خبراء: الفلاحة ترتهن بـ”رحمة السماء”.. والجفاف يتربص بالزراعات البورية

رغم التساقطات التي تزامنت مع بداية أولى عمليات الزرع والبذر والإطلاق الرسمي للموسم الفلاحي 2024/2025، فإن عدم انتظامها في الزمان والمكان ما زال يلقي بظلال تأثير قاتمة على سيْر الأنشطة الفلاحية والزراعية وتربية المواشي في معظم الجهات المغربية، مما يجعل “التعثر” توصيفاً ملازماً للقطاع الاقتصادي الأولي خلال هذه السنة، ويهدد بـ”عدم تحقيق” القيمة المضافة الفلاحية المتوقع تحسُّنها، وفق الأرقام الرسمية.

وفي حال استمرار الحالة الراهنة، الموسومة بـ”انحسار وشحّ” في التساقطات المطرية، مع تشكل “صقيع محلي قوي” يؤثر على نمو معظم سلاسل المزروعات الخريفية، خلال الأسابيع القليلة القادمة، فإن مهنيين وخبراء فلاحيين استقت جريدة جريدة النهار آراؤهم لم يُخفوا تشاؤمهم من “موسم فلاحي ضعيف أكثر قساوةً وحدة من سابقِيه”.

ارتهان الفلاحة المغربية وأنشطتها، من الزراعة إلى تربية المواشي، بعوامل المناخ يؤثر بشكل واضح على سلاسل الإنتاج المختلفة، رغم الإجراءات والتدابير المعلن عنها حكومياً عند انطلاقة الموسم.

باستثناء قطرات مطرية “معدودة”، تميزت الحالة الجوية، منذ نونبر وطيلة دجنبر ويناير، باستقرار في حالة الطقس مع غياب السحب الممطرة، التي تمرّ بمحاذاة السواحل الأطلسية للمغرب متوجهة نحو دول أوروبا الغربية أو شمال الأطلسي، في ظاهرةٍ وصفتها الأرصاد الجوية المغربية بـ”تفاعل عوامل جوية معقدة”؛ أهمها امتداد “المرتفع الإفريقي وقوة المرتفع الآصوري، مع تموقع التيار النفاث”.

ويزداد طين التغيرات المناخية بَلَلًا باستحضار استمرار تشكّل “المرتفع الإفريقي فوق أجواء الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا، بما فيها المغرب، مما يمثل “حاجزا مانعاً لتقدم المنخفضات الجوية القادمة من المحيط الأطلسي، ويجلب معه كتلا هوائية جافة وحارة تعزز استقرار الأجواء في المغرب”.

تعليقا على الموضوع، أكد نور الدين فاضل، مهني في القطاع وعضو الغرفة الفلاحية لجهة الدار البيضاء سطات، أن “مناطق فلاحية معروفة في الجهة، خصوصا من حيث إنتاج الحبوب وأنواع الزراعات الخريفية، تعاني من استمرار برودة صقيع فترة اللّْيالي، دون تساقط للأمطار بالشكل الكافي لنمو النبتة”.

وأشار فاضل، متحدثا إلى جريدة النهار بنبرة “تشاؤم” غير خافية، إلى أن التقديرات بين المهنيين وخبراء المجال تشير إلى “تضرر حوالي 60 في المائة من الإنتاجية المتوقعة”، موردا أن “معظم الفلاحين، مع تجاربهم السابقة خلال السنوات الجافة السابقة، حاولوا تأخير عمليات الزرع والبذر والتسميد، إلا أن حلول نهاية يناير دون أمطار يشكل بالنسبة إليهم “أسوأ السيناريوهات” حينما يتطلّعون إلى أراضٍ بورية قاحلة”.

وتابع الفاعل المهني ذاته شارحا أن “نحو نصف الأراضي بالجهة لم تُزرع بسبب تخوف الفلاحيين ومربي الماشية من تداعيات تأخر الأمطار وقلة المياه”، راصدا في هذا الإطار تسجيل مناطق فلاحية معروفة بإقليم سطات (مثلا) “نقصا مهولا في المياه الجوفية وعدم تجددها بالشكل الكافي لإنقاذ المزروعات”.

وأشار عضو الغرفة الفلاحية بأكبر جهات المغرب إلى أن “الظرفية الراهنة تُثبت محدودية فاعلية وتأثير الإجراءات الرسمية في مجال مواكبة الفلاحين”، وسجل ضرورة واستعجالية اعتماد “استراتيجيات جديدة (مثل الحبوب المقاومة للجفاف حسب خصوصية التربة وتعميم العمل بوحدات الاستنبات وغيرها…) لمواكبة تواتر الطقس الحالي، الذي صار معتادًا بيننا كفاعلين فلاحيين”.

على نغمة التشاؤم ذاتها، جاءت إفادات الخبير في الشأن الفلاحي محمد الدرقاوي، باحث سابق في المعهد الوطني للبحث الزراعي، مؤكدا أن “جولة في مختلف الحقول المغربية- باستثناء بعض مناطق جهة الغرب بين بوسلهام والعرائش – كافية لتِبيان وتبيُّن مدى قساوة سنوات الجفاف، خصوصا بالنسبة لمحاصيل الزراعات البورية من الحبوب”.

وفي تقدير الدرقاوي، فإن استمرار الأجواء “مستقرة” بتساقطات مطرية متفرقة زمانيا ومكانيا لن يفضي إلى تحسن القيمة المضافة الفلاحية، متوقعا خلال حديثه لجريدة جريدة النهار “احتمالية عدم تحقيق الأرقام الحكومية المتوقعة من محاصيل الحبوب”.

للتدليل على ذلك، دَفع الباحث الزراعي ذاته بأن “نمو النبتة بالنسبة لسلاسل الحبوب يتطلب على الأقل 17 مليمترا من التساقطات المطرية، وهو ما لم نسجله في عدد من الأقاليم المعروفة بطابعها الفلاحي وغلبة نشاط الزراعة على ناتجها المحلي”.

كما أشار إلى أن معايناتٍ أجراها في جهات الشرق والسهول الأطلسية وجهات الدار البيضاء ومراكش آسفي وكذا سوس ماسة التي تعتمد على الزراعة البورية، وكذا في جهة فاس مكناس، “تبعَثُ على التخوف من مصير ومآلات المحاصيل الزراعية خلال هذا الموسم”، مضيفا أنه “قد يتجاوز في قساوته جفافَ عقود الثمانينيات والتسعينيات”.

Exit mobile version