شهدت العاصمة الاقتصادية، صباح اليوم الأربعاء، حادثة مأساوية أخرى تُعيد إلى الأذهان خطر مرور الشاحنات الكبيرة وسط مدينة تعجّ بالمركبات والمارة. الحادث وقع عند محطة ترامواي “ابن تاشفين”، حيث اصطدمت شاحنة ضخمة بالمحطة أثناء محاولة السائق السيطرة على المركبة، مما أدى إلى مصرع ثلاثة أشخاص وعدد من المصابين بجروح متفاوتة الخطورة.
ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد، بل تسببت الحادثة في إرباك حركة الترامواي وتأخير مواعيد انطلاق العديد من الخطوط، مما أثّر على آلاف الركاب الذين يعتمدون عليه في تنقلاتهم اليومية.
ليس هذا الحادث استثناءً، بل يندرج ضمن سلسلة من الحوادث المماثلة التي حصدت أرواح الأبرياء وخلفت إصابات وخسائر مادية جسيمة وسط العاصمة الاقتصادية. ومع تزايد حركة المرور اليومية التي تصل إلى أكثر من مليون مركبة، تتحول شوارع الدار البيضاء إلى نقاط سوداء تعرّض السكان للخطر بسبب “الرموكات” التي تجوب أحياء المدينة دون ضوابط صارمة، مما أدى إلى شعور السكان بانعدام الأمان اليومي، حيث أصبحوا يخشون السير في شوارع يفترض أن تكون مخصصة لحمايتهم لا لتعريض حياتهم للخطر.
ففي ماي 2022، انقلبت شاحنة في حي عادل، بالحي المحمدي نفسه، مما أدى إلى دهس سيارة وإصابة أحد الركاب.
وقبل ذلك، دهست شاحنة ثقيلة 11 سيارة عند مدخل الطريق السيار للمدينة، مخلفة خسائر مادية كبيرة وتعطيلًا لحركة المرور لساعات.
وفي حادثة مثيرة، علِق “رموك” بنفق شارع الزرقطوني، مما تسبب في حالة اختناق مروري امتدت إلى مختلف أرجاء المنطقة.
من المسؤول عن هذا النزيف المستمر؟
كشف الحادث الأخير عن سبب مأساوي متكرر يتجلى في أعطال تقنية بالشاحنات، مثل ضعف الفرامل، والتي لا تجد رقابة صارمة من الجهات المختصة، كما أن استمرار السماح لهذه المركبات الضخمة بالتنقل في قلب المدينة المزدحمة، تُبقى تجعل وقوع حوادث المميتة مجرد مسألة وقت.
ورغم إعلان مجلس جماعة الدار البيضاء عن خطط لمنع مرور الشاحنات الكبيرة وسط المدينة، إلا أن التنفيذ ظل متأخرًا. فمنذ ثلاث سنوات، تم الحديث إقامة منصات لوجستية خارج المدينة لتجمع الشاحنات، وصودق على دخولها إلى حيز التنفيذ في مارس 2024، لكنها لا تزال حبراً على ورق.
كما تم إنشاء طرق بديلة تربط الميناء بشبكة الطرق السريعة، لكن العديد من السائقين يفضلون المرور من وسط المدينة لربح الوقت في تنقلاتهم في بين أحياء الدارالبيضاء.
وجرى أيضا فرض قيود زمنية على مرور الشاحنات الكبيرة، وهو إجراء يطبق بشكل غير منتظم وغير فعال.
إن استمرار هذه الكوارث لا يحتمل المزيد من الانتظار. يجب على الجهات المسؤولة التحرك فورًا لتفعيل القرارات المتخذة، مع ضرورة فرض عقوبات صارمة على المخالفين من السائقين وأصحاب الشاحنات.