بالموازاة مع استمرار فيلم “نايضة.. كبرها تصغار” لمخرجه سعيد الناصري في حصد آلاف المشاهدات يوميا، متخطيا 17 مليون مشاهدة على منصة “يوتيوب”، يأبى الجدل الذي يثيره إلا أن يرتفع بدوره، خصوصا بعد تمسك جزء من المشاهدين والنقاد السينمائيين بأن الفيلم “تشبّع بالنمطية والشعبوية”، نظرا لطرحه “مشاكل اجتماعية لها أهميتها وراهنيتها بصيغ تفتقر إلى الإبداع السينمائي، وبخطاب يُماثل ذلك الذي يتم تداوله بين الناس، مشاهديه أنفسهم، دون تقديم إضافات أو حلول”.
هذه النظرة النقدية، التي بدا أن ناقدا سينمائيا تحدث لجريدة النهار يتقاسمها، “لا تطرح إشكالا” بالنسبة لسعيد الناصري، مخرج الفيلم، الذي قال إن “رمي الفيلم بالشعبوية لا يزعجني، فالأمر عادي لأن طبيعة “نايضة” وشخصياته شعبوية أساسا”، قبل أن يضيف متسائلا “هل كان يجب أن نوظف اللغة العربية الفصحى ولغة الخشب حتى نُظهر شخصيات الفيلم بأنها مثقفة ورفيعة؟”.
وأبرز الناصري، في تصريح لجريدة النهار، أن “حوار الفيلم كتب بمفردات شعبية، وشخصياته هم أبناء “الدرب” و”الكريان”، أي أنهم شعبيون”، مضيفا “في المقابل كان الحوار بالنسبة للوزراء في الفيلم يستخدم الخطاب الخاص بهم في الواقع، ويستحضر العراقيل التي تقف أمامهم في تحقيق عدد من الإنجازات”. وتابع قائلا: “إنهم (في “نايضة”) يتحدثون بأسلوب راق جدا”.
وأوضح الناصري أنه إذا كان المقصود بالشعبوية “طريقة تعامل الشخصيات أو اللغة الموظفة من قبلهم، فالأمر عادي جدا؛ فلا يمكن أن نأتي بسعيد وسهام من منطقة شعبية، ونُلزمهم بالحديث وكأنهم ضيوف برنامج ثقافي محترم”.
بعض من علّقوا على الفيلم رأوا أنه لا يمثل سوى “إعادة تدوير للخطاب الرائج”، وللتدليل على ذلك أشار جزء من هؤلاء إلى “مشهد توصية امرأة لبطل الفيلم سعيد بتقديم 50 درهما للحصول على كرسي لإدخال والدته للمستشفى”، وهو ما تفاعل معه الناصري بلفت الانتباه إلى أن “الحارس لم يطلب من سعيد هذه الرشوة في نهاية المطاف، بل قابل حديثه الجيد بوعده بمنحه رقم الانتظار”.
وقال مخرج ومنتج “نايضة” إنه استحضر بعين الاعتبار “ضرورة عدم اتهام الشخصية المعنية (حارس أمن المستشفى) بتلقي الرشوة”، مضيفا “لو طالب بها بشكل مباشر لكنا آنذاك أمام صيغة (مشهد) شعبوية بالفعل”.
“الالتزام والصيغة”
في هذا الإطار عدّ الناقد السينمائي إدريس القري “فيلم “نايضة” أحد أفلام شباك التذاكر التي تقدم تنازلات كبيرة للجمهور ليس لأجله، بل لأجل الكسب فقط”، مردفا أن “جماهير هذه الأفلام عادة ما تكون متعطشة لترى الهوية الوطنية وترى ذاتها في الشاشة”.
واستحضر القري، في تصريح لجريدة النهار، “مدّ الإنجازات المغربية على المستويين السياسي والدبلوماسي، وتمكن المغرب من تعزيز بنيته التحتية وتعزيز سيادته الطاقية، موازاة مع ترقب احتضانه تظاهرات قارية وعالمية ككأس إفريقيا وكأس العالم”، مبرزا أن “هذا المدّ قوّى الإحساس الوطني، فتنامت المحتويات الرقمية المصيغة والمروجة لما يسمى بـ”تمغرابيت”، بشكل يلامس الوعي البسيط والتبسيطي لعامة الناس”.
وأضاف أنه “وسط هذا الزخم نجد فيلم “نايضة” وعدة أفلام مماثلة”، مشيرا إلى أنه “في صناعة السينما المغربية والمحتوى السمعي البصري عامة مطلوب أخذ عامة الناس بعين الاعتبار لأنهم المحرك الحقيقي والأساسي لأي تحديث وتنمية”. وتابع قائلا: “حينما يتعلق الأمر بالفن ينبغي على المخرج أن يختار بين أمرين: القيام (صناعة) بالسينما أو باللاسينما. وفي الحالة الأخيرة مهما كانت نيتنا حسنة وكنا وطنيين لن يكون خطابنا إلا كارثيا لأنه يفرغ الهوية الوطنية من مضمونها، ويرجعها سلسلة من الرموز الفلكلورية فارغة المضمون؛ فنصبح أمام تركيب هجين غير مرتبط بالقيم الإنسانية النبيلة والعميقة للبلاد، ونصنع أصناما فارغة وجوفاء”. وأكد أن “هذا الأمر خطير جدا، فهو يربي أجيالا على مشاعر وطنية بسيطة وفوقية وتفتقر إلى الجذور والعمق، فلا تتحمّل المسؤولية وواجب الاجتهاد في الحفر الأركيولوجي والمعرفة والاطلاع العميق على التاريخ”.
وسجل الناقد السينمائي عينه أن “قضايا الأقليات والتهميش وضعف القدرة الشرائية والغلاء والعدالة الضريبية (التي يعالج الفيلم بعضها) مطروحة في المغرب كما العالم، وتنتقدها حتى المؤسسات الرسمية”، مضيفا “في الفيلم الذي نحن بصدده لا أسمي طرق ذلك التزاما من الفنان (المخرج)”.
وتابع قائلا: “التزام الفنان يجب أن يكون راقيا ورمزيا، ويتم التعبير عنه بصيغ مدهشة ترقى بالمشاهد وتسمو بوعيه وبعمقه؛ وليس بمغازلة هذا المشاهد أو إعادة تدوير الخطاب نفسه، الذي يروج أمامه في الواقع دون إبداع أو حرفية سينمائية عالية”.
وأبرز أن “الهدف الحقيقي في الحالة التي نحن بصددها هو الربح على حساب من تتم دغدغة مشاعرهم وإثارة نوع من الحماسة والنقد بواسطة المغازلة السيكولوجية النضالية الجوفاء فيهم”.
“الممارسة تصحح الأخطاء”
متفاعلا مع الموضوع ذاته قال الناقد السينمائي مصطفى علواني إن “وجود أفلام منفتحة على الرأي العام، تتناول المشاكل الاجتماعية المعروفة التي يجد فيها المواطن البسيط والعادي نفسه، أمر عادي لا يجب أن يطرح إشكالا على الإطلاق”، مشيرا إلى أن “الفيلم تميّز بنوع من الجرأة فصوّر واقع “الكاريانات”، ووضع الأصبع على بعض الظواهر الاجتماعية الرائجة بالمغرب، والسلوكيات التي ينتقدها المواطن في المسؤول الوزاري”.
وبالنسبة لعلواني، فإن “الجمع بين طرق الموضوع الشعبي المنفتح والأسلوب السينمائي المركز لم يكن بالمستوى المرتجى، ولكن بالممارسة ومع مرور الوقت يمكن تصحيح الأخطاء التي تحتاج ذلك”.
وأوضح، في تصريح لجريدة النهار، أن “الأفلام من نوع “نايضة”، أي أفلام شباك التذاكر، هدفها إقبال الجماهير في نهاية المطاف، من خلال إثارة قضايا شعبوية وبلغة الناس المألوفة، وهي تعزف على الوتر الحساس للجماهير”، مضيفا “هذه الأفلام لا تستهويني، لكن ذلك لا يعني أن أرفض وجودها أو ألا أوجه إليها نقدا بناء، وأرحب فقط بالأفلام التي تتجاوب مع ذوقي “.
وأوضح الناقد السينمائي عينه أن “اتهام سعيد الناصري بالتطفل على السينما، والكذب حينما قال إن الفيلم ممنوع من العرض، لا ينطوي على نقد، بل محاولة إلغاء الوجود الذي لهذا الفنان كامل الحق فيه”، مبرزا أن “الهدف من النقد يجب أن يكون الدفع بالسينما المغربية نحو طرق مواضيع شعبية قريبة من الذوق العام ومن الإنسان، مع الحرص على تجويد الأسلوب السينمائي وتهذيب اللغة الموظفة”.