
خبراء يقترحون إجراءات مصاحبة لتفادي شعيرة الذبح في عيد الأضحى
في خطوة غير مسبوقة منذ قرابة ثلاثة عقود، وجّه الملك محمد السادس، بصفته أمير المؤمنين، رسالة إلى الشعب المغربي أهاب فيها بعدم القيام بشعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى لهذا العام.
وألقى أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، هذه الرسالة مساء الأربعاء خلال النشرة الإخبارية الرئيسية لقناة “الأولى”، معلنا قرارا يأتي قبل نحو أربعة أشهر من موعد العيد، على عكس آخر قرار مماثل في 1996 حين أُعلن قبل أقل من شهر من المناسبة؛ الأمر الذي يروم، وفق المتتبعين، حرصا على تقليص الخسائر المحتملة للكسابة والفلاحين.
وأرجع الملك هذا القرار إلى “التحديات المناخية والاقتصادية التي تواجهها البلاد”، والتي أدت إلى “تراجع كبير في أعداد الماشية”. وأوضحت رسالته أن إقامة الشعيرة “في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود”، في إشارة إلى الذين يواجهون صعوبات مالية متزايدة نتيجة ارتفاع تكاليف الأضاحي.
في هذا السياق، وبينما يوفر هذا القرار فرصة لتخفيف الضغط على المواطنين والموارد الطبيعية، يثير مخاوف من تداعيات سلبية على القطاع الفلاحي والحيواني. من هنا، تبرز الحاجة، وفق الخبراء الاقتصاديين، إلى استراتيجيات داعمة تضمن التوازن بين حماية الفئات الهشة وإنعاش الثروة الحيوانية ودعم الاقتصاد الوطني.
عبد الرزاق الهيري، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، قال إن إلغاء أضحية العيد لهذا العام يشكل “فرصة لتجاوز الاختلالات التي يعانيها قطاع تربية المواشي المرتبطة بالتغيرات المناخية، كالجفاف، وغياب رؤية استشرافية طويلة الأمد لإدارة الثروة الحيوانية، التي تدهورت بشكل ملحوظ منذ ما قبل جائحة كورونا في 2019 على الأقل.
وأكد الهيري، ضمن تصريح لجريدة النهار، أن هذا القرار “يمكن أن يكون نقطة انطلاق لإعادة بناء الثروة الحيوانية إلى مستوياتها السابقة”، مشددا في الوقت ذاته على “ضرورة مواصلة الإجراءات المنصوص عليها في قانون المالية 2025؛ مثل تشجيع استيراد الأغنام واللحوم لتخفيف الضغط على الإنتاج الوطني”.
واقترح إجراء تقييم شامل لسلاسل الإنتاج المرتبطة بتربية المواشي، بما يشمل إنتاج اللحوم والحليب ومشتقاته، مع تقديم دعم مالي وفني لتقوية هذه السلاسل، مبرزا أن الهدف هو “ضمان ثروة حيوانية كافية بحلول العام المقبل، لتمكين الأسر من أداء شعيرتها دون ضغوط اقتصادية”.
ونبه أستاذ الاقتصاد ذاته إلى أهمية “المراقبة الصارمة” للإعانات المقدمة لدعم هذا القطاع، مشيرا إلى أن الدعم السابق “لم يحقق النتائج المرجوة”، حيث لم ينعكس على أسعار الماشية أو اللحوم.
وأكد المتحدث على دور هذا القطاع في تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم والألبان، وخلق فرص عمل في المناطق القروية؛ مما يساهم في التخفيف من الفقر والبطالة، خالصا إلى الدعوة إلى مقاربة تشاركية تجمع الفاعلين في القطاع لإبداء آرائهم وتصوراتهم، بما يضمن انخراط الجميع في ورش إعادة تكوين الثروة الحيوانية.
من جهته، ذكر رشيد ساري، المحلل الاقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، أن إلغاء الأضحية لهذا العام يأتي “في ظل أزمة حقيقية”، حيث انخفض القطيع بنسبة تقارب 40 في المائة، تاركا حوالي مليون رأس فقط صالحة للذبح.
وكإجراءات مصاحبة للاستفادة من هذا القرار، اقترح ساري، في حديث لجريدة النهار، دعم الكسابة المتضررين منه كإجراء أولي، لتعويضهم عن الخسائر الناتجة عن توقف بيع الأضاحي، مؤكدا أن هذا الدعم “ضروري للحفاظ على استقرار هذه الفئة التي تعتمد بشكل كبير على موسم العيد”.
ونبه المتحدث إلى أن مواجهة الجفاف ونقص المياه “تستدعي دعما كبيرا للأعلاف؛ لكن بمقاربة مبتكرة تركز على إنتاج أعلاف منخفضة التكلفة وقليلة استهلاك المياه، مع زيادة الإنتاج المحلي لهذه المواد”، لافتا إلى أن هذا الإجراء “سيخفف الضغط على الموارد الطبيعية ويعزز استدامة تربية المواشي؛ مما يساهم في تعافي القطاع على المدى المتوسط”.
في السياق ذاته، دعا المحلل الاقتصادي إلى “تقوية نسيج الكسابة في المناطق الريفية التي شهدت تراجعا كبيرا في أعدادهم”، من خلال إنشاء تعاونيات قوية تدعم هؤلاء المنتجين، مبرزا أهمية هذا الإجراء في إعادة تنشيط الاقتصاد القروي، معتبرا أن تعزيز هذه الشبكة “سيضمن استمرارية الإنتاج الحيواني ويقلل من الاعتماد على الحلول الخارجية”.
من جانب آخر، حذر رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة من “الاعتماد المفرط على استيراد اللحوم”، مقترحا استراتيجية تركز على دعم القطيع المحلي وإعادة إحياء السلالات المغربية التقليدية التي تتميز بكفاءة أعلى في التوالد واستهلاك أقل للأعلاف مقارنة بالسلالات الهجينة، مؤكدا أن هذه الإجراءات مجتمعة ستحد من التضخم في أسعار اللحوم وتعزز السيادة الغذائية دون التضحية بالقطاع الحيواني المحلي الذي قد ينهار إذا استمر التوجه نحو الاستيراد.