مسؤولون وجامعيون ينعون لطيفة الكندوز رئيسة “جمعية المؤرخين المغاربة”
نعى مسؤولون وأكاديميون بارزون المؤرخة الراحلة لطيفة الكندوز، التي كانت رئيسة للجمعية المغربية للبحث التاريخي التي أسّستها وقادتها أسماء علمية بارزة، وكانت أستاذة جامعية، وفاعلة مدنية، عرفت بأطروحتها المؤرخة للطباعة بالمغرب، منذ دخول المطبعة إلى عهد الاستقلال.
وقال جامع بيضا، المدير السابق لأرشيف المغرب، إن هذه الذكرى الأربعينية تنعي “روحا أضاءت درب الكثيرين، وهي نموذج للتفاني في خدمة معشر المؤرخين، والصدق في العطاء. امرأة استثنائية، ولم تكن مجرد أستاذة أو زميلة؛ بل قدوة في الأخلاق والالتزام والتفاني، وشمعة مضيئة أنارت درب طلابها وزملائها، ورمز للكرم والمحبة والتواضع، ورحيلها المفاجئ جدا فقدان للوسط الجامعي والتربوي، وعزاؤنا يكمن في تركها إرثا خالدا من القيم والمبادئ”.
أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ذكر أن الفقيدة الكندوز “شخصية فريدة في خصالها، متميزة في خلقها” عرفت بـ”صفاء السريرة ونبل الأخلاق وشيمة التواضع”، وإنسانة “خلّفت في كل من يعرفها سيرة عطرة، وذكرى طيبة، بما جبلت عليه من البذل والعطاء وخدمة الآخرين، وساهمت بنصيب وافر من التعاون العلمي بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والجمعية المغربية للبحث التاريخي”، ورحيلها “رزء فادح للمجموعة العلمية المغربية بشكل عام، والتاريخية بشكل خاص”.
مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، قال إن الساحة الأكاديمية المغربية ومنظومة البحث التاريخي وتوثيق الذاكرة التاريخية الوطنية قد فقدت “إحدى أعمدتها وروادها المرموقين لطيفة الكندوز، بعد حياة زاخرة بالبذل والعطاء، وطافحة بالجد والاجتهاد والابتكار في الميدان، شخصية فذة ومميزة (…)
أسدت بسخاء ووفاء طيلة حياتها، ولها عطاءات مبرورة وأعمال صالحات، وخصال الصبر والجلد والإيثار ونكران الذات خدمة للبحث التاريخي خاصة، والبحث الجامعي عامة، والمعرفة التاريخية، وتكوين أجيال من المؤرخين، وحملة العلوم الاجتماعية، وهي قامة علمية باسقة”.
رحال بوبريك، مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، التابع لأكاديمية المملكة المغربية، سجّل أن برحيل لطيفة الكندوز “فقدت الجماعة العلمية للمؤرخين وكل الدارسين في الدراسات التاريخية أحد أبرز أفرادها”، وتحدث عن التنسيق الذي كان يتم معها من أجل نشاط المعهد، قبل أن يختم بقوله إنها “من القلائل المهتمين بتاريخ الطباعة في المغرب”، وممن تطرقوا في البحث التاريخي لـ”مواضيع جديدة في الدراسات التاريخية”.
أحمد شوقي بنبين، مدير الخزانة الملكية، ذكر أنه عرف الفقيدة “طالبة، ثم باحثة جامعية (…) واصل الإشراف على بحثها بطلب من الفقيد محمد حجي وهو يعاني مرض موته (…) ونشرته بعد ذلك كتابا عنوانه “الطباعة والنشر بالمغرب” بتقديمه، وقد “اعتبرتُه أهم مرجع في موضوعه. (…) وقد بذلَت جهدا عظيما في هذا الكتاب، وأولته عناية كبيرة، معتمدة على ما أوتيت من موهبة وذكاء، جمعت إليها حسن الاستنباط وثقة التحليل وصحة الاستنتاج، متحلية بالأمانة العلمية الشديدة”.
آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وصفت الراحلة الكندوز بكونها “من حاملات وحاملي الشموع، مضيئي الطرق والمسارات؛ فقد خلفت في نفس من عرفوها بالغ الأثر، باهتمامها بمواضيع تدبير الخلاف والتعايش، والإصلاح التعليمي… فكانت ذات إسهامات متنوعة، وتركت بصمة معرفية، لتوثيق مجالات حيوية من تاريخنا متعدد الروافد”، واليوم “نؤبّن مؤرخة مغربية بارزة، وثق فيها المؤرخون المغاربة لتكون أول امرأة تدبر جمعيتهم”.
من جهته، ذكر مصطفى الشابي، رئيس الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، أن الكندوز، التي تعد من الجيل الثالث من المؤرخين المغاربة بعد الاستقلال، “كانت رئيستنا بعلمها وتواضعها ولباقتها، وخصال عززتها بفعالية كبيرة في الإنجاز”.
مارية دادي قالت، في كلمة باسم الجمعية المغربية للبحث التاريخي، إن الكندوز، التي رحلت بعد وعكة صحية في لقاء ثقافي، كانت ذات “روح شفافة، وخلق رفيع، وباحثة في التاريخ أتقنت صنعته، كما تلقتها عن جيل الرواد، ولها أعمال علمية تحفظ ذلك. ونهلت من هذا الجيل خدمة التاريخ وأهل التاريخ، والحفر في الأرشيف وطرح السؤال، وهي ناسكة نذرت نفسها لخدمة الآخرين بين العلمي والإنساني والتنظيمي (…) ومن النساء المتميزات في هذا البلد العزيز”.
أما ليلى منير، عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، فقالت، في كلمة قرأها بالنيابة أحمد البوكيلي، إن الفقيدة لطيفة الكندوز كانت “ذات سيرة طيبة، بلغت الآفاق (…) غاية في اللطف والرقي وحسن الخلق، وأناقة المظهر، والعمل برقي ومثابرة. حصلت على الدكتوراه بإشراف الأستاذ العميد محمد حجي بكلية الآداب بالرباط. وبعد تدريسها في الثانوي بالرباط، اشتغلت أستاذة باحثة بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط”.
وتطرقت الكلمة للتفكّر النهضوي للفقيدة التي كانت أطروحتها “تاريخ الطباعة والكتاب في المغرب المعاصر”، مؤطرة بسؤالين أساسيين، هما: لِمَ تأخر هذا الدخول إلى المغرب، رغم قرب بلدنا من المجال الأوروبي؟ ولماذا لم تسهم المطبعة في نهضة المغرب؟
لكن الكندوز مع علمها “لم تعتزل الناس، بل ظلت عالمة مفكرة مؤرخة مبدعة، تمشي بينهم بالخير، وتهتم بما يشغل بالهم أكاديميا وثقافيا وتنمويا”؛ فـ”خدمت علم التاريخ، بعلو همة، وسداد رأي، وحسن معاملة في الجمعية المغربية للبحث التاريخي، حيث كانت أول مرة تتقلد مسؤوليتها، وسارت على خطى رؤسائها السابقين من الأعلام مثل محمد زنيبر، ومحمد القبلي، وإبراهيم بوطالب، وجامع بيضا، وعثمان المنصوري”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News