “هذا التوجه الاستباقي يمكّن من تدبير المرحلة، لأن هناك حاجة لابدّ من التعاطي معها”، ومضيفا في السياق ذاته: “المديونيّة ترتفعُ، سواء بالنسبة للدولة أو للأسر والمقاولات، فيما المنطلقات تختلف، كما أن الرهانات والحاجيات لا تتشابه بالضرورة. غير أن هذا الاتجاه بحدّة نحو الاقتراض من شأنه أن يفرز موجات جديدة من التضخم على المستوى المتوسط”.