بتقديم من الشيخ المصري علي جمعة صدر للمغربي محمد بشاري، الأمين العام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بأبوظبي، كتاب جديد عن دار نهضة مصر بعنوان: “الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء”؛ وهو “دراسة نقدية متعمقة لمفهوم الفرقة الناجية في الفكر الإسلامي”.
ووفق تقديم المصدر الجديد فإن المؤلِّف من خلال هذا العمل يسعى إلى “إعادة قراءة الحديث النبوي الشهير حول افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، محللًا أسانيده ورواياته المختلفة، وموضحًا مدى اضطراب متنه وتناقض مروياته؛ كما يقدم رؤية تجديدية تدعو إلى تجاوز الفهم التقليدي لهذا الحديث الذي طالما استُغل لترسيخ الانقسامات داخل الأمة الإسلامية، مؤكدًا أن النجاة في الإسلام ليست محصورة في جماعة أو مذهب معين، بل تعتمد على الإيمان والعمل الصالح وفقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية”.
وتتناول مقدمة “الفرقة الناجية”: “كيف تحول حديث الافتراق إلى أحد أكثر النصوص استغلالًا في الخطاب الديني، حيث تم توظيفه عبر العصور في تأجيج الصراعات العقائدية والسياسية، وخلق حالة من الاستقطاب بين المسلمين”، ويسترسل شارحا: “الحديث استخدم كأداة للتمييز بين الحق والباطل بشكل تعسفي، ما أدى إلى نشوء جماعات تدّعي احتكار الحقيقة، وتكفّر غيرها استنادًا إلى تفسير ضيق ومتحيز؛ وهو نوع من الفهم يتناقض مع مبادئ الإسلام الداعية إلى الوحدة والتسامح، ما يدعو إلى مراجعة نقدية علمية لهذا المفهوم”.
ويناقش الكتاب الحديث المذكور “من منظور علم الحديث، إذ يعرض الروايات المختلفة التي وردت بشأنه، ويحلل مدى صحتها بناءً على آراء المحدثين والنقاد”، ويوضح كاتبه أن “الحديث ورد عن عدد من الصحابة، من بينهم معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة وأنس بن مالك، لكنه لم يأتِ بصيغة واحدة متفق عليها، بل ظهرت اختلافات واضحة في الألفاظ والمعاني، ما أثار الجدل حول مدى ثبوته”.
ويواصل المؤلف: “هذا التعدد في الروايات يشير إلى اضطراب في المتن، ما جعل الحديث موضع نقد بين علماء الحديث؛ فبينما صححه بعض العلماء مثل ابن تيمية وابن القيم، أشار آخرون مثل ابن حزم والشوكاني إلى ضعفه، بسبب تناقض متنه واختلاف أسانيده”.
وبعد تحليل الحديث من الناحية السندية ينتقل بشاري إلى “دراسة الأبعاد التاريخية لاستخدام هذا الحديث، موضحًا كيف تم توظيفه لخدمة أغراض سياسية ومذهبية عبر العصور”، موردا: “في العهدين الأموي والعباسي استخدم الحكام هذا الحديث لتبرير سلطتهم، حيث صوروا أنفسهم على أنهم الممثلون الحقيقيون للفرقة الناجية، بينما اعتُبر معارضوهم من الفرق الهالكة. كما لجأت العديد من الفرق الكلامية، مثل المعتزلة والأشاعرة والخوارج، إلى استخدام الحديث في صراعاتها الفكرية، إذ سعت كل فرقة إلى إثبات أنها الناجية وغيرها في الضلال”.
ويعلق الكاتب بأن “هذا النمط من التوظيف عزز حالة الانقسام داخل الأمة، وأدى إلى نشوء منظومات فكرية مغلقة، تعتمد على الإقصاء والتكفير بدلًا من الحوار والتفاهم”.
ويولي الكتاب الجديد “اهتمامًا خاصًا للتطورات الحديثة في توظيف حديث الفرقة الناجية؛ لأن الجماعات المتطرفة في العصر الحديث، مثل ‘القاعدة’ و’داعش’، تبنّت هذا الحديث كأساس لمنهجها التكفيري، إذ استخدمته في تصنيف المجتمعات الإسلامية إلى ناجية وهالكة، واعتبرت نفسها الفرقة الوحيدة التي تمثل الإسلام الصحيح”، وزاد: “كما استغلت بعض الحركات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين، هذا الحديث لترسيخ فكرة أن مشروعها السياسي هو السبيل الوحيد لإقامة الإسلام، ما أدى إلى مزيد من الاستقطاب داخل المجتمعات الإسلامية”.
وينبه المؤلف إلى أن “هذا التوظيف المتشدد للحديث تسبب في كارثة فكرية، إذ عزز خطاب الكراهية، وأدى إلى شرعنة العنف، وأضر بصورة الإسلام عالميًا”، قبل أن يطرح في القسم الأخير من مؤلّفه “رؤية بديلة لمفهوم النجاة، تقوم على إعادة قراءة الحديث في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية”، وهي “النجاة” التي “لا ترتبط بالانتماء إلى طائفة أو مذهب معين، بل تتحقق من خلال الإيمان بالله والعمل الصالح”؛ كما جاء في قوله تعالى: “إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًۭا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 62).
ويدافع هذا الكتاب عن أن “الإسلام دين عالمي وشامل، يركز على وحدة المسلمين بدلًا من تقسيمهم إلى طوائف”، ويدعو المسلمين إلى “التركيز على المبادئ الجامعة التي تجمعهم، مثل الإيمان بالله والعمل الصالح، بدلًا من الانشغال بتصنيف بعضهم البعض إلى ناجين وهالكين”؛ كما يوجه نداء إلى العلماء والمفكرين لإعادة قراءة التراث الإسلامي بمنهجية نقدية تواكب تطورات العصر، وتساهم في تحقيق نهضة فكرية قائمة على التسامح والتعايش.