مهتمون بالتراث يحذرون من التدخل التخريبي في موقع “إيليغ” التاريخي

يُعد موقع إيليغ التاريخي الموجود بجماعة سيدي أحمد أوموسى (تازروالت)، بإقليم تيزنيت بجهة سوس ماسة، رمزا هاما من رموز الذاكرة الجماعية السوسية ومعلمة من المعالم التاريخية بالمنطقة، التي تروي حكايات شاهدة على عمق التفاعل الثقافي والتجاري للمغرب مع امتداده الإفريقي، إذ يمثل هذا الموقع الأثري إرثا مشتركا شاهدا على مسيرة حضارات وعلى براعة الإنسان الذي نحت تاريخ هذا المكان.

وفي هذا الصدد، تعالت أصوات مهتمين بالتراث وبحماية الإرث الثقافي للمغاربة مستنكرة محاولات الإضرار بهذا الموقع وطمس ملامح الذاكرة الجماعية، خاصة من طرف جماعة سيدي أحمد أوموسى، حيث وقف فريق من الباحثين والطلبة خلال زيارة علمية إلى هذا الموقع التاريخي على ما اعتبروه “جريمة” ارتكبتها الجماعة في حق “إيليغ”، إذ تعاكس جهود الدولة في تعزيز المنظومة الحمائية للتراث الوطني، مؤكدين أن مثل هذه الاعتداءات لا تقتصر فقط على الإضرار بالموقع، بل تمتد لتطال الهوية الثقافية والوطنية التي يمثلها.

في هذا الإطار، قال عزيز ياسين، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة ابن زهر بأكادير منسق ماستر “المغرب في إفريقيا: تاريخ وتراث”، إن “فضاء موقع إيليغ التاريخي يضم مجزرة قديمة شيدها الاستعمار الفرنسي، تعد جزءًا من هذا الفضاء الأثري وجزءًا أيضًا من الذاكرة التاريخية للمغاربة، لا يجب التدخل بأي شكل من الأشكال لتشويه أو تغيير معالمها”.

وأضاف ياسين، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “الزيارة العلمية التي أجراها فريق من الباحثين والطلبة إلى عدد من المواقع التاريخية والأثرية بسوس، ومن ضمنها موقع إيليغ، كشفت عن جريمة في حق هذا الموقع ارتكبتها الجماعة الترابية لسيدي أحمد أوموسى، إذ عمدت إلى إزالة بعض مكونات المجزرة القديمة قبل أن تحاول إرجاعها إلى حالتها الأصلية بعد علمها بهذه الزيارة، وبطريقة عشوائية مشوهة وظاهرة للعيان، وهذا ما استنكرناه ونستنكره”.

وسجل الأستاذ الجامعي ذاته أن “الغريب والمثير للتساؤل هو أن يتزامن هذا الفعل غير المسؤول مع توجه الحكومة والدولة المغربية إلى تعزيز حماية تراث المغاربة من خلال المصادقة على مشروع القانون رقم 33.22 المتعلق بحماية التراث، ومع وجود نقاش إعلامي وأكاديمي حول أهمية صيانة وتثمين كل عناصر التراث الثقافي للمغاربة، بل إن الأغرب أن يتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للثقافات الإفريقية”.

وتابع بأن “إيليغ كانت، عبر التاريخ، حلقة قوية في ربط المملكة المغربية بعمقها الإفريقي. وبالتالي، فإن الإجرام في حق التراث في هذا اليوم يطرح تساؤلات جدية حول حقيقة وعي المسؤولين الترابيين بأهمية صيانة وتثمين الإرث الثقافي الوطني”، مشددا على “ضرورة تحمل جميع الجهات مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية في حماية موقع إيليغ التاريخي، الذي يجب أن يبقى فضاء للبحث التراثي ومنفتحا على الجامعات في إطار التكوين الأكاديمي”.

من جانبه، قال إبراهيم الطاهيري، باحث في التاريخ والتراث: “شاءت الصدف مرة أخرى أن يتزامن الاحتفال باليوم العالمي للثقافات الإفريقية مع جريمة أخرى في حق التراث وفي حق ما خلفه الأجداد ليكون رسالة نبيلة للأحفاد”، مضيفا أن “هذه الجريمة تنضاف إلى سلسلة الجرائم التي تعرض لها موقع إيليغ، الذي يعكس تاريخا مشتركا لفضاء قبائل إداولتيت ومعبّرًا مهما عن حقيقة شعب مغربي له ثقافته وهويته وحضارته”.

وأضاف الطاهيري أنه “بينما تتصارع الأمم الأخرى في تسجيل تراثها الوطني في القوائم العالمية والتباهي والافتخار به ليكون قاطرة لتحقيق التنمية المجالية والتسويق الترابي، للأسف الشديد نتصارع نحن من أجل تدميره وارتكاب جرائم في حقه، إذ لم تعد هذه الجرائم تقتصر على الأفراد فقط، بل تعدت ذلك إلى المجالس المنتخبة والجماعات الترابية، التي من المفترض أن تكون هي السباقة إلى تثمين هذه المواقع التاريخية، والترافع من أجل صونها والمحافظة عليها وجعلها أداة للتنمية وجذب الاستثمارات”.

وانتقد الباحث ذاته، ضمن تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، إقدام “جماعة سيدي أحمد أوموسى بتازروالت على التدخل من أجل تغيير معالم المجزرة القديمة بإيليغ، وهو ما تم الوقوف عليه وتوثيقه خلال الزيارة العلمية الأخيرة التي أجراها فريق البحث [المغرب في إفريقيا] بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر، وماستر [المغرب في إفريقيا] بالكلية ذاتها إلى هذا الموقع، ومحاولتها استصلاح ما أفسدته بشكل زاد من تشويه معالم هذا الموقع الأثري”.

وتابع قائلا: “إيليغ، مثل غيره من المواقع التاريخية، يمثل ذاكرتنا التاريخية، منارة أنوارها، وروضة أزهارها، والمكان الذي يعبر عن مكنون الإنسان السوسي التواق. المكان الذي إن ذُكر ذكرت معه بسالة وعبقرية الأجداد، الذين رسموا للأحفاد معالم طريق المعرفة. فإيليغ هو تاريخ المشترك الإنساني، الذي ما زال ينتظر الكثير على مستوى البحث العلمي والتاريخي”، مشددا على أنه “لا بد لكل من له ذرة كرامة في هذا البلد أن يقف سدا منيعا أمام كل محاولة للإضرار بالتراث والمشترك الثقافي”.

من جهته، أصدر الفرع المحلي لحزب التقدم والاشتراكية بسيدي أحمد أوموسى بيانا استنكاريا، تتوفر جريدة جريدة النهار الإلكترونية على نسخة منه، شجب من خلاله التخريب الذي طال المجزرة القديمة بإيليغ، مطالبا القطاعات الحكومية المختصة، وعلى رأسها وزارة الداخلية ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، بتحمل مسؤوليتها في وقف هذه الأعمال التخريبية.

Exit mobile version