تقرير يرصد “تسارع” إفلاس المقاولات الصغرى والمتوسطة بعد “جائحة كورونا”

صورةٌ دقيقة عن تطورات عميقة في النسيج المقاولاتي المغربي، خصوصا في سنوات “ما بعد الجائحة”، كشفَ عنها الإصدار الخامس من التقرير السنوي 2024 لـ”المرصد المغربي للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة” (OMTPME)، باسطاً تحليلا ديموغرافيا واقتصاديا وماليًا، خصوصا بالنسبة لفئة “مقاولات الأشخاص الاعتباريين النشطة” لعاميْ 2022 و2023؛ فيما تم إثراء هذا الإصدار بتحليل مقارن لبيانات الفترة 2019-2017 وبيانات ما بعد الجائحة.

التقرير ذاته، الصادر حديثاً، ركز بشكل خاص على “تطور التوظيف في سياق ما بعد كوفيد-19″، متطرقاً أيضا إلى مؤشرات عن “المقاولين الذاتيين” ونتائج دراسة حول “ريادة الأعمال النسائية” في المغرب، خلصت إلى أن “15 في المائة فقط من المقاولات في المغرب تُسيّرها نساء؛ في رقم بقي مستقرا منذ سنة 2020”.

تفاوت في الولوج للتمويل البنكي

تقرير المرصد الذي شمل الفترة 2022-2023 استعرض بتفصيل الدراسة التي قارنت بيانات سنة 2023 (373.835 مقاولة) مع بيانات سنة 2022 (344.563 مقاولة)، مؤكدة خلاصة “استمرار التفاوت بين الجنسين”؛ لاسيما في “الولوج إلى التمويل البنكي” أو إمكانات الحصول عليه.

وأبرزت الدراسة في السياق ذاته أن 14,6 في المائة فقط من المقاولات التي تسيرها نساء تستطيع الولوج إلى التمويل البنكي، وأن حصتها من إجمالي هذا التمويل لا تتجاوز 11,3 في المائة.
ارتفاع التشغيل المصرّح به

في إحدى خلاصاته الدالة حول التشغيل، باستقراء جريدة جريدة النهار نسخة التقرير الكاملة، سجّل المرصد المذكور “ارتفاع عدد مناصب الشغل المصرَّح بها بنسبة %5 في فترة ما بعد الجائحة مقارنة بـ %2 في فترة ما قبل الجائحة”. ويعكس هذا تحسنا في إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد، مشيرا إلى “قدرة بعض الخدمات مثل ‘الخدمات الإدارية وخدمات الدعم’ و’النقل والتخزين’ على خلق وظائف جديدة”.

دينامية الإحداث والإفلاس

راصدًا دينامية إحداث الشركات الجديدة، دقق المصدر في “الشكل القانوني للمقاولات بين 2017 و2023″؛ موردا أنه “لوحِظ تزايد في تفضيل وضعية الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك وحيد(SARL-AU) بفضل تبسيط الإجراءات الإدارية، إذ ارتفعت حصتها من 22 إلى 40%”. والمقابل، انخفضت حصة “الشركة ذات المسؤولية المحدودة” (SARL) من 70 إلى 54%.

بعد الانتعاش الاقتصادي في 2021، بإحداث 72.341 من مقاولات الأشخاص الاعتباريين، انخفض العدد إلى 65.059 عام 2022، قبل أن يرتفع إلى 66.896 في عام 2023، متجاوزا بذلك مستواه عام 2019؛ مع الإشارة إلى أن %99 من دينامية إنشاء مقاولة تتعلق بـ”المقاولات متناهية الصغر micro-entreprises”.

استناداً إلى أرقام للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية بلغ عدد المقاولات التي تم حلُّها (أو إفلاسها) ذروته إلى 10.905 شركات عام 2023، بعد أن كان 9.740 شركة عام 2022، مقارنة بمتوسط سنوي يقارب 7.400 شركة في الفترة التي سبقت جائحة كوفيد. “وستكون هذه المقاولات المنحلّة أعلى بكثير إذا تم تضمين الشركات غير النشطة التي لم يتم إغلاقها رسميا”، وفق مُعدّي التقرير.

الابتكار يدعم التنويع والتنافسية

في تعليقه على أرقام التقرير، مقدما قراءة تحليلية لأبرز نتائجه، رصد محمد عادل إيشو، أستاذ العلوم الاقتصادية والتدبير بجامعة بني ملال، “نموا ملحوظاً في عدد الشركات بنسبة 20% بين 2017 و2023، وهو ما يدل على تحسن بيئة الأعمال”، قبل أن يستدرك: “لكن هذه الزيادة جاءت مع اعتماد ملحوظ على الشركات الصغيرة جدًا (86.7% من الإجمالي)، ما يكشف عن محدودية في الموارد والخبرات التي تواجهها هذه الشركات”.

وأضاف إيشو، في إفادات مفصلة لجريدة جريدة النهار، أن “مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في القيمة المضافة بلغت 32.4% في 2023، مقارنة بـ31.5% سنة 2017″؛ وفي نظره “رغم التركيز على قطاعات تقليدية مثل الصناعة التحويلية (21.3%)، التجارة (20.6%)، والبناء (11.4%)، إلا أن التحول نحو الابتكار يبدو ضروريًا لتعزيز التنويع الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية”، حسب تعبيره.

وفي قراءته للجوانب الاجتماعية، كـ”العمل والتمكين”، علّق المتحدث بأن “الشركات الصغيرة والمتوسطة مازالت قاعدة للتوظيف، مستوعبة 73% من القوى العاملة”، وزاد: “ومع ذلك فإن الهجرة المتزايدة نحو القطاع الثالثي الخدمات (66.5% من الوظائف في 2023) مؤشر على ضعف القطاعات الإنتاجية، مثل التجارة والصناعة التحويلية”.

على صعيد آخر تمثل النساء 15% فقط من أرباب الشركات، مع تركيز في قطاعات التعليم والصحة؛ وهو ما يثير “الحاجة إلى سياسات شاملة لدعم التمكين الاقتصادي للمرأة، من خلال برامج تدريبية وتمويلية مُصمّمة خصيصًا لاحتياجاتها (مثلا قروض بنكية بفوائد مخفَّضة)”.

إستراتيجية “الإقلاع المتوازن”

بما أن الشركات الصغيرة والمتوسطة مازالت “عصَب” اقتصاد المغرب، ممثلة النسبة الأكبر من النسيج الإنتاجي الوطني؛ غير أنها تواجه تحديات متنامية في التمويل، الهيكلة، والابتكار، ما يستدعي تبني إستراتيجية وطنية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المغربية والتجارب الدولية الناجحة لتحقيق “الإقلاع المتوازن”، حسب توصيف إيشو.

وفي مقابل اعتماد الاقتصاد المغربي بشكل كبير على قطاعات التجارة والزراعة، ما يضعف قدرته على مواجهة الأزمات الاقتصادية، “يتطلب الأمر توسيع قاعدة الأنشطة الاقتصادية لتشمل قطاعات التكنولوجيا، الصناعات الإبداعية، والطاقة المتجددة”. كما أن “الاستفادة من القدرات البحثية لدى الجامعات المحلية يمكن أن يسهم في تطوير منتجات مبتكرة وخلق فرص جديدة في السوق”، وفق الاقتصادي ذاته.

وأجمل أستاذ الاقتصاد: “تعكس إستراتيجية ‘الإقلاع المتوازن’ رؤية شاملة لتحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة في المغرب. ومن خلال التركيز على الابتكار، التمكين الجهوي، ودعم ريادة الأعمال النسائية، يمكن تحويل هذا القطاع إلى محرك حقيقي للنمو المستدام. وبتطبيق هذه الرؤية سيحقق المغرب تنمية اقتصادية متوازنة تعزز مكانته الإقليمية والدولية”.

Exit mobile version