يستأثر ورش مراجعة مدونة الأسرة بنقاش مجتمعي واسع، يمتد هذه الأيام من جلسات الحديث داخل بيوت الأسر إلى فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي ظل هذا المشهد، برزت على سطح ما يتداول بشأن هذا المشروع الإصلاحي معلومات متباينة تراوحت بين الصحيحة والمغلوطة، وذلك في سياق خرجة حكومية تواصلية جاءت بعد اكتمال مسار الاستشارات الواسعة التي أشرفت عليها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وفي أعقاب إبداء المجلس العلمي الأعلى لرأيه الشرعي، بخصوص بعض مقترحات الهيئة المرتبطة بنصوص دينية قطعية.
وقدم في اللقاء التواصلي الخطوط العريضة لما تحقق في الموضوع، وذلك في وقت اتسم النقاش بترويج مجموعة من المغالطات.
وهو ما ترصده “الصحراء المغربية” في هذا المقال، الذي يسلط الضوء على الحقائق ويصحح الكثير من الشائعات المنتشرة بخصوص التعديلات المقترحة.
الحضانة والنفقة: حق الطفل أم عبء على الأب؟
من أبرز المغالطات المتداولة أن بقاء الحضانة عند الأم بعد زواجها يعني أن الزوج الأول سيتحمل الإنفاق على طليقته وزوجها الجديد. وهذا مغاير تماما للواقع. فالقانون المغربي يلزم الأب بالإنفاق على أبنائه فقط، ولا يتضمن أي التزام تجاه طليقته بعد انتهاء فترة العدة (ثلاثة أشهر). علاوة على ذلك، يعطى الأب الحق في طلب إسقاط الحضانة إذا ثبت أن مصلحة الطفل الفضلى لا تتحقق مع الأم. وترتكز الحضانة في الشريعة الإسلامية والتشريع المغربي على أولوية النساء، حيث يأتي الأب في المرتبة الخامسة لاستحقاق الحضانة بعد الأم وجدتها وأختها وجدتها من جهة الأب. وهذه المنهجية تهدف إلى ضمان استقرار الطفل ورعايته من قبل من هم أقرب إليه وجدانيا واجتماعيا.
العمل المنزلي وتقسيم الثروة: حقيقة أم تهويل؟
أثير جدل كبير حول ما سمي “تقاسم الثروة” بين الزوجين، وهو مفهوم فجر لغطا منذ صدور مدونة الأسرة عام 2004. وفي المراجعة الجديدة، لا يوجد أي نص يلزم الرجل بتقاسم جميع ممتلكاته المكتسبة قبل الزواج.
ويتعلق التعديل المطروح فقط بتثمين العمل المنزلي للزوجة، حيث ينظر إليه كإسهام فعلي في تكوين الثروة المكتسبة أثناء فترة الزواج. وتطبيق هذا التعديل سيكون مرهونا بعدة عوامل، مثل مدة الزواج وظروف الطرفين.
وتعد هذه الخطوة تقدما في الاعتراف بأهمية العمل غير المدفوع الذي تقدمه الزوجة، دون أن يعني ذلك فرض أي التزامات مالية مجحفة على الأزواج.
السكن بعد وفاة الزوج: حماية للأسرة أم إخلال بالميراث؟
أحد المواضيع المثيرة للنقاش، أيضا، في هذا الموضوع هو مصير السكن بعد وفاة الزوج. والمقترحات الحالية تتحدث عن تمكين الزوجة والأبناء من الاستمرار في الإقامة ببيت الزوجية لفترة محددة بعد الوفاة، وليس تمليكهم إياه أو إخراجه من التركة بشكل دائم. ويهدف هذا الإجراء إلى حماية الأسرة من التشرد أو الضغوط الاجتماعية، خاصة في الحالات التي يكون فيها السكن هو المورد الوحيد للأسرة. ويخضع الإجراء المقترح لشروط قانونية دقيقة تراعي مصلحة الجميع، بمن فيهم الورثة، ويعد استجابة للتحديات الاجتماعية الحالية دون المساس بحقوق الورثة الأخرى.
شهادة الزواج بالخارج: استثناء لا قاعدة
أُثيرت شائعة تفيد أن المراجعة الجديدة تسقط شرط “الإسلام” في الشهادة على الزواج. وهذه المعلومة غير دقيقة. فالتعديل المقترح ينطبق فقط على المغاربة المقيمين بالخارج، حيث يصعب أحيانا العثور على شهود مسلمين في بلدان المهجر. والهدف من هذا التعديل هو تسهيل توثيق عقود الزواج في إطار القوانين المحلية لتلك الدول، مع الاحتفاظ بالشروط الشرعية داخل المغرب.
أبعاد المراجعة يذكر أن التعديلات الجديدة التي أُعلن عنها هي خطوط عريضة تمهد لمرحلة صياغة النصوص القانونية النهائية، وهو ما يعني أن الكثير من التفاصيل ستخضع للنقاش والتدقيق قبل اعتمادها.
وقد لعب المجلس العلمي الأعلى، بصفته الجهة الشرعية العليا، دورا محوريا في دراسة هذه التعديلات والمصادقة على ما يتماشى مع الشريعة الإسلامية، مع تقديم حلول بديلة في بعض المواضيع الجدلية.
كما أن المقترحات المعتمدة حظيت بموافقة ملكية باعتبار الملك أمير المؤمنين، وهي خطوة تعكس التزاماً بتحقيق التوازن بين الاجتهاد الشرعي والمصالح المجتمعية.
نقاط إيجابية تعد مراجعة مدونة الأسرة خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتحديث التشريعي، وتهدف إلى تعزيز استقرار الأسرة وصون حقوق جميع أفرادها.
وتتجلى أبرز النقاط الإيجابية التي جاءت بها هذه المراجعة، في تبسيط إجراءات الزواج (تسهيل المساطر الإدارية والقانونية المرتبطة بالزواج، مما يجعل العملية أكثر سلاسة وشفافية)، وتعزيز القضاء المتخصص (تحسين البنية التحتية القضائية المتعلقة بقضايا الأسرة وتأهيل الموارد البشرية لضمان خدمة قضائية ذات جودة عالية).
كما تتمثل، أيضا، في إنشاء هيئة للصلح والوساطة (تقديم بدائل قانونية مبتكرة لحل النزاعات الأسرية بطرق ودية، مما يقلل من الضغط على المحاكم ويساهم في تقليل التوتر بين الأطراف)، وتطوير نظام الطلاق الاتفاقي (إمكانية توثيق الطلاق بشكل ودي أمام العدول دون الحاجة إلى المرور بإجراءات قضائية معقدة، ما يسهل إنهاء العلاقة الزوجية برضى الطرفين).
وتمثل هذه التعديلات تقدما كبيرا في تعزيز استقرار الأسرة المغربية وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وإنصافا.