وسط تراجع ملحوظ في أرقام التضخم، بالموازاة مع تحقيق نسبة نمو متوسطة، فضلا عن استمرار تأثيرات واضحة للجفاف واللّايقين، بشقيْه المناخي والجيوسياسي الإقليمي، في التأثير وصُنع المشهد الاقتصادي في المغرب، شهد الاقتصاد المغربي عام 2024 تحسناً في المؤشرات الماكرو اقتصادية لم تخطئه عيون الخبراء ومضامين تقارير وطنية ودولية.
بلغة المنجَز فإنه رغم عدم بلوغ نسبة النمو التي حددها قانون المالية 2024، رغم جهود الحكومة لتحفيز الاستثمار للحد من ارتفاع معدل البطالة وكذا المحافظة على التوازنات الماكرو-اقتصادية نظرا للتغيرات الجيوسياسية واستمرار اللايقين، بيْدَ أن مؤشرات قطاع الصناعة (خاصة صناعة السيارات) ودينامية السياحة، مع تحويلات قياسية لمغاربة العالم، ساهمت بشكل كبير في خلق توازن الاقتصاد الوطني رغم استمرار سنين الإجهاد المائي التي أكملت سِت سنوات عجاف.
في هذا المقال التحليلي تُعيد جريدة جريدة النهار الإلكترونية رسم أبرز ملامح الحصيلة الاقتصادية للعام 2024 الذي يلفظ آخر أيّامه، في شقها الاقتصادي المشكِّل لـ”عصب” الحياة العامة لمواطني كل دولة وسياساتها، ضمن محاولة متواضعة لاستشراف ملامح العام الجديد مع 4 خبراء/محللين متخصصين في الشأن الاقتصادي استطلعت الجريدة آراءهم.
العلاوي: “النمو والاستثمارات”
بالنسبة لإدريس العلاوي، خبير اقتصادي ومالي، فإن الحصيلة الاقتصادية لعام 2024 موسومة بـ”تراجع معدل النمو إلى دون 3% مقارنة بـ 3,2% عام 2023؛ نظرا لاستمرار الجفاف وعدم قدرة القطاع الفلاحي على خلق قيمة مضافة كبيرة، ما حدّ من تأثيره تحسن أداء القطاعات غير الفلاحية…”؛ غير أنه سجل بإيجابية “انتقال غلاف الاستثمار العمومي من 300 مليار في 2023 إلى 335 مليار درهم في 2024، ما ساهم في تعزيز البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد الوطني”، مع تسجيل “عدم استفادة المقاولات المتوسطة والصغيرة من ميثاق الاستثمار الجديد”.
وتحدث العلاوي، في تصريح لجريدة النهار، عن أبرز “الأوراش المفتوحة”، موردا أن مشاريع “البنية التحتية الرياضية” تتصدّرها في إطار الاستعدادات لكأس إفريقيا 2025 وكأس العالم (المونديال) 2030، مشيرا إلى “بداية تحديث وتطوير الملاعب والمنشآت الرياضية المغربية، بما فيها بناء ملعب الحسن الثاني الكبير بسعة 115,000 مقعد ببنسليمان بـ 5 مليارات درهم”، وزاد: “أما بشأن تطوير النقل فيشمل توسيع شبكة السكك الحديدية عالية السرعة، وزيادة سعة المطارات لتصل إلى 80 مليون مسافر بحلول 2030، بهدف تحسين الربط الداخلي وتعزيز السياحة”.
وتابع المحلل الاقتصادي ذاته: “من المتوقع أن يستثمر المغرب حوالي 50 مليار درهم في تطوير البنية التحتية المرتبطة بالبطولات الرياضية الكبرى، ما سيساهم في خلق فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي”، مسجلا “العوائد الاقتصادية الكبيرة عبر إسهام تنظيم هذه الفعاليات في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 0.6% و0.9%، مع تعزيز قطاعات السياحة والخدمات، أساسًا”.
وقدّر المتحدث أن “زيادات الأجور والرواتب طفيفة، بعد مراجعة جدول الضريبة على الدخل في قانون المالية لسنة 2025، وكذا استمرار تنزيل مخرجات الحوار الاجتماعي، ما قد يساهم في تحسين القدرة الشرائية للأسر ولوْ بشكل طفيف”؛ كما استحضر “عمل الحكومة على تعزيز البرامج الاجتماعية (مواصلة تنزيل الورش الملكي لتعميم التغطية الصحية وكذا الدعم المباشر وتحسين الخدمات الأساسية)، ما ينعكس إيجاباً على مستوى معيشة الأسر الهشة”.
بشكل عام “يُتوقع أن يشهد الاقتصاد المغربي نمواً مستداماً عام 2025، مدعوماً بالاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية والاستعدادات للفعاليات الرياضية الكبرى، ما سيؤثر إيجاباً على الوضعية المالية والاقتصادية للأسر المغربية، ليبقى التحدي الأكبر هو خفض نسبة البطالة التي قاربت 14% سنة 2024، ومحاولة الاستثمار في القطاعات المنتجة للقيمة المضافة الكبيرة، وإعادة بلورة تصور نموذج النمو الاقتصادي بحيث لا يؤثر ضعف القطاع الفلاحي بسبب الجفاف الذي أصبح هيكليًا على النمو الإجمالي للاقتصاد الوطني”، وفق العلاوي.
الهيري: “تحسّن المؤشرات”
من جانبه يرى عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” في كلية الاقتصاد بفاس، أنه “في ظل الآفاق المستقبلية والاقتصادية الواعدة للمغرب يُنتظر أن تتحسن المؤشرات الماكرو اقتصادية الوطنية، خصوصا إذا اعتمدنا على مسار توقعات صندوق النقد الدولي إلى غاية 2029، التي تشير إلى التحكم في مستوى التضخم وكذلك في عجز الميزانية”.
واستدرك الهيري: “لكن هذه التوقعات تشير كذلك إلى كون نسبة النمو تبقى أقل من 4% (3.6% بدءا من 2026)، وهذا ما يتنافى مع أهداف النموذج التنموي”، مسجلا في تصريحه للجريدة أن “التحكم في التضخم يسمح بتحسين القدرة الشرائية للأسر، خصوصا أن جزءًا منها ستستفيد من التخفيض في الضريبة على الدخل، بما يشمل أسر المتقاعدين”.
ولفت المحلل ذاته الانتباه إلى “قدرة الاقتصاد الوطني على التحكم في مجموعة من القطاعات، منها الإنتاج الغذائي، المرتبط بالتقلبات المناخية، وهذا التحسن مرتبط كذلك في الإطار نفسه بقدرة المغرب على المضي قدما في المشاريع المرتبطة بالماء، (من بناء السدود، وتحلية مياه البحر)، وكذلك في إطار التحكم في تكلفة تحلية مياه البحر عن طريق تقوية وتنمية الطاقات المتجددة”.
وأجمَل أستاذ الاقتصاد نفسه بأن “مستوى عيش الأسر سيتحسّن إذا كانت التوقعات سائرة في اتجاه التحكم في نسبة التضخم، وضبط أثمان المواد الغذائية، وكذلك في قدرة الاقتصاد الوطني على خلق مزيد من مناصب الشغل ودينامية جذب الاستثمارات”، مشددا على أن “معيشة الأسر رهينة بجودة الخدمات العمومية الأساسية كالصحة والتعليم؛ ما يتطلب رفع جودة النفقات العمومية وتحقيق نجاعة تعزز رضا وثقة الأسر”.
الأزرق: “إعادة تحفيز الطلب الداخلي”
بدوره أبرز بدر الزاهر الأزرق، خبير اقتصادي، أن “2024 تميّزت بالتمكن من الخروج من أحد أهم الأزمات التي عصفت بالاقتصاد المغربي، وهي أزمة التضخم، الذي سجل استقرارا مثلما هو الحال على مستوى عجز الموازنة”، مستحضراً “عودة بنك المغرب لتخفيض سعر الفائدة الرئيسي، وهو مؤشر إيجابي على كوننا بدأنا الخروج من فترة الأزمة، وبصدد إعادة تحفيز الطلب الداخلي الذي أصابه ركود خلال السنة الماضية”، وفق تعبيره.
واعتبر الأزرق، مصرحا لجريدة النهار، أن “الجفاف الذي يخيّم على القطاع الفلاحي مازال يُلقي بظلاله الثقيلة على السنة المقبلة؛ فيما تشكل القيمة المضافة الفلاحية أبرز التحديات بالنسبة للمغرب، ناهيك عن مسألة الماء، إلى جانب مسألة السيادة الطاقية وتنويع الاقتصاد المغربي”.
وفضلا عن “الإجراءات التي قامت بها الحكومات، سواء على مستوى تعزيز الحماية الاجتماعية أو تعزيز البنية التحتية الصحية”، عدّد الخبير الاقتصادي “تدابير تعزيز المنظومة الأجرية بإعفاء الضريبة على الدخل على المعاشات بشكل كلي، وبشكل جزئي على أجور الموظفين والمستخدمين أيضا؛ ما سيكون له دور إيجابي بجانب إجراءات تحفيز الطلب الداخلي”.
كلها مؤشرات، وفق المتحدث، توحي بأن سنة 2025 ستكون بعنوان عودة الطلب الداخلي بالمغرب، وسنة انتعاش أداء المقاولات المغربية، سواء داخل البلد أو خارجه؛ “لأن مجموعة من الأحداث سوف يكون لها وقع جيد على أداء الاقتصاد المغربي، وفي مقدمتها استعدادات تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، ابتداء من كأس إفريقيا السنة المقبلة ووصولا إلى كأس العالم؛ ما يجعل التفاؤل بانتعاشة اقتصادية رهينَ تقدّم الأوراش الكبرى والبنية التحتية للسكك الحديدية والطرق والموانئ والمطارات”.
وبينما أكد أن المشاريع الكبرى “ستخلق مناصب شغل جديدة مع إعطاء فرص واعدة للشركات المغربية والأجنبية من أجل الاستثمار”، ختم الأزرق منبهاً إلى “ضرورة تدارك الحكومة إشكالية البطالة والتركيز على التشغيل في المتبقي من ولايتها”.
كراوي: “تباطؤ النمو وتحديات التشغيل”
يوسف كراوي الفيلالي، خبير اقتصادي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، بسَط قراءة “حذرة” لحصيلة 2024 الاقتصادية، مستشرفاً استمرار تأثيرها في العام الجديد، إذ “يُلاحظ تباطؤ النمو بصفة عامة الذي يبقى في حدود 3 في المائة كأقصى تقدير، وبفضل القيمة المضافة غير الفلاحية؛ أي إن نمو القطاع الصناعي هو ما أنقذ الموقف، لأن القيمة المضافة الفلاحية ضعيفة جدا”.
ورغم “إيجابية التحكم في نسبة التضخم لتبقى في حدود 2% مع ضبط عجز الميزانية” أكد الخبير الاقتصادي ذاته، في حديثه لـ جريدة النهار، أن “هناك إجراءات في قانون مالية 2025 ستمكن من تحسين طفيف من القدرة الشرائية للمواطنين، منها مراجعة الضريبة على الدخل، ثم الإعفاء الذي يمس فئة من المتقاعدين”، وسجل بأسف “الاستمرارية الكلاسيكية للفرضيات نفسها التي تعتمد على المحصول الزراعي وثمن غاز البوتان والقيمة المضافة الفلاحية، وهو ما يرهن تحقيق نسبة 4.5% المحددة في مالية 2025”.
وتابع كراوي الفيلالي: “مع الأسف إذا ظل الاعتماد على القيمة المضافة الفلاحية ستكون نسبة النمو الاقتصادي العام غير قابلة للتحقيق”، مستدلا بأن “بنك المغرب توقع مؤخرا نسبة النمو 2025 في 2.5، مع تحكم بالتضخم في 2%، والتحكم في المديونية وفي عجز الميزانية، المرتقب أن يصل السنة المقبلة إلى نحو 128 مليار درهم، ما يمثل 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام”.
وأردف المحلل الاقتصادي ذاته: “الأهم هو نِسَب النمو وتشغيل الشباب، المرتقب أن تبقى ضعيفة، فيما نسبة البطالة تبقى مرتفعة في فئة النساء، وكذا في أوساط الشباب تجاوزنا 40%”، واصفا هذه المؤشرات بأنها “مقلقة، ميّزت هذه السنة وستبقى الآثار والانعكاسات مستمرة في 2025”.