بحث اقتصادي يقارن الغايات بواقع الأوراش المغربية للطاقات المتجددة

أبرزت ورقة بحثية جديدة، أنجزَها باحث اقتصادي مغربي، إمكانيات المملكة و”حدود المكاسب” المتوقعة من مشاريع دشنتها البلاد في مجال الطاقات المتجددة والانتقال الطاقي النظيف سنة 2009 بإستراتيجية وطنية أشرف على إطلاقها الملك.

ضمن أبرز خلاصاتها أثارت الورقة، المنشورة باللغة الإنجليزية، الانتباه إلى أنه “رغم زيادة المغرب من قدرته على توليد الطاقة المتجددة إلا أن البلاد لم تنجَح في تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري”.

الوثيقة التي نُشرت ضمن مؤلَّف بحثي مشترك أُنجز بتعاون بين “معهد الشرق الأوسط MEI” و”البرنامج الإقليمي لأمن الطاقة وتغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، التابع لمؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية، أنجَزها رشيد أوراز، خبير اقتصادي وباحث غير مُقيم في معهد الشرق الأوسط (مقره واشنطن)، ونُشرت في دجنبر الجاري تحت عنوان “أهداف كبرى ومكاسب متواضعة.. رحلة الطاقة المتجددة بالمغرب”.

عاملان “مُعرقلان”

“رغم أن القدرة المُركَّبة للطاقة المتجددة وصلت إلى 38% من إجمالي توليد الطاقة عام 2022 إلّا أن معظم استهلاك الطاقة في البلاد (82%) مازال مستمداً من مصادر غير متجددة”، يورد أوراز، مبرزا أن “هناك عامليْن يُعرقلان قدرة المغرب على تحقيق أهدافه المعلنة”، وفق تقديره.

العامل الأول، وفق المصدر البحثي ذاته، هو “الزيادة في الاستهلاك المحلّي للطاقة الذي أدى إلى انخفاض مساهمة الطاقات المتجددة في الاستهلاك الكلي مقارنة بخمس سنوات قبل إطلاق خُطط الطاقة المتجددة عام 2009، وقبل 10 سنوات من بدء إنتاج الطاقة الشمسية عام 2015”.

واستدل الباحث ذاته بأنه “عام 2004 بلغت نسبة إنتاج الطاقة المتجددة 11.51%، وهي النسبة التي انخفضت رغم زيادة تطوير الطاقات المتجددة، لتستقر عند 7.86% عام 2020، وإن كانت عاودت الارتفاع إلى 21.30% عام 2023”.

أما العامل الآخر فيتمثل في أن “المغرب يكافح من أجل الاستفادة الكاملة من معدلات الإنتاج الحالية للطاقة المتجددة بسبب محدودية التخزين وعدم كفاية شبكة نقل الطاقة لمسافات طويلة”، مستدلا في هذا السياق باقتباس من تقرير للبنك الدولي لعام 2024 مفاده أن “الانتقال في مجال الطاقة وحصول الجميع على الكهرباء لا يمكن تحقيقه دون وجود مَرافق طاقة جيدة الأداء”.

وترى الورقة البحثية أن “معالجة تحديات الشبكة والتخزين تستدعي تعبئة استثمارات كبيرة لا يمكن تغطيتها فقط من خلال التمويل العمومي في بلد ذي موارد مالية محدودة؛ كما يتطلب الأمر جهوداً مبتكرة لتطوير القدرة على تحسين نقل الطاقة الكهربائية لمسافات طويلة وبجهد عالٍ من الجنوب وتخزين الطاقة المنتجة لاستخدامها في المستقبل؛ فيما مازال المغرب يبحث عن حلول لكِلتا المشكلتين”.

تأخّر تحقيق الأهداف

حاججَتِ الورقة بمصفوفة من الأرقام والبيانات بأنه “رغم إحراز تقدّم منذ عام 2009 واجهت إستراتيجية التحول الطاقي في المغرب تأخيرات في تحقيق أهدافها؛ في وقت ازدادت احتياجات/حاجيات البلاد من الطاقة، ما أدى إلى زيادة اعتمادها على الوقود الأحفوري”.

وبينما استدل الباحث الاقتصادي بأن “المملكة تمكنت من خفض استخدامها للوقود الأحفوري من 97.5 في المائة من إجمالي مصادر الطاقة عام 2009 إلى 90.5 في المائة عام 2022″، إلا أنه وصف ذلك بـ”انخفاض متواضِع بالنظر إلى الأهداف التي تم تحديدها عندما بدأت البلاد مشروعها للتحول في مجال الطاقة”.

واستحضر الباحث “زيادة هشاشة الاقتصاد المغربي نتيجة تقلبات أسعار الوقود الأحفوري (…) وبحلول عام 2009 استحوذت واردات الطاقة على 48% من إجمالي عائدات الصادرات، أي ما يعادل 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتوزيع لتتجاوز قدرة معظَم المستهلكين المغاربة على تحمُّلها”.

كما سجل صاحب الدراسة في استعراضه مسار التحول نحو الطاقات المتجددة أنه “بعد أكثر من عقد من الزمن على وضع إستراتيجيتها للطاقة المتجددة أطلقتِ الحكومة المغربية مجموعة جديدة من الأهداف”، وزاد: “وفي 22 نونبر 2022 أعلن القصر عن خطط لرفع مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة في البلاد إلى 52 في المائة بحلول عام 2030، مع دعوته الصريحة إلى تسريع وتيرة إنجاز المشاريع قيد التطوير، وخصَّ بالذكر ‘نور ميدلت’ بمشاريعه الثلاثة للطاقة الشمسية”.

وخلص أوراز متوسلا “مراجعة” إستراتيجية وأهداف التحول الطاقي في البلاد إلى أبرز “التحديات التي واجهتها البلاد على مدى العقد الماضي؛ بما في ذلك التأخير في التنفيذ، والتناقضات بين والقدرة المُركَّبة والاستخدام، والعمليات التنظيمية المرهِقة، وتوافر الاستثمار”، مشددا على أن “التقييم يوضح أيضًا عدم وجود خيارات لبلدٍ لديه إمكانات محدودة من الوقود الأحفوري والتزامٌ قوي بالأهداف المناخية”.

أسباب رئيسية

حسب ما أورده الباحث غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط فإن “سعي المغرب إلى التحول في اتجاه مصادر الطاقة المتجددة تأطَّر ضمن ثلاثة أسباب رئيسية؛ أوّلها اعتماد المملكة الكامل على الوقود الأحفوري المستورَد”.

أما السبب الثاني فهو “إمكانية الدعم الدولي والفرص المصاحِبة لهذا التحول من المِنح والاستثمارات في الطاقات المتجددة”.

وثالث الأسباب، وفق الباحث، كان “الموقع الجغرافي المتميز بوفرة فترات الشمس وهبوب الرياح، مع سهولة الوصول إلى البحر المتوسط والمحيط الأطلسي الذي يوفر 3500 كيلومتر من السواحل، ويمثل ساحل المحيط الأطلسي منها أكثر من 2000 كيلومتر، وهو الأطوَل بالنسبة لبلد إفريقي”.

يشار إلى أن الهدف من هذا العمل، وفق مُعدّيه، هو “تزويد صانعي السياسات والباحثين وصناع القرار برؤى عمَلية حول الاتجاهات والتحديات والإمكانيات التي تشكلها الطاقة المتجددة في بلدان شمال إفريقيا”.

Exit mobile version