هل ينجح ترامب في تغيير موقف الإسلاميين من الولايات المتحدة الأمريكية؟

مع مجيء أية إدارة أمريكية جديدة، يتجدد النقاش داخل الدول العربية والإسلامية حول العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين هذه الإدارة مع الحركات الإسلامية وأحزابها السياسية المبنية على الفصام والعداء بسبب مواقف البلد الذي يقود العالم من القضايا العربية والإسلامية؛ وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

غير أن عودة دونالد ترامب هذه المرة إلى البيت الأبيض جاءت في سياق مختلف، بعد 15 شهرا من الحرب المدمرة التي قادها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة المحاصر، سقط فيها 157 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، وساهمت في توقيع اتفاق وقف الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، التي نفذت هجوم 7 أكتوبر 2023 على مستوطنات غلاف غزة.

واتجهت الأنظار صوب أحمد الشرع، نجم الإسلام السياسي الحالي في المنطقة وقائد الإدارة الحالية في سوريا الذي أطاح بنظام بشار الأسد؛ فقد خرج في بيان مهنئا ترامب على تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، أول أمس الاثنين؛ بل إن الشرع ذهب بعيدا في تهنئته للرئيس الأمريكي العائد، عندما وصف ترامب بـ”القائد الذي سيجلب السلام للشرق الأوسط ويعيد الاستقرار إلى المنطقة”.

وأكد قائد الإدارة الحالية في سوريا أنه يتطلع إلى تحسين العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة الأمريكية على أساس “الحوار والتفاهم.. ولدينا ثقة في أنه مع هذه الإدارة، ستغتنم الولايات المتحدة وسوريا الفرصة لتشكيل شراكة تعكس تطلعات كلا البلدين”.

رسائل المديح التي كالها الشرع لترامب وإدارته الجديدة مثلت تململا واضحا؛ بل وانقلابا في موقف جماعات الإسلام السياسي من الرجل وبلده، الذي ظل حتى عهد قريب يمثل بالنسبة لهم رأس “الشر كله في المنطقة”، والشيطان الذي يعيث فسادا في المنطقة، فهل تمثل هذه الإشارات رسالة تمهد لانقلاب جذري في مواقف الإسلاميين من الولايات المتحدة الأمريكية؟

إعادة ترتيب

خالد يايموت، أستاذ العلاقات الدولية والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، قال إن عودة ترامب تأتي في ظل تحولات عميقة وكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، معتبرا أن هذه التحولات أدت إلى “إضعاف الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، وتراجع النظام الدولي الذي عرف بعد ما يسمى بالحرب العالمية الثانية بشكل بنيوي”.

وأضاف يايموت، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن التحول الجاري في العالم مس بنية النظام القائم بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، مبرزا أن ترامب “لا ينظر إلى العالم من زاوية إيديولوجية؛ ولكن من زاوية التقاطب القائم بشكل واضح بين الشرق والغرب”.

ولاحظ الخبير ذاته أن تركيز ترامب منصب على غرب الكرة الأرضية وإعادة ترتيب الولايات المتحدة الأمريكية كقوة دولية عظمى مع الجغرافية السياسية للشرق، مشددا على أنه سيستثمر “كل المكونات التي يمكن أن تساعده وتدخل معه في برنامج إعادة ترتيب مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في ظل هذا التحول البنيوي العميق مقابل التحالف، سواء كان هذا التحالف ظرفي أو استراتيجي”.

واعتبر يايموت أن ترامب “لن ينظر إلى الإسلاميين باعتبارهم جهاديين سابقا، أو يتبنون الموقف الديمقراطي أو غير ذلك.. السؤال هو: هل يقبلون بإعادة ترتيب العلاقات الدولية بين الشرق والغرب وفق الرؤية الأمريكية الحالية لترامب؛ وهذا هو السؤال المركزي”.

وأفاد المتحدث ذاته بأن الموقف من الشذوذ الجنسي، الذي نال استحسان فئات واسعة من الإسلاميين، “لا يعني الكثير لترامب، وكلها مسائل جانبية”، مشددا على أن الرجل “ينظر إلى لكيان الصهيوني الذي تعرض لهزة خلخلت أركانه ويحتاج إلى مدة زمنية من أجل إعادة البناء؛ وهو ما يتقاطع مع إعادة بناء الولايات المتحدة الأمريكية ونفوذها على المستوى الدولي”.

وأشار يايموت إلى أن مسلسل السلام سيظل “مفروضا ما دام متعلقا بإعادة ترتيب العلاقات الدولية بين الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية غربا والصين وروسيا والهند شرقا”، لافتا إلى أن موقف ترامب من الشذوذ “ليس موقفا إيديولوجيا وليس موقفا للمحافظين”، مبينا أن هذا الموقف يتقاطع مع موقف الحضارات الأخرى؛ ولكنه منفصل عن مساره الثقافي داخل الولايات المتحدة الأمريكية”.

البراغماتية والواقعية

خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة، سجل أن الإسلاميين لديهم موقف نابع من منظومة فكرية تقليدية لدى بعض الحركات، والتي ظلت منغلقة على نفسها وترى في الولايات المتحدة الأمريكية منظومة عدائية بالفطرة.

وأفاد الشيات بأن هناك فرقا بالنسبة للحركات الإسلامية التي اندمجت في المجالات الانتخابية وأصبحت تعمل بمنطق الدولة مثل تركيا وإيران، وبمنطق الحكومة كما حدث في التجارب الحكومية مثل المغرب أو بعض التجارب الأخرى على قلتها”.

وزاد الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية مفسرا، في تصريح لجريدة النهار، أن هذا المنطق هو “منطق طبيعي وعادي يتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بنوع من البراغماتية والواقعية على المستوى النظري والممارسة العملية”، مؤكدا أنه يجعل من التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية يندرج في إطار “الواقعية والعملية.. ولا أعتقد أن هناك إمكانية لمجموع الحركات الإسلامية التي توجد على مستوى الفعل الحكومي هامش كبير في المناورة في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية”.

وأشار الشيات إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعبر عن “دعمها الكبير لإسرائيل كما هي العادة للترابط التقليدي والتاريخي بين البلدين، وأيضا يمكنها أن تتعامل بأشكال مختلفة على مستوياتها فيما يرتبط بعلاقاتها مع الحركة الإسلامية التي تتعامل معها”، مشددا على أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل هذه المرة بـ”واقعية كبيرة مع الحركات الإسلامية، ولا أعتقد أنها تصنف هذه الحركات كلها في خانة العداء والإقصاء والمحو من الخارطة”.

وسجل المتحدث عينه بأن تجارب الإسلاميين متأثرة بشكل كبير بـ”الجانب الشكلاني، ويمكن أن ترضى بقوانين معينة يمكن أن ترضيها بالإحساس بالتفوق عندما تكون القوانين متناسبة مع الأسرة والقانون الجنائي الذي يبقى محافظا؛ وهذا يمكن أن يكون من باب الشكلانيات التي تسعى من خلالها الحركات الإسلامية في عملية الإصلاح المجتمعي”.

أيُّ تقارب؟

وأبرز خالد الشيات أن مواقف ترامب من الشذوذ الجنسي “قد تكون متوافقة وعامل جذب وتقارب بين هذه الحركات وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وبين اليمين الهوياتي الغربي الأمريكي وبين الحركات الإسلامية لتقاطعها في عدد من المفاهيم المحددة حول طبيعة الأسرة والعلاقات الاجتماعية والحريات الشخصية”.

واستدرك أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة قائلا: “لكن ما يجب تمييزه هو إلى أي مدى تستطيع هذه الحركات الإسلامية أن تخرج من جبة هذا الفعل والتأثر الشكلي بالممارسات السياسية، سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى علاقاتها الاستراتيجية؛ لتصل إلى نهج وبناء يقوم على رؤى حقيقية وواقعية وفعلية، تجعلها تستطيع أن تشكل تحالفاتها وتقاطباتها؛ وحتى تناقضاتها بشكل يضمن مصالح الدول التي تمثلها ويضمن من جانب آخر التوجهات الإيديولوجية التي تدافع عنها في عمق طرحها السياسي والمجتمعي”، وفق تعبيره.

Exit mobile version